0 / 0

كل ما يصل إلينا من خير ونعمة هو من رزق الله ، سواء اكتسبناه بأيدينا أو جاد به غيرنا علينا .

السؤال: 194503

أعلم أن الله قد كتب أرزاقنا ، فما الذي يندرج تحت الرزق ؟ هل هو مجرد المال الذي نجنيه بأنفسنا وبكسب أيدينا ؟ أم يدخل في ذلك أيضا ما يوهب لنا من الأقرباء وغيرهم؟ فهل الأخير من الرزق أيضا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

من أسماء الله تعالى الحسنى " الرزاق " ، قال عز وجل : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) الذاريات/ 56 – 58 .
والرزاق : صيغة مبالغة من اسم الفاعل " الرازق " ، أي : كثير العطاء .

وكل ما قدره الله على عباده ، وأنزله عليهم من خزائنه : سواء كان ذلك في مال ، أو ولد ، أو زوجة ، أو علم ، أو علم ، أو خلق ، أو صحة … ، كل هذا من رزق الله لعباده ؛ وسواء كان ذلك من كسب أيديهم ، أو ميراثا ورثوه ، أو هبة وصلت إليهم ، وسواء كان ذلك ـ أيضا ـ من الحلال أو الحرام ؛ فكل هذا من رزق الله لعباده .
قال تعالى : ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) الذاريات/22 ، وقال تعالى : ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) النحل/ 53 .

وقد سمي النبي صلى الله عليه وسلم ما يصل إلى العبد من غيره من المال رزقا ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ فَلْيَقْبَلْهُ ؛ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ ) رواه أحمد (7908) ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5921) .
وعَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ : " أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنْ ارْفَعْ إِلَيَّ حَاجَتَكَ ، قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ) وَإِنِّي لَأَحْسِبُ الْيَدَ الْعُلْيَا الْمُعْطِيَةَ وَالسُّفْلَى السَّائِلَةَ ، وَإِنِّي غَيْرُ سَائِلِكَ شَيْئًا وَلَا رَادٍّ رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ مِنْكَ " .
رواه أحمد (6402) ، وصححه محققو المسند .

قال البيهقي رحمه الله :
" قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِيمَا أُخْبِرْتُ عَنْهُ : الرَّزَّاقُ هُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِالرِّزْقِ ، وَالْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا يُقِيمُهَا مِنْ قُوتِهَا .
قَالَ : وَكُلُّ مَا وَصَلَ مِنْهُ إِلَيْهِ ، مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ : فَهُوَ رِزْقُ اللهِ ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ لَهُ قُوتًا وَمَعَاشًا " انتهى من "الأسماء والصفات" (1 /172) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لَفْظَ " الرِّزْقِ " يُرَادُ بِهِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَبْدِ وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ .
وَيُرَادُ بِهِ مَا يَتَغَذَّى بِهِ الْعَبْدُ :
فَالْأَوَّلُ : كَقَوْلِهِ : ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) ، فَهَذَا الرِّزْقُ هُوَ الْحَلَالُ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ وَالْحَرَامُ .
وَالثَّانِي : كَقَوْلِهِ : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) ؛ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَرْزُقُ الْبَهَائِمَ ، وَلَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا تَمْلِكُ ، وَلَا بِأَنَّهُ أَبَاحَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهَا إبَاحَةً شَرْعِيَّةً ؛ فَإِنَّهُ لَا تَكْلِيفَ عَلَى الْبَهَائِمِ – وَكَذَلِكَ الْأَطْفَالُ وَالْمَجَانِينُ – لَكِنْ لَيْسَ بِمَمْلُوكِ لَهَا وَلَيْسَ بِمُحَرَّمِ عَلَيْهَا .
وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ : بَعْضُ الَّذِي يَتَغَذَّى بِهِ الْعَبْدُ ، وَهُوَ مِنْ الرِّزْقِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَتَغَذَّى بِهِ ، وَقَدَّرَ ذَلِكَ ؛ بِخِلَافِ مَا أَبَاحَهُ وَمَلَّكَهُ .
كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُبْعَثُ الْمَلَكُ ، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : فَيُقَالُ : اُكْتُبْ رِزْقَهُ ، وَأَجَلَهُ ، وَعَمَلَهُ ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ، قَالَ : فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا ) .

وَالرِّزْقُ الْحَرَامُ مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ ، وَكَتَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ، وَهُوَ مِمَّا دَخَلَ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ حَرَّمَهُ وَنَهَى عَنْهُ ؛ فَلِفَاعِلِهِ مِنْ غَضَبِهِ وَذَمِّهِ وَعُقُوبَتِهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ – وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ." انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/545) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android