الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولا :
سبق بيان أن الإسلام لا يلتفت إلى الفوارق في اللون , والجنس , والنسب ؛ فالناس كلهم لآدم ، وآدم خلق من تراب ، وإنما يكون التفاضل في الإسلام بين الناس بالإيمان والتقوى ، بفعل ما أمر الله به ، واجتناب ما نهى الله عنه .
وقد روى الترمذي (3270) عَنْ ابْنِ عُمَرَ : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا ، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ ، قَالَ اللَّهُ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) صححه الألباني في “صحيح الترمذي” .
وروى أحمد (22978) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ : ” حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، أَبَلَّغْتُ ؟ ) قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.
صححه الألباني في “الصحيحة” (6/199) .
وروى البخاري (4898) ومسلم (2546) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ” كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ : ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قَالَ قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ : ( لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ) .
وروى البخاري (5990) ومسلم (215) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ : ( أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي يَعْنِي فُلَانًا لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” فأخبر صلى الله عليه وسلم عن بطن قريب النسب أنهم ليسوا بمجرد النسب أولياءه إنما وليه الله وصالحو المؤمنين من جميع الأصناف ” انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم (144) .
وينظر جواب السؤال رقم (12391) ورقم (3793) .
ثانيا :
روى الإمام أحمد (17195) حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ أَنَّهُ قَالَ: ” إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعَنْ أَهْلَ الْيَمَنِ فَإِنَّهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ حَصِينَةٌ حُصُونُهُمْ فَقَالَ: لَا ، ثُمَّ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْجَمِيِّينَ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا مَرُّوا بِكُمْ يَسُوقُونَ نِسَاءَهُمْ يَحْمِلُونَ أَبْنَاءَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ فَإِنَّهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ ) .
قال محققو مسند الإمام أحمد ، ط الرسالة (29/194) : ” إسناده ضعيف، بقية- وهو ابن الوليد- يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن، فلا يقبل حديثه إلا أن يصرح بالسماع في جميع طبقات السند.
وأخرجه ابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (2280) ، والطبراني في “الكبير” 17/ (304) ، وفي “الشاميين” (1139) من طريق عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، وابن أبي عاصم (2280) عن هشام بن عمار، كلاهما عن بقية ابن الوليد ، بهذا الإسناد. ووقع في “الشاميين” إسماعيل بن عياش بدل بقية ، ويغلب على ظننا أنه خطأ من الناسخ ” انتهى .
وعلى افتراض أن الحديث صحيح ، فمعناه محمول على من يستحق اللعنة منهم ، من الكفرة والفجرة ونحوهم ؛ وإنما خص هؤلاء بالذكر ، لغلبة حال الكفر والضلال عليهم ، خاصة في ذلك الزمان .
ثالثا :
تقدم في جواب السؤال رقم (115934) أن أهل السنة والجماعة متفقون على أفضلية العروبة على غيرها من الأعراق والأنساب ، وأن تفضيل العروبة هو تفضيل جنس وليس تفضيل أفراد ، فالعجمي المتقي الصالح خير من العربي المقصر في حق الله تعالى .
فالمسلم العربي لا يكون أفضل من المسلم الأعجمي لمجرد عربيته ، وإنما يتفاضلان بالتقوى ، فمن كان أتقى لله كان أفضل من صاحبه ، سواء كان عربيا أو أعجميا .
فكونك لست عربيا خالصا لا يعني أنك أقل من العربي الخالص في الفضل والدرجة لمجرد ذلك ، فكما تبين مما سبق أن المعيار الحقيقي إنما هو بالإيمان والعمل الصالح .
رابعا :
هناك من الصحابة من ليس عربيا كسلمان ومقسم الفارسيين ، وبلال الحبشي وزنيرة الرومية وبركة الحبشية ، وغيرهم كسحيم مولى بني الحسحاس ، ويعيش غلام بني المغيرة وخالد بن الحواري ، وتمام الحبشي .
وقد روى الحاكم (8194) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( رأيت غنما كثيرة سوداء دخلت فيها غنم كثيرة بيض قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم قالوا : العجم يا رسول الله ؟ قال : ( لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم وأسعدهم به الناس ) صححه الألباني في “الصحيحة” (1018) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” ومصداق ذلك ما وجد في التابعين ومن بعدهم من أبناء فارس الأحرار والموالي ، مثل الحسن وابن سيرين وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم ، إلى من وجد بعد ذلك فيهم من المبرزين في الإيمان والدين والعلم حتى صار هؤلاء المبرزون أفضل من أكثر العرب .
وكذلك في سائر أصناف العجم من الحبشة والروم والترك وغيرهم سابقون في الإيمان والدين ، لا يحصون كثرة ، على ما هو معروف عند العلماء ؛ إذ الفضل الحقيقي هو اتباع ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من الإيمان والعلم باطنا وظاهرا ، فكل من كان فيه أمكن ، كان أفضل ، والفضل إنما هو بالأسماء المحمودة في الكتاب والسنة ، مثل الإسلام والإيمان والبر والتقوى والعلم والعمل الصالح والإحسان ونحو ذلك ، لا بمجرد كون الإنسان عربيا أو عجميا أو أسود أو أبيض ، ولا بكونه قرويا أو بدويا ” انتهى من “اقتضاء الصراط” (ص 145) .
والله تعالى أعلم .