0 / 0

لا يصح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها رخّصت للمرأة المسلمة في كشف وجهها إلا حين لا يراها الأجانب .

السؤال: 192267

هل صحيح أنه اُثر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إنه يجوز للمرأة أن تكشف وجهها إن هي أرادت ذلك ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف نجيب على من يستدل بهذا الأثر؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الثابت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في مسألة ستر الوجه : هو الأمر به ، والحث عليه ، وأنه من الحجاب الذي أمر الله به نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين ، ويدل على ذلك ما يلي :
– جاء في حديث الإفك قول عائشة رضي الله عنها عن صفوان بن المعطل رضي الله عنه : ( فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي ، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ ) رواه البخاري (4750) ، ورواه مسلم (2770) ولفظه : ( فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ عَلَىَّ ) .
فهذا يدل على أن آية الحجاب نزلت تأمر بستر الوجه وسائر البدن ، ولولا أنه كان يراها قبل الحجاب ما عرفها .

– روى أبو داود (4102) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ” يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لما أنزل الله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن أكنف مروطهن فاختمرن بها ” . صححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
وعن صفية بنت شيبة قالت : ” بينما نحن عند عائشة قالت : وذكرت نساء قريش وفضلهن ، فقالت عائشة : ” إن لنساء قريش لفضلاً ، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار ؛ أشد تصديقاً بكتاب الله ، ولا إيماناً بالتنزيل ؛ لقد أنزلت سورة النور : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل إليهن فيها ، ويتلو الرجل على امراته وابنته وأخته ، وعلى كل ذي قرابته ، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل ، فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه ، فأصبحن يصلين وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح معتجرات ، كأن على رؤوسهن الغربان “. رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (2575) .

– عن عائشة قالت : ” كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا ، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ” رواه أبو داود (1833) وقال الألباني في “جلباب المرأة المسلمة” (ص107) ” حسن في الشواهد ” .

قال علماء اللجنة :
” وإذا كان هذا في حالة الإحرام المطلوب فيه كشف وجه المرأة ، ففي غيرها أولى ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (17 /256) .

ثانيا :
أما ما يُروى عن عائشة رضي الله عنها من الرخصة في كشف الوجه فلا يصح ، ولا يجوز أن يحتج به لضعفه ونكارته لمخالفته ما تقدم مما صح عنها من كون ستر الوجه من الحجاب المأمور به ، وفي هذا حديثان :
الأول :
عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها : ” أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ) – وأشار إلى وجهه وكفيه ” .
رواه أبو داود (4104) وضعفه بقوله ” هذا مرسل ، خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها ” .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
” هذا حديث ضعيف جدا ” انتهى من “مجموع فتاوى ابن باز” (26/226) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” هذا الحديث ضعيف سنداً ومنكرٌ متنا ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (12/84) .
الثاني :
ما رواه البيهقي (2/226) من طريق عُقْبَة الأَصَمّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ” ( مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) : الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ ” .
ضعفه الألباني بقوله : ” عقبة بن الأصم ضعيف ” .
انتهى من “الثمر المستطاب” (ص 304) .
وهو ضعيف جدا ، قال ابن معين : ليس بثقة ، وفي رواية : ليس بشيء ، وقال عمرو بن علي : كان ضعيفا واهي الحديث ليس بالحافظ ، وقال النسائي: ليس بثقة ، وقال ابن حبان : ينفرد عن المشاهير بالمناكير .
“تهذيب التهذيب” (7 /217-218) .
فتبين بما تقدم أن الصحيح الثابت عن عائشة رضي الله عنها هو الأمر بالحجاب الكامل ، وهو ستر البدن كله ، بما في ذلك الوجه والكفان ، أما ما يُروى عنها بخلاف ذلك فلا يصح عنها ، رضي الله عنها .

ثالثا :
أما ما رواه البيهقي (9316) عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتِ : ” الْمُحْرِمَةُ تَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ مَا شَاءَتْ إِلاَّ ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ وَلاَ تَتَبَرْقَعُ وَلاَ تَلَثَّمُ وَتسْدلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا إِنْ شَاءَتْ ” وصححه الألباني في ” الرد المفحم ” (ص 37) .

فلعل هذا الأثر هو ما يقصده السائل ، ولذلك أفردناه بالكلام ، وهو وإن كان صحيح الإسناد ؛ إلا أن معناه ليس كما يتبادر إلى الذهن من الرخصة في كشف المحرمة وجهها في كل حال ؛ فقد سبق بيان حالها وحال من معها من النساء في ذلك ، من قولها هي ، رضي الله عنهن ، وأنهن كن يسدلن من فوق رؤوسهن ، إذا قرب منهن الرجال .
وإنما مرادها بذلك ، والله أعلم : بيان الحكم الشرعي في أن المحرمة ليست ممنوعة من ستر وجهها منعا مطلقا ، بل متى احتاجت إلى ذلك : سدلت الثوب من فوق رأسها ، كما سبق من فعلها وفعل من معها ، ولا تغطيه بالنقاب ولا اللِّثام .

ويدل على ذلك ما رواه مسلم (1211) عن عَائِشَةُ رضى الله عنها أنها قالت – يعني في حجة الوداع – : ” يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِأَجْرَيْنِ وَأَرْجِعُ بِأَجْرٍ ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرٍ أَنْ يَنْطَلِقَ بِهَا إِلَى التَّنْعِيمِ ، قَالَتْ : فَأَرْدَفَنِى خَلْفَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ – قَالَتْ – فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ خِمَارِى أَحْسُرُهُ عَنْ عُنُقِى فَيَضْرِبُ رِجْلِى بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ . قُلْتُ لَهُ : وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ ؟ ” .

قال النووي رحمه الله :
” المعنى أنه يضرب رجل أخته بعود بيده ، عامدا لها ، في صورة من يضرب الراحلة ، حين تكشف خمارها ؛ غيرة عليها ، ( وهل ترى من أحد ) : أي نحن في خلاء ليس هنا أجنبي أستتر منه ” انتهى .

وينظر ، لمعرفة الحالات التي يجوز للمرأة فيها كشف الوجه : جواب السؤال رقم : (2198) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android