هل من الشرك الخوف من الإنسان المجرم ، والجن ودخول الأماكن المهجورة ؟ وهل من الشرك أن نقول فلان يضر ، بما أنه يضرب ويلكم إلى غير ذلك ؟ وهل من الشرك أن يقال هذا الشيء مضر بالصحة ؟
متى يكون الخوف من أذى الجن أو أذى البشر شركاً ؟
السؤال: 191525
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الخوف من أذى أهل الشر من مجرمي الإنس هو من الخوف الجبلي الطبيعي الذي له سبب معروف ، وهو الخوف من أذاهم وشرهم ، والعمل على توقي ذلك بالابتعاد عنهم وتحاشيهم ، فمثل هذا الخوف لا يعد من الشرك ، بل لا يذم صاحبه عليه إلا إذا حمله على فعل محرم .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
” الخوف الطبيعي والجبلي في الأصل مباح ، لقوله تعالى عن موسى : ( فخرج منها خائفا يترقب ) ، وقوله عنه أيضا : ( رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ) ، لكن إن حمل على ترك واجب أو فعل محرم فهو محرم ، وإن استلزم شيئا مباحا كان مباحا ” .
انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (10 /648) .
ثانيا :
الخوف من الجن فيه تفصيل :
– إذا كان خوفا طبيعيا ، كما يخاف الإنسان من كل ما يتوقع ضرره ، كالسبع والحية ، فهذا خوف جبلي كالأول ، لا يؤاخذ به الخائف ما لم يؤد إلى ارتكاب محرم ، وينبغي دفعه بما يشرع من الأسباب ، من ذكر الله تعالى ، ودعائه ، والتوكل عليه .
– أما إذا كان خوفا ناتجا عن اعتقاد فاسد ، كأن يعتقد أنهم يضرون وينفعون من دون الله ، فهذا من الشرك ، والواجب في ذلك تصحيح الاعتقاد .
وهذا النوع من الخوف يسمونه ” خوف السر ” ومعناه : أن يخاف العبد من غير الله تعالى أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره ، فهذا شرك أكبر ، لأنه اعتقادٌ للنفع والضر في غير الله ” . راجع : “تيسير العزيز الحميد ” (ص: 23).
ومثل هذا إذا حمله الخوف الطبيعي من الجن ، أو غيرهم مما يتوقع أذاه ، إذا حمله ذلك على صرف شيء من العبادة لهم من دون الله ، كأن يدعو الجن ، أو يتعوذ بهم ، ونحو ذلك ؛ فهذا من الشرك الأكبر بالله ؛ كما قال تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) الجن/6 .
قال ابن كثير رحمه الله :
” أَيْ: كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فَضْلًا عَلَى الْإِنْسِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعُوذُونَ بِنَا، أَيْ: إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا أَوْ مَكَانًا مُوحِشًا مِنَ الْبَرَارِي وَغَيْرِهَا كَمَا كَانَ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهَا، يَعُوذُونَ بِعَظِيمِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنَ الْجَانِّ ، أَنْ يُصِيبَهُمْ بِشَيْءٍ يَسُوؤُهُمْ ، كَمَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَدْخُلُ بِلَادَ أَعْدَائِهِ فِي جِوَارِ رَجُلٍ كَبِيرٍ وَذِمَامِهِ وَخَفَارَتِهِ ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِنُّ أَنَّ الْإِنْسَ يَعُوذُونَ بِهِمْ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْهُمْ ، فَزَادُوهُمْ رَهَقًا أَيْ: خَوْفًا وَإِرْهَابًا وَذُعْرًا ، حَتَّى تَبْقَوْا أَشَدَّ مِنْهُمْ مَخَافَةً وَأَكْثَرَ تَعَوُّذًا بِهِمْ ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: فَزَادُوهُمْ رَهَقًا أَيْ: إِثْمًا، وَازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَرَاءَةً ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (8/239) .
ثالثا :
الخوف من دخول الأماكن المهجورة ، إن كان خوفا جبليا ، كأن يخاف من وجود عقارب أو أفاعٍ به ، أو يخاف من وجود جن يصيبه بأذى بإذن الله ؛ لأن الجن تسكن الأماكن المهجورة ، ونحو ذلك ، فلا يؤاخذ به ، وإن كان من خوف السر فهو من الشرك .
رابعا :
إطلاق القول بأن فلانا يضر ؛ لأنه يضرب الناس ويؤذيهم ، لا حرج فيه ، لأن ضرره هنا متعلق بسبب حسي معلوم ، هذا مع اعتقاد إن الضر والنفع إنما هو بإذن الله وتقديره ؛ كما قال تعالى : ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) البقرة/102 ؛ فأثبت لهم الضر ، لكن بإذن الله وتقديره ومشيئته .
روى الترمذي (2516) وصححه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له : ( … وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ )
ومثل ذلك قول : ” هذا الشيء مضر بالصحة ” .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب