أنا طالب مسلم في بلاد أجنبية ، تزوجت بامرأة مسلمة من هذا البلد ، وبعقد صحيح وبوجود شهود ، وكان الاتفاق بيننا على أن الزواج هذا لن يدوم ، وبرضى الطرفين على أن أطلقها بعد إكمالي للدراسة بعد سنتين ، ووافقت هي على ذلك ، مع العلم أن هذا الاتفاق لم يذكر في العقد أبدا ، بل كان عقدا سليما ، رغم أني أعطيتها نسبة ضيئلة جدا من الأمل في إمكانية الاستمرار في المستقبل ، ولهذا كان الوالي هو الحاكم نفسه ، لأن والدها ووالد والدها متوفيان ، ولم تحضر أحد أعمامها خوفا من عدم استمرار الزواج في المستقبل ؛ فكان زواجنا سرا .
والآن مازلنا متزوجين لأكثر من سنتين ، المدة التي كنا نظن أن نفترق فيها عدت بكثير ، والآن ننوي مواصلة الزواج بدون أي توقيت ، كزوجين طبيعيين ، رغم أن الطلاق قد وقع مره .
فهل العقد صحيح رغم ما اتفقنا عليه في بداية الأمر من التوقيت ؟
وهل يعتبر هذا الزواج صحيحا بولاية الحاكم ؟ وهل يقع الطلاق فيه ؟
وماذا يلزمنا الآن أن نعمل إن عزمنا على مواصلة الزواج ؟
تزوجها بشرط أن يطلقها بعد سنتين فما حكم نكاحه ؟ وماذا يلزمه ؟
السؤال: 186851
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
إذا حصل الاتفاق بين الزوجين أو بين الزوج وولي المرأة على أن النكاح مؤقت بمدة معلومة كالسنة والسنتين أو مجهولة وكان ذلك في صلب العقد ، أو قبله : كان النكاح باطلاً ؛ لأنه نكاح متعة ولو استوفى فيه شروط النكاح وأركانه .
جاء في ” المغني ” (7/136) : ” ( ولا يجوز نكاح المتعة ) معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة , مثل أن يقول : زوجتك ابنتي شهراً , أو سنة , أو إلى انقضاء الموسم , أو قدوم الحاج . وشبهه , سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة ، فهذا نكاح باطل ، نص عليه أحمد , فقال : نكاح المتعة حرام …
وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء ، وممن روي عنه تحريمها : عمر , وعلي , وابن عمر , وابن مسعود , وابن الزبير ، قال ابن عبد البر: وعلى تحريم المتعة مالك , وأهل المدينة , وأبو حنيفة في أهل العراق , والأوزاعي في أهل الشام , والليث في أهل مصر , والشافعي, وسائر أصحاب الآثار .. ” انتهى .
ومن نكاح المتعة : أن يعقد عليها بشرط أن يطلقها عند انقضاء المدة ، سواء كانت معلومة أو مجهولة .
جاء في ” كشاف القناع ” (5/97): ” وهو [ نكاح المتعة ] أن يتزوجها إلى مدة ، معلومة أو مجهولة ، مثل أن يقول الولي : زوجتك ابنتي شهرا أو سنة ، أو زوجتكها إلى انقضاء الموسم ، أو إلى قدوم الحاج وشبهه ، معلومة كانت المدة أو مجهولة..
.. وإن شرط الزوج في النكاح طلاقها في وقت ولو مجهولاً فهو كالمتعة ؛ فلا يصح .. ” انتهى.
وينظر: ” الموسوعة الفقهية” (41/344) .
وسواء ذكر هذا الشرط في نفس العقد ، أو لم يذكر ، ما دام قد حصل الاتفاق عليه ، أو كان هذا متعارفا عليه في مثل هذا النكاح ؛ فالحكم في ذلك كله واحد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو يتحدث عن بطلان نكاح التحليل :
” وَسَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ , أَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ , أَوْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ لَفْظًا بَلْ كَانَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِطْبَةِ وَحَالِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَهْرِ نَازِلًا بَيْنَهُمْ مَنْزِلَةَ اللَّفْظِ بِالشُّرُوطِ .. ” .
انتهى من “بيان الدليل على بطلان التحليل” (6) .
وقال : ” فَإِنَّ الشُّرُوطَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَارَنَةِ إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً , وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهَا , وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً أَثَّرَتْ فِي الْعَقْدِ ” انتهى (500) .
وينظر أيضا : “القواعد النورانية” (302-303) .
ثانياً:
ولاية نكاح المرأة على الترتيب ؛ فوليها : أبوها ثم جدها ثم ابنها ثم أخوها ثم عمها ثم الأقرب فالأقرب ، فإن لم يوجد لها قريب : زوجها الحاكم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ ) رواه أبو داود (2083) وصححه الشيخ الألباني.
فإن زوجها القاضي مع وجود من هو أهل للولاية من أقاربها : لم يصح عقد النكاح ؛ لأن فيه افتئاتاً عليهم .
قال ابن قدامة في “المغني” (7/22) : ” إذا زوجها الولي الأبعد , مع حضور الولي الأقرب , فأجابته إلى تزويجها من غير إذنه , لم يصح ، وبهذا قال الشافعي ..” انتهى .
وقال الحجاوي في زاد المستنقع : ” وَإِنْ زَوَّجَ الأَبْعَدُ ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ : لَمْ يَصِحَّ “
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع” (12/45) :
” وإن زوج الأبعدُ أو أجنبيٌ من غير عذرٍ لم يصح “: يعني والأقرب موجود ، وأهل للولاية ، فإن النكاح لا يصح ؛ لأن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ” إلا بولي” وصف مشتق من الولاية ، فيقتضي أن يكون الأحق الأولى فالأولى .. ” انتهى .
وسئل رحمه الله : ” امرأة عقد لها ابنها مع وجود أبيها ، ما حكم هذا العقد ؟
فأجاب: “ننظر أيهما أولى أن يزوج المرأة أبوها أو ابنها ؟
الجواب : أبوها ، هو الذي يزوجها ؛ فإذا زوجها ابنها مع وجود الأب : فإن كان الأب في مكان بعيد لا يمكن مراجعته : فلا حرج ، أو كان الأب منعها أن يزوجها من هذا الشخص الذي رضيته ، وهو كفء في دينه وخلقه : فلا بأس أن يزوجها ابنها ، أما إذا كان الأب حاضراً ولم يمتنع فالعقد غير صحيح وتجب إعادته ” انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” لقاء رقم : (159).
وإذا تقرر بطلان النكاح وجب مفارقة المرأة فوراً ، ثم إن رغب كلٌ منكما بالآخر : وجب إعادة عقد النكاح بالشروط المعتبرة من ولي وشهود.
وللاستزادة في معرفة شروط النكاح ينظر جواب سؤال رقم : (2127).
رابعاً:
الطلقة التي أوقعتها تحسب من عدد الطلقات ؛ لأنك طلقتها في نكاح تعتقد صحته .
جاء في ” كشاف القناع ” : (5/237): ” ويقع الطلاق في النكاح المختلف في صحته ، كالنكاح بولاية فاسق ، أو النكاح بشهادة فاسقين أو بنكاح الأخت في عدة أختها البائن أو نكاح الشغار ، أو نكاح المحلل أو بلا شهود أو بلا ولي وما أشبه ذلك ..” انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” وأما النكاح المختلف فيه فلا يخلو من حالين :
الأولى : أن يرى المتزوج صحته ، فإن رأى صحته فإن الطلاق يقع ولا إشكال في ذلك ، مثاله: رجل تزوج امرأة رضعت من أمه ثلاث رضعات ، وهو يرى أن الرضاع المحرم خمس رضعات، فالنكاح في رأيه صحيح ، فهذا يقع فيه الطلاق بلا شك .
وكذلك لو تزوج امرأة بدون شهود وهو يرى أن الشهادة في النكاح ليست بشرط فالطلاق يقع .
الثانية : أن لا يرى المتزوج صحة النكاح ، فاختلف أهل العلم في وقوع الطلاق ، فقال بعضهم: إنه يقع فيه الطلاق ، وقال بعضهم: إنه لا يقع ، فالذين قالوا: لا يقع ، قالوا: لأن الطلاق فرع عن النكاح ، وهذا لا يرى صحة النكاح فلا يقع الطلاق منه ، وهذا تعليل جيد لا بأس به، والذين قالوا : إنه يقع ، قالوا: لأنه وإن لم ير هو صحة النكاح ، لكن قد يكون غيره يرى صحته، فإذا فارقها بدون طلاق ، وأتاها إنسان يرى صحة النكاح : فلن يتزوجها ، فالطلاق يصح في النكاح المختلف فيه ، وإن لم ير المطلق صحته ؛ لأنه إذا لم يطلق فسوف يعطل هذه المرأة.
فإذا قال قائل: لماذا يقع الطلاق وهو لا يرى أن النكاح صحيح ، والطلاق فرع عليه؟
قلنا: من أجل أن لا يحجزها عن غيره ؛ لأنه قد يريدها من يرى أن النكاح صحيح ، فإذا لم يطلقها هذا الزوج ، لن يتزوجها غير ه؛ لأنه يرى أنها لا زالت باقية في عصمته ” .
انتهى من ” الشرح الممتع “(13/24).
والحاصل : أنه يجب عليك اجتناب هذه المرأة لعدم صحة النكاح ، فإن رغب كلٌ منكما بالآخر وجب تجديد العقد بالشروط المعتبرة ، من غير أن تطلقها .
فإن لم توجد الرغبة في تجديد عقد النكاح : وجب تطليقها طلقة واحدة ، لتحلها لغيرك ، على ما تقدم .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة