0 / 0
5,54108/06/2013

تعويض العامل شركتَه عن حقها بالعفو عن مستحقاته

السؤال: 191327

لقد عملت في شركة أجنبية عبر الإنترنت ، فكنت أسوِّق لهذه الشركة وأجلب لها زبائن دائمين ، وأحصل على مقابل ما دام الزبون يشتري من هذه الشركة ، المشكلة بدأت عندما جلبت زبونين بطريقة غير شرعية ، وبقيت أستقبل المقابل طيلة أشهر ، بعدها تبت إلى الله والحمد لله ، وأردت أن أصلح ، فقمت بجلب زبائن جدد ، دون أن أسجلهم تحت اسمي ، حتى أكون متعادلا أنا والشركة .

فهل يعتبر هذا حلا شرعيا ؟ بحيث إنني جلبت زبائن جددا للشركة لأعوض عن الزبونين اللذين تقاضيت عنهم مقابلا .

فهل أواصل تلقي هذا المقابل بالعمل مع الشركة ، أم يجب أن أتركه ؟

مع العلم أنني بذلت مجهودات كبيرة لأصلح خطئي ، أنا فعلا في حيرة من أمري ، ولا يمكنني إخبار المسؤولين لأنني سأطرد .

وماذا يمكنني أن أفعل أكثر حتى أعوض عما مضى ؟ ، أم هذا يعتبر كافيا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

المال المكتسب نتيجة الغش أو الكذب والتزوير هو مال حرام ، لا يحل أكله ولا الانتفاع به ؛ بل الواجب رده إلى مالكه وطلب العفو والصفح منه ، كي تبرأ الذمة بيقين ، سواء كان مالكه مسلما أم كافرا ، فحرمة مال الذمي أو المعاهد من غير المسلمين كحرمة مال المسلم ، فقد تبرأ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ممن اعتدى على مال غير المسلمين وقال: ( أَمَّا المَال فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ ) رواه البخاري (رقم/2731) ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” يستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرا ” انتهى من ” فتح الباري ” (5/341) .
فالتوبة النصوح تقتضي منك الحرص على مصارحة شركتك ، إذا كان ذلك ممكنا ، أو على الأقل قطع ما يَرِدُك من ذلك المال المحرم ، وعدم الاستمرار في أكله من الشركة بغير وجه حق ، فأول شروط التوبة النصوح الإقلاع عن الذنب وتركه على الفور ، وما دمت تستوفي تلك العمولة المحرمة فنخشى أن تكون في حكم المستمر على إثمه ومعصيته .

وأما ما ذكرته عن تعويض الشركة من خلال جلب بعض الزبائن ، وعدم أخذ مستحقاتك عليهم من العمولة ، فينبغي أن يكون محله عند العجز عن رد المال المقبوض بغير حق إلى الشركة ، أو إيقافهم على حقيقة الأمر ، ليقرروا فيه ما يرون .

فإن لم تتمكن من ذلك ، فنرجو أن يكون الخيار المذكور مكافئا لما وقعت فيه من التحيل لأخذ ما لا يحق لك ، وأن يكون ذلك كفارة للمال الحرام الذي أكلته منهم ، إذ به يحصل التعويض ، ويرجع الحق لأصحابه ، بشرط أن تتحقق من تساوي المال الذي أخذته بغير حق ، مع المال الذي كنت تستحقه على الزبائن الذين لم تسجلهم باسمك ، فإن كان ما أخذته أكثر ، فاجتهد في رد الزائد بحيلة مناسبة للشركة ، أو في جلب زبائن آخرين لها ، حتى يتساوى الأمران ، وتعلم أنك رددت الحق ، أو ما يقابله ، إلى أهله .

كما فتح الفقهاء رحمهم الله بعض أبواب التيسير على من يريد التخلص من المال الحرام في صور عديدة ، منها قول ابن القيم رحمه الله : ” هذا ينبني على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام ، وهي أن من قبض ما ليس له قبضه شرعا ، ثم أراد التخلص منه ، فإن كان المقبوض قد أخذ بغير رضى صاحبه ، ولا استوفى عوضه رده عليه ، فإن تعذر رده عليه ، قضى به دينا يعلمه عليه ، فإن تعذر ذلك ، رده إلى ورثته ، فإن تعذر ذلك ، تصدق به عنه ، فإن اختار صاحب الحق ثوابه يوم القيامة ، كان له ، وإن أبى إلا أن يأخذ من حسنات القابض ، استوفى منه نظير ماله ، وكان ثواب الصدقة للمتصدق بها ، كما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم .
وإن كان المقبوض برضى الدافع وقد استوفى عوضه المحرم ، كمن عاوض على خمر أو خنزير ، أو على زنى أو فاحشة ، فهذا لا يجب رد العوض على الدافع ؛ لأنه أخرجه باختياره ، واستوفى عوضه المحرم ، فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوَّض ، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان ، وتيسير أصحاب المعاصي عليه .
وماذا يريد الزاني وفاعل الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضه ويسترد ماله ! فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به ، ولا يسوغ القول به ، وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر ، ولكن لا يطيب للقابض أكله ، بل هو خبيث كما حكم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن خبثه لخبث مكسبه ، لا لظلم من أُخذ منه ، فطريق التخلص منه ، وتمام التوبة بالصدقة به ، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته ، ويتصدق بالباقي ، فهذا حكم كل كسب خبيث لخبث عوضه ، عينا كان أو منفعة ، ولا يلزم من الحكم بخبثه وجوب رده على الدافع ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بخبث كسب الحجام ، ولا يجب رده على دافعه ” .
انتهى من ” زاد المعاد ” (5/690-691) .

وقد سبق في موقعنا تقرير مجموعة من الأجوبة على تلك القواعد ، منها جواب السؤال رقم : (98723) ، (178442) ، (179432) .

هذا مع أن الذي ننصحك به هو سلوك سبيل الورع والتقوى ، والاعتراف إلى الشركة بحقيقة الأمر ، أو طلب قطع العمولة المحرمة ، على أقل تقدير ، تحت أي عذر.

ولتعلم ، يا عبد الله ، أن ” الصدق منجاة ” لصاحبه ، وإذا قدر أنه قد حصل ما تخافه من طردهم لك ، فلعل الله أن يبدلك خيرا من ذلك ؛ قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الأنفال/70-71 ، وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق/2-3 .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android