رغم أني أحافظ على الصلوات الخمس ، وشعائر الدين كاملة ، إلا أني أعاني من وساوس خطيرة جداً ، إنها وساوس تحثني على الانتحار وقتل نفسي ، وبالرغم من أني سعيد غاية السعادة بهذا الطريق ، طريق الالتزام الذي منّ الله به عليّ ، إلا أن شعوراً يحثني على الانتحار إن صوتاً يتردد بداخلي يقول لي : تخلص من نفسك !! وقد فكرت مراراً بالقفز من على متن القطار ، بل قد بلغ بي الحدّ ذات مرة أن كنت على حافة شاهق ، فسمعت صوتاً يدفعني إلى التقدم ، إلى أن أصبحت على وشك السقوط ، لولا أن أرسل الله إليّ أخي فاجتذبني وصرخ في وجهي موبخاً ، إنني أعلم جيداً عقوبة الانتحار ، لكن لا حيلة لي حيال كل هذا .
فما العمل ، كيف أتخلص من هذه الوساوس ؟
يعاني من وساوس الانتحار
السؤال: 191643
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
اعلم – أخانا السائل – أن الإنسان هو الذي يصنع وساوسه ، وهو الذي يُسمِعُ نفسَه الأصوات التي بداخله ، فهي في الغالب رجع صدى لما تفكر به النفس وتشتغل بتفاصيله ، أو انعكاس لواقع يعيشه ويحيا فيه ، أو ركام من الماضي القاتم الذي لم تتمكن من إخفاء آثاره ومسح أدرانه وتجاوز عقده ومشكلاته .
أما أن تَقنَعَ بأن لا حيلة لك حيال ذلك التفكير ، وأنه أمر خارج عن قدرتك ووسعك ، فذلك أهم جزء من المعضلة ، بل هو واحد من أعمق المهاوي التي يقع فيها البشر عموما في مجال الفكر والعقل والتأمل ، وهو الفرق بين أبينا آدم عليه السلام ، حين اعترف بخطيئته ، وأعلن توبته وإنابته ، ووثق بقدرته على تجاوز محنته ، فقال عليه السلام هو وزوجته : ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الأعراف/23، وفي المقابل كان إبليس لعنه الله يحيل كفره وعناده إلى ربه ، ويتمظهر كأنه المسكين العاجز عن درء ما تعرض له ، فقال مخاطبا الله سبحانه : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) الأعراف/16.
فالعلاج يبدأ من إدراك قدرتك عليه ، وسهولته إذا تسلحت بالعزم والتصميم والإرادة ، واقتديت بملايين المبتلين بأنواع الابتلاء والمحن ، ولكنهم صمدوا وتجاوزوا محنتهم ، وكانوا سببا لسعادة من حولهم ، وعواملَ بناء ونجاح في بلادهم ومجتمعاتهم ، فلست أقل شأنا منهم ، وليس ابتلاؤك بأعظم منهم ، بل ما هو إلا صوت يدوي في نفسك ، فلتجعل عقلك هو الذي يقودك ، ويحثك على أن تصم آذان قلبك عن سماع هذا الوسواس مهما علا صوته ، والأيام والليالي كفيلة أن تخفت هذا الصوت شيئا فشيئا إلى أن يتلاشى بإذن الله .
وإذا تذكرت معنا حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) رواه البخاري (5778) ومسلم (109) ، إذا تذكرته أدركت خطورة الأمر ، فما بينك وبين معاينة هذا الوعيد سوى ستار الموت الذي يقع في لحظات ، وفي المقابل ليس بينك وبين وعد الجنان والسعادة الأبدية سوى الستار نفسه ، فلماذا تختار لنفسك العذاب والألم ، ولماذا تحرم نفسك من النعيم المقيم ، يقول عليه الصلاة والسلام : ( الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ ) رواه البخاري (6488).
وفي جميع الأحوال فإن أنفع علاج وأقوى دواء لجميع الأعراض النفسية المهلكة ، الحكمة التي استفادها الإمام الشافعي رحمه الله من تجربته في الدنيا فكان مما قال : ” نفسك : إن لم تشغلها بالحق ، شغلتك بالباطل “، والحق الذي يمكنك أن تشغل نفسك فيه ينتظر منا ومنك الكثير من التضحيات ، فالدنيا مليئة بأبواب الخير التي يمكن أن تستغرق فيها ، فلا تكاد تسمع إلا صوتها، ولا تلتفت إلا إلى متطلباتها ، فتكون سببا لرفعة منزلتك عند الله سبحانه ، وعونا لك على تجاوز أزمتك النفسية .
كما ننصحك أخيرا بمراجعة الطبيب أو المستشار النفسي ، ولا تتهاون في ذلك ، فكثيرا ما يتمكن الأطباء من التخفيف من حدة الهواجس عبر الأدوية التي تصلح اختلال إفراز هرمونات الجسم ، وقد استفاد الكثيرون من العلاجات على أيدي الأطباء الثقات ، إلى جانب التوجيهات الشرعية والمعنوية السابقة .
نسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب