تنزيل
0 / 0

هل مكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة عشر سنين أو ثلاث عشرة سنة ؟

السؤال: 185849

يخرج أناس علينا بهذا الحديث في محاولة لدحض الحق : الحديث في البخاري الجزء السابع كتاب 72 رقم (787) ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ ، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ ، وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ”
وحديث آخر عن ابن عباس: ” بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ، يُوحَى إِلَيْهِ ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ”

فما قولكم في الفرق بين الحديثين ؟ ، وكيف يجمع بينهما ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
المشهور الذي عليه جمهور أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة قبل
النبوة أربعين سنة ، وأقام بها بعد النبوة ثلاث عشرة سنة ، وأقام بالمدينة بعد
الهجرة عشر سنين ، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة – صلى الله عليه وسلم .
قال النووي رحمه الله :
” وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ
بَعْد الْهِجْرَة عَشْر سِنِينَ , وَبِمَكَّة قَبْل النُّبُوَّة أَرْبَعِينَ سَنَة
, وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي قَدْر إِقَامَته بِمَكَّة بَعْد النُّبُوَّة , وَقبلَ
الْهِجْرَة ، وَالصَّحِيح أَنَّهَا ثَلَاث عَشْرَة , فَيَكُون عُمْره ثَلَاثًا
وَسِتِّينَ , وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْس أَرْبَعِينَ
سَنَة هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاء ” انتهى .
وهذا هو منطوق ما رواه البخاري (3902) ومسلم (2351) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ” بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً
يُوحَى إِلَيْهِ ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَمَاتَ
وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ” .

وأما ما رواه البخاري (3547)
ومسلم (2347) ـ أيضا ـ عن أَنَس بْن مَالِكٍ ، يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ
وَلَا بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ ،
لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ
أَرْبَعِينَ ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ ،
وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ
عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ ).

فللعلماء في الجمع بين
الحديثين طرق:
الأولى : إلغاء الكسر في حديث أنس ، وإثباته في حديث ابن عباس ؛ فيكون حديث ابن
عباس قد دقق في عد السنوات ، وأما حديث أنس فقد اهتم بذكر العشرة ( العقد ) ، ولم
يعتن بنقل الكسر الزائد عليها ، وهي طريقة للعرب ، حيث كانت أمة أمية .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” قَوْله : ( فَلَبِثَ بِمَكَّة عَشْر سِنِينَ يَنْزِل عَلَيْهِ ) مُقْتَضَى هَذَا
أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ سَنَة , وَأَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَنَس ”
أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ” وَهُوَ
مُوَافِق لِحَدِيثِ عَائِشَة الْمَاضِي قَرِيبًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُور ,
وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : لَا بُدّ أَنْ يَكُون الصَّحِيح أَحَدهمَا , وَجَمَعَ
غَيْره بِإِلْغَاءِ الْكَسْر ” انتهى من ” فتح الباري ” (6/570) .
وقال النووي :
” اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ أَصَحّ الرّوايَات ثَلَاث وَسِتُّونَ …
وَرِوَايَة سِتِّينَ اِقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى الْعُقُود وَتَرْك الْكَسْر ” انتهى
من ” شرح مسلم ” (15/99) .
وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر الاختلاف :
” وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرًا
مَا تَحْذِفُ الْكَسْرَ ” انتهى .
“البداية والنهاية” (5/ 257) .

والذي يدل عليه أن كل من
رُوى عنه من الصحابة ما يخالف المشهور جاء عنه رواية تضبط العدد ، على حسب القول
الآخر المشهور .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” قَوْله : ( لَبِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة عَشْر
سِنِينَ يَنْزِل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَبِالْمَدِينَةِ عَشْر سِنِينَ ) وَهَذَا
ظَاهِره أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ سِتِّينَ سَنَة ، إِذَا
اِنْضَمَّ إِلَى الْمَشْهُور أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْس الْأَرْبَعِينَ , لَكِنْ
يُمْكِن أَنْ يَكُون الرَّاوِي أَلْغَى الْكَسْر كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي
الْوَفَاة النَّبَوِيَّة , فَإِنَّ كُلّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ
أَوْ أَكْثَر مِنْ ثَلَاث وَسِتِّينَ ، جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا
وَسِتِّينَ .
فَالْمُعْتَمَد أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ , وَمَا يُخَالِف ذَلِكَ إِمَّا
أَنْ يُحْمَل عَلَى إِلْغَاء الْكَسْر فِي السِّنِينَ , وَإِمَّا عَلَى جَبْر
الْكَسْر فِي الشُّهُور ” انتهى من ” فتح الباري ” (9/4) .

الطريقة الثانية : أن يحمل
قول مَن قال : مكث ثلاث عشرة سنة ، على أنه عدّ ذلك من أول نزول الوحي ، وأما من
قال : مكث عشرا ، فقد عدّ من بعد فترة الوحي ؛ فإن الوحي فَتَر زمنا ، ثم حمي
وتتابع .
قال ابن كثير رحمه الله :
” قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ
دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ وَهُوَ ابْنُ
أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَقُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلُ ثَلَاثَ سِنِينَ ،
فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ ، وَلَمْ يَنْزِلِ الْقُرْآنُ ،
فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلُ فَنَزَلَ
الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ عِشْرِينَ سَنَةً عَشْرًا بِمَكَّةَ وَعَشْرًا
بِالْمَدِينَةِ ، فَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
قال ابن كثير : فَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى الشَّعْبِيِّ ، وَهُوَ يَقْتَضِي
أَنَّ إِسْرَافِيلَ قُرِنَ مَعَهُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ
جَاءَهُ جِبْرِيلُ ” انتهى من “البداية والنهاية” (3/ 4) .
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/151):
” وَقَدْ جَمَعَ السُّهَيْلِيُّ بَيْن الْقَوْلَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ بِوَجْهٍ
آخَر , وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَالَ : مَكَثَ ثَلَاث عَشْرَة عَدَّ مِنْ أَوَّل مَا
جَاءَهُ الْمَلَك بِالنُّبُوَّةِ , وَمَنْ قَالَ : مَكَثَ عَشْرًا أَخَذَ مَا بَعْد
فَتْرَة الْوَحْي وَمَجِيء الْمَلَك بِيَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر ” انتهى .
وقال أيضا في الفتح (9/4):
” أَوْ أَنَّهُ عَلَى رَأْس الْأَرْبَعِينَ قُرِنَ بِهِ مِيكَائِيل أَوْ
إِسْرَافِيل ، فَكَانَ يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَة أَوْ الشَّيْء مُدَّة ثَلَاث
سِنِينَ ، كَمَا جَاءَ مِنْ وَجْه مُرْسَل , ثُمَّ قُرِنَ بِهِ جِبْرِيل فَكَانَ
يَنْزِل عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ مُدَّة عَشْر سِنِينَ بِمَكَّة ” انتهى .

والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android