تنزيل
0 / 0

حكم الوضوء قبل دخول الوقت لصاحب الحدث الدائم

السؤال: 194403

أنا معلمة أسكن في مكة ، وبالتحديد في الشرائع ، وعملي في الطائف ، وأخرج مع أذان الفجر ، وأجد معاناة في الوضوء ، لأني أحيانا تكون الإفرازات مستمرة معي ، وأحيانا يكون معها دم ، أي استحاضة .

فهل يصح لي أن أتوضأ قبل أذان الفجر في منزلي ؟
لأن الباص يأتيني مع أذان الفجر ، ونصلي في مسجد المحطة ، ولا أستطيع الوضوء في حمامات المحطة ؛ لأن الوقت لا يسمح لي إلا بالصلاة فقط ، ولا يريدون التأخير .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
نزول الإفرازات بشكل مستمر ، يلحق بصاحب الحدث الدائم ، كالمستحاضة ومن به سلس البول فإن كان ينقطع وقتاً يتمكن به صاحب العذر من الوضوء والصلاة لزمه تأخير الصلاة إلى ذلك الوقت ، ما دام يتمكن من الصلاة فيه .
ومن كانت هذه حاله ، فله الوضوء قبل دخول الوقت ، وهو على طهارته ما لم يتيقن الحدث فتبطل طهارته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ ) رواه البخاري (6954) ومسلم (225).
وروى مسلم (224) عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ ) .
وللاستزادة ينظر جواب سؤال رقم : (39494) .

ثانيا :
من تصيبها هذه الإفرازات بشكل مستمر ، فإنها تصلي بحسب حالها ، لكن يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة ، بعد دخول وقتها ، عند جمهور أهل العلم ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي ) وفي لفظ : ( ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ ) رواه البخاري (228).

قال العيني رحمه الله قوله : " وتوضئي لكل صلاة " أي : لوقت كل صلاة ، واللام للتوقيت ، كما في قوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس )…" انتهى من "شرح سنن أبي داود" (2/86)

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (3/333) : " والوضوء واجب لوقت كل صلاة عند الحنفية , والشافعية , والحنابلة ، وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة : ( أنها تتوضأ لكل صلاة ) " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (22843)، ورقم : (44980) .

ثالثا :
إذا كان الوضوء بعد دخول الوقت يشق عليك مشقة زائدة ، ويوقعك في شيء من الحرج ، فالذي يظهر من الحال التي ذكرت أنه لا حرج عليك ـ إن شاء الله ـ في الوضوء قبيل أذان الفجر ، عند استعدادك للخروج من المنزل مع الباص ؛ فقد ذهب بعض أهل العلم ـ ممن يأمر صاحب العذر بالوضوء لكل صلاة ـ إلى عدم اشتراط دخول الوقت ؛ بل إذا توضأ قبل الوقت ، ثم دخل عليه الوقت : فطهارته صحيحة ، وقد صدق عليه ـ أيضا ـ أنه توضأ لهذه الصلاة .
وهو مذهب قول أبي حنيفة ، وصاحبه أبي محمد .
ينظر : " الموسوعة الفقهية " (3/212) .

بل إن مذهب الإمام مالك في أصل المسألة : أن الوضوء من الحدث الدائم مستحب وليس بواجب .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" "وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَلَا عَلَى صَاحِبِ السَّلَسِ وُضُوءًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ بِهِ حَدَثًا .
وَقَدْ قَالَ عِكْرِمَةُ وَأَيُّوبُ وَغَيْرُهُمَا : سَوَاءٌ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْ دَمُ جُرْحٍ : لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وُضُوءًا .
وَرَوَى مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلَّا أَنْ تَغْسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ .
قَالَ مَالِكٌ : وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ . وَالْوُضُوءُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ اسْتِحْبَابٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ الدَّائِمَ ، فَوَجْهُ الْأَمْرِ بِهِ الِاسْتِحْبَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْوُضُوءَ عَلَى المستحاضة غير وَاجِبٌ رَبِيعَةُ وَعِكْرِمَةُ وَأَيُّوبُ وَطَائِفَة " انتهى .
"التمهيد" (16/98) . وينظر أيضا (16/94) ، (22/109) .
وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، في أحد قوليه . قال :
"وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَتَوَضَّأُ إِلَّا عِنْدَ الْحَدَثِ وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَمَالِكِ بن أنس إلا أن مالك يَسْتَحِبُّ لَهَا الْوُضُوءَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ " انتهى من "الاختيارات الفقهية" ، للبعلي (15) .

فإذا كان أصل الحكم مختلفا فيه بين أهل العلم اختلافا معتبرا سائغا ، والزيادة التي في الحديث ، وفيها الأمر بالوضوء لكل صلاة : اختلف في رفعها ووقفها ، وجزم الدارقطني وغيره من النقاد بأنها موقوفة على عروة بن الزبير ، وليست مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
ينظر : "العلل للدارقطني" (14/437) ، (14/140وما بعدها ) ، وأيضا: " فتح الباري" لابن رجب (2/71-74) .
فإذا كان أصل الحكم فيه مثل ذلك الخلاف المعتبر ، فطروء مشقة خاصة ببعض المكلفين ، يتوجه معه التيسير بأخذ القول الآخر المعتبر والتوسعة به ، ومن قواعد الشرع : رفع الحرج ، وأن الأمر إذا ضاق اتسع ، مع أنه ينبغي مراعاة الخلاف ، والاحتياط للعبادة بأن يأخذ صاحب العذر بقول الجمهور في عموم الأحوال التي لا يلحقه فيها بهذا القول حرج ظاهر ، أو مشقة ظاهرة غير معتادة .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android