تنزيل
0 / 0
6,97627/05/2013

كيف تتصرف مع والديها اللذين يعاملانها بقسوة ويشتكون منها دائماً؟

السؤال: 194580

ما حكم الشرع في من يعاملها والداها بقسوة ، ويقولان لها : لست بنتنا ، ويطالبونها بالقيام بأشياء على حساب أسرتها ، والقيام بأمر بيتها ، ورغم كل ما تقوم به، مثل : تطبيب الأم ، إلا أنها دائما تقابل من طرف الأب أولا بالإنكار والجحود ، وأنها مقصرة ، والأم تابعة له في كل أرائه ، إذا قمت بزيارتهم وأردت خدمتهم فإنهم يقولون : بأن الجيران يتكفلون بهم ، وإذا رجعت يخبرون الناس بأنني جاحدة لا أخدمهم ، وكلما زرتهم رجعت إلى بيتي بقلب ممزق، وزوجي يأمرني بعدم الزيارة إلا مرة في الشهر .

فما العمل ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

كثيرة هي المشاكل التي تعرض في حياة الأسرة المسلمة ، كما أنها متنوعة بتنوع نواحي
الحياة المختلفة إلى اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية ، ولكن من أخطر أنواع المشاكل
تلك التي يعاني فيها الأبناء من تصرفات آبائهم وأمهاتهم ، ذلك أن الواجب أن يقوم
الوالدان باحتواء أبنائهم وبناتهم وشملهم بعطفهم ورعايتهم ، وتفهم حاجاتهم ،
ومراعاة نفسياتهم ، في حين أن الحال ينعكس في هذا النوع من المشاكل ، حيث تتغير
وجهة الخطاب لتصبح موجهة إلى الأولاد ، كي تتسع صدورهم ونفوسهم لما يعانونه من
والديهم .
وسوف نعترف لك – مقدما – بأن حديثنا هنا ربما يبدو وكأنه يهون من مشكلة ، هي كبيرة
في حقيقة الأمر ، ونقول لك أختنا الكريمة : لا عيب في ذلك ، فإذا قدر أن ذلك
التهوين يخفف عنا بعضا من أعباء تلك المشاكل ، وإحساسنا بوطأتها ، فأهلا به ، وهو
جزء من العلاج :
فَقُلتُ لَها يا عَزَّ كُلُّ مُصيبَةٍ * إِذا وُطِّنَت يَومًا لَها النَفسُ ذلَّتِ
وإذا كان لهذه المشكلة طرفان : أحدهما أنت ، والآخر : أسرتك ؛ أمك ، وأبوك ؛ فإن
حديثنا سوف ينصب في معظمه عليك ، وأنت الشاكية ، وأنت المظلومة ، كما يبدو لنا من
رسالتك ؟!!
وإذا بدا ذلك نوعا من الاستسهال في التعامل مع المشكلة ، فليكن ـ أختنا الكريمة ـ ؛
فلا أنت ، ولا نحن نريد تعقيد المشكلة ، ولا إلهاب العداوة ، إنما نريد الحل ، بغض
النظر عن طرف الخيط الذي نمسك به ؛ فالمهم أن نحل المشكلة ، إن استطعنا ، أو ـ على
أقل تقدير ـ ألا نزيدها تعقيدا !!
لو كان أبوك يسمع لنا لقلنا له : الواجب الأول عليك ، والدور الكبير لك ، فأنت
القيم ، وأنت الراعي ومسئول عن رعيتك ؛ لكنه لم يسألنا ، ولا نظنه يسمع لنا صوتا !!
لو كانت أمك تسمع نداءنا لقلنا لها : اللهَ الله في بنتكِ .
لو كانت أمك تسمع لنا لقلنا لها : ( إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى
مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ
يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا ) رواه
مسلم (1837) .
لقد كان من الممكن أن نقول الكثير ، لو كان طرف المشكلة الآخر يسمع لنا !!
لكننا الآن مضطرون إلى أن نوجه حديثنا إلى طرف واحد ، هو أنت ، وأن نحمل عبء الحل
على جانب واحد ، هو أنت ، فأنت الخيط الذي نملك أن نجذبه ، إذا كنا نريد أن نحل
العقدة التي تؤرقك !!
والبداية الصحيحة في العلاج تبدأ من الحقيقة التي يقررها القرآن الكريم في قوله
تعالى :
( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن
كَثِيرٍ ) الشورى/30 ، فتغيير كل واقع إنما ينطلق من أصحاب الشأن ، وليس من غيرهم ،
وينطلق فقط حين يتفهمون أن التغيير يبدأ من أنفسهم ، وليس من غيرهم : ( إِنَّ
اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )
الرعد/11.
فلا بد – أختي الفاضلة – أن تتلمسي مواضع الخلل ومكامن النقص في تعاملك مع أسرتك ،
وتعملي على علاجها أو لنقل – تغييرها – ، ولا نقول هذا تجاوزا ، إذ ليس بالضرورة أن
يكون هذا الخلل سوء خلق منك – لا قدر الله – ، لكنه قد يكون خطأ في طريقة التعاطي
مع المشكلة والتعامل مع الواقع ؛ وكمثال على ذلك ، نقول :
إن الانفعال السريع والغضب أساس كثير من المشكلات ، ولن يكون ذلك علاجا لمشكلة أبدا
، كيف وهو الداء الذي يحتاج إلى علاج ؛ فمن رام تحصيل ما يتمنى فلا بد أن يكتم في
قلبه بعض سهام الظلم أو الأذى ، والتقي مُلْجَم !!
عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا مِنْ جُرعَةٍ
أَعظَمُ أَجرًا عِندَ اللَّهِ مِن جُرعَةِ غَيظٍ كَظَمَهَا عَبدٌ ابتِغَاءَ وَجهِ
اللَّهِ ) رواه ابن ماجه ( 4189 ) وحسنه العراقي في ” تخريج الإحياء ” ( 4 / 163 )
.
ويمكنك الاستفادة من الأجوبة التالية في علاج سرعة الغضب : (
658 ) و (
45647 ) .

وأظنك تملكين – والحمد لله –
بعض المفاتيح التي يمكن أن تخفف عنك ما أهمك ، فيمكنك -بمؤازرة من زوجك – أن تهدي
لوالديك بعض المال ؛ لأن المال يأسر القلوب ، أو تقدمي لهما بعض الهدايا العينية .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تَهَادُوا
تَحَابُّوا ) .
رواه البخاري في ” الأدب المفرد ” ( 208 ) وحسَّنه العراقي في ” تخريج الإحياء ” (
2 / 53 ) وابن حجر في ” بلوغ المرام ” ( 277 ) والألباني في ” صحيح الأدب المفرد ”
.
وبالهدية يمكن أن تتملكي قلب والدك ووالدتك ، وسيكون لذلك أثر عظيم في نفسيهما إن
شاء الله.

واعلمي – أيتها الفاضلة – أن
قلب الوالدة يظل ينبض بالشفقة والرأفة على ولده ، مهما أظهر من قسوة وشدة ، فحاولي
أن تستخرجي كل رحمة في قلب والدتك ، بالتحبب والتذلل والمسامحة والمصابرة ، ولا
أظنك إذا ارتميت في حجر والدتك وقبلت يدها واختلطت دموعك بكلماتك في حبها وشكوى تعب
الحياة وألمها إليها : فلا أظنك ترجعين خائبة ، بل أرجو أن تعود والدتك خيراً مما
كنت تظنين .
يقول الله عز وجل : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصلت/34 .
وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه : ( وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ
السَّيِّئَةَ ، وَلَكِن يَعفُو وَيَغفِر ) رواه البخاري ( 2125 ) .
وأولى من يعامل بالحسنى ويقابل بالمسامحة هما الوالدان ، لما فرض الله لهما من حق
عظيم ، حتى قال سبحانه وتعالى : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) الإسراء/24 .
والخُلُق الحسن يقتضي تحمل الظلم والأذى من الأحبة ، فكيف بالوالدين ؟!
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” المؤمن ملجم بلجام ، فلا يبلغ حقيقةَ الإيمان
حتى يجد طعمَ الذل ” .
وخطب علي بن أبي طالب في أصحابه فقال : ( كونوا في الناس كالنحلة في الطير ، فإنه
ليس شيء من الطير إلا يستضعفها ، ولو يعلم ما في أجوافها لم يفعل ، خالقوا الناس
بأخلاقكم وألسنتكم ، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم ، فإن لامرئ ما اكتسب ، وهو يوم
القيامة مع من أحب ) .
وعن محمد بن الحنفية قال : ( ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته
بُدّاً ، حتى يجعل الله له فرجا – أو قال : مخرجاً – )
روى هذه الآثار ابن أبي الدنيا في كتابه ” مداراة الناس ” ( 37 ، 27 ، 41 ) .
كن كالنخيل عن الأضغان مرتفعا * يرمى بطوب ، فيلقي أطيب الثمرِ

ثانيًا :
إذا استنفدت كلّ السبل المتاحة أمامك ، واستمرت الأمور كما هي ولم تلتمسي تحسناً في
العلاقة ، وكان ترددك على والديك بالزيارة يتسبب في استمرار المشاكل ، فلا حرج أن
تقللي من الزيارات قدر الإمكان ، وتقتصري على أقل ما يحصل به الزيارة والصلة لهما .

فإن لم يندفع ضررهما عنك فلا حرج عليك أن تمتنعي عن زيارتها بالكلية ، ولو لفترة ما
حتى ينقطع شرهما عنك وعن بيتك .
ولو أمكن أن تنتقلي أنت وزوجك إلى العيش في بلدة أخرى بعيدا عنهما فهو أحسن لكما ،
وأبعد عن المشكلات معهما.
فإذا غلب على ظنك أن شرهما وأذاها اندفع عنك ، فعودي إلى زيارتهما وصلتهما بما
ذكرنا لك من التوجيه سابقا .
وحينئذ :
فأنت في حاجة إلى استصحاب الصبر الجميل ، وكظم الغيظ ، وفعل الخير والصلة لوالديك ،
من غير أن تقيدي ذلك بشكر منهم ، أو مكافأة عليه ، ولو بكلمة طيبة ؛ بل تفعلين ذلك
كله لله ، ولا تنتظري من غيره أجرا ولا جزاء ولا شكورا .
ثم عليك أن توازني في ذلك كله :
فبر الوالدين والإحسان إليهما : أصل عظيم في الشرع ؛ لكن إن عجزت عن ذلك ، أو ترتب
عليه ضرر بأسرتك ، وساء ذلك زوجك : فقللي من ذلك ما استطعت ، بحيث تحافظين على أصل
الصلة والمعروف والإحسان ، وتدفعين الضرر عنك وعن أسرتك ، وتسترضين زوجك ، الذي هو
أعظم حقا عليك من والديك .
وانظري جواب السؤال رقم : (101321).
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android