تنزيل
0 / 0
958025/09/2012

هل يجوز للزوجة رفض طلب زوجها إرضاع الطفلة المحضونة ؟

السؤال: 183429

بقيت بعد زواجي خمس سنوات دون إنجاب ، فاتفقنا أن نتكفل طفلة ، وبعد أن بدأنا بالإجراءات علمت بحملي ، فاتفقنا على إتمام موضوع الكفالة ، ولكن بعد ولادتي وجدت الأمر صعبا ، فصحتي لن تساعدني في تربية طفلين بعمر واحد ، وسوف أقصر معهما ، كما أني أخاف من عدم العدل بينهما ، واستخرت وقررت أن أترك موضوع الكفالة ، وكان زوجي قد خيَّرني فيه ، فلما أخبرته بقراري غضب عليَّ وأصر على إتمامه ، وبعد استلامنا للطفلة تعبت في خدمتها ، فأخَذَتها والدة زوجي ، ولكنه صار غاضبا مني ، وأساء معاملتي جدا وأهانني ، وبعد أن طلبت منه والدته إبقاء الطفلة معها طلب مني إرضاعها ، ولكني رفضت ؛ لأني كرهت هذا الأمر لما سببه لي من مشاكل ، وقلت له : أن ترضعها أخته ؛ لأنها ستأخذ الطفلة في المستقبل .
وأسئلتي هي :
1. هل يجوز لي رفض طلب زوجي في إرضاع الطفلة ؟
2. نحن نخفي ابنتنا الحقيقية عند زيارة المشرف على الكفالة ؛ لأنهم إذا علموا بإنجابنا سيسحبون منا الطفلة المكفولة ، وقد مضينا إقرارا بإخبارهم إذا أنجبنا ، فهل هذا خطأ ؟
3. يقول لي زوجي إن الله رزقنا بالذرية ؛ لأننا تكفلنا بطفلة فإذا تركناها قد يبتلينا الله في ابنتنا هل هذا صحيح ؟
4. اقترحت على زوجي أن نكفلها بالمال في مكانها فرفض ، وقال : إنه يريد تطبيق حديث : ( أنا وكافل اليتيم كهاتين )، فهل الكفالة يجب أن تكون بالتربية في المنزل ؟
5. هل أنا أصد عن سبيل الله وأبخل بالخير بعد النعمة ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ليس من الحكمة في شيء أن يصير عمل الخير والمعروف سببا للنزاع والشقاق بين الزوجين
، وسببا لتبادل الاتهامات وإحداث الاضطرابات في الأسرة التي كانت آمنة مطمئنة ،
فذلك من سبيل الشيطان الذي يريد أن يوقع بين الناس العداوة والبغضاء ، ويفرق أواصر
المحبة والألفة بينهم ، ولو عرف كل واحد حقوقه وواجباته لما وصل الحال إلى ما ذكر
في السؤال .
فالحضانة في الشريعة الإسلامية حق للحاضن وليست حقا عليه ، بمعنى أن الحاضن بالخيار
، إن شاء حضن الولد واشتغل بتربيته ورعايته ، وإن شاء ردَّه إلى وليه وطلب منه
كفالة المحضون بمن يقوم على شؤونه ، ولا يجب إلا في حالة الاضطرار ، بأن لا يتوفر
إلا هذا الحاضن ، فحينئذ لا يجوز له أن يترك الولد إلى ضياع .
وهذا كله في الولد الذي بينه وبين حاضنه رحم ، فكيف الشأن إذا كان المحضون يتيما
تريدون كفالته ، لا شك أن هذا أولى أن لا يكون واجبا على الزوجة .
يقول ابن الهمام الحنفي رحمه الله :
” إذا طلبت الأم فهي أحق به ، وإن أبت لا تُجبر على الحضانة ” انتهى من ” فتح
القدير ” (4/368) .
ويقول ابن عابدين الحنفي رحمه الله :
” اختُلف في الحضانة ، هل هي حق الحاضنة ، أو حق الولد ؟ فقيل بالأول ، فلا تجبر
إذا امتنعت ، ورجحه غير واحد ، وعليه الفتوى ” انتهى باختصار من ” رد المحتار ”
(3/559) .
ويقول النفراوي المالكي رحمه الله :
” حكم الحضانة هو الوجوب العيني إن لم يوجد إلا الحاضن ولو أجنبيا من المحضون ،
والكفائي عند تعدده ” انتهى من ” الفواكه الدواني ” (2/65) .
ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
” الأم لا تجبر – يعني على الحضانة -، ومحله إذا لم تلزمها نفقته ، وإلا أجبرت ”
انتهى من “تحفة المحتاج” (8/359) .
ويقول البهوتي رحمه الله :
” لو امتنعت الأم من حضانته لم تجبر عليها ؛ لأنها غير واجبة عليها ” انتهى من ”
كشاف القناع ” (5/496) .
وقد استدل الفقهاء على ذلك بقوله تعالى : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ
فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) الطلاق/6.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله :
” ( تعاسرتم ) أي : في أجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأم رضاعها ، وأبت الأم أن
ترضعه ، فليس له إكراهها ، وليستأجر مرضعة غير أمه ” انتهى من ” الجامع لأحكام
القرآن ” (18/169) .
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” أي : وإن اختلف الرجل والمرأة ، فطلبت المرأة أجرة الرضاع كثيرا ولم يجبها الرجل
إلى ذلك ، أو بذل الرجل قليلا ولم توافقه عليه ، فليسترضع له غيرها ، فلو رضيت الأم
بما استؤجرت عليه الأجنبية فهي أحق بولدها ” انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ”
(8/153) .
فليس من الواجب عليك كفالة تلك اليتيمة وحضانتها في بيتك ، كما لا يجوز لزوجك أن
يكرهك على ذلك ، فالإحسان لا يتحقق إلا بمحض القصد والإرادة الخالصة لوجه الله ،
وإلا كان عمل الخير وبالا على صاحبه .
ولا ينبغي قلب المندوبات إلى واجبات بدعوى الخوف من العقوبة ، فالله عز وجل لا
يعاقب إلا على المعاصي ، ويعفو عن كثير ، كما قال سبحانه : ( وَمَا أَصَابَكُمْ
مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى/30.
ولا يبتلي لأجل ترك عمل مندوب ، وإنما لحكمة يعلمها سبحانه .

ومع ذلك نقول لكم إنكم
أحسنتم حين نويتم عازمين على كفالة اليتيم ، فأكرمكم الله عز وجل بالولد الصالح
بإذنه سبحانه ، فكان من شكر النعمة أن تتموا ما عزمتم عليه ، وتتكفلوا تلك اليتيمة
أو فاقدة الوالدين شكرا لله عز وجل على منته عليكم ، فقد قال سبحانه وتعالى : (
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ
اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) النحل/114، ولكن ذلك لا يعني وجوب
كفالة تلك اليتيمة في حقكم ، وترتب العقوبة عليكم إن لم تفعلوا ذلك ، بل ولا يعني
ذلك أن تخفوا أمر ابنكم الحقيقي ، لأجل ألا تمنعوا من كفالة اليتيم ؛ فإن كان ذلك
شرطا للقائم على أمر الأيتام ، فليس لكم أن تخفوا حقيقة الأمر عنهم ؛ والأحكام
الشرعية لا تختلط بهذه الطريقة ، بل يبقى المستحب مستحبا حتى ينتقل إلى الوجوب
بدليل شرعي كالنذر مثلا .

ولهذا نوصيك بالحرص على
رعاية تلك اليتيمة ما أمكن ، واحتساب ذلك لوجه الله ، واستحضار النية الصالحة كي
تنالي أجر كفالة اليتيم ، فإن لم تتمكني فلا حرج في الاعتذار لزوجك ، وتذكيره بما
سبق تقريره في هذه الفتوى ، وتذكيره بعدم جواز مخالفة تعليمات المؤسسة القائمة على
هؤلاء الأطفال ، فلا يجوز كتمان ولادتك عنهم ، فطاعة الله عز وجل لا تتم بمخالفة
التعليمات والشروط التي وضعت لمصالح الأطفال ، وقد التزمتم مع المؤسسة بالصدق وحفظ
الأمانة ، فلا تخلفوا ما تعاقدتم عليه ، وقد قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) النساء/58.
أما عن حقيقة كفالة اليتيم التي يتحقق بها الأجر الوارد في الحديث فقد سبق بيانها
تفصيلا في موقعنا في الفتوى رقم : (47190).

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android