أنا أعزب ، ومغترب ، وطالب في الجامعة ، وفي يوم من الأيام مررت بفترة عصيبة ، كنت محتاجا للمال ، وكنت أصلي وأدعو ربي أن يرزقني بمال في حسابي . وفجأة ، في يوم من الأيام ذهبت للبنك كالعادة لكي أفتش عن حسابي ، فوجدت مبلغا تم إيداعه ، وهو 2400 ريال سعودي !! وأنا إنسان مؤمن بالله ، ذهبت وبكيت من هول الموقف ، ومرت أيام وأنا قد صرفت الفلوس ، وفجأة أتاني اتصال من موظف البنك بأن أحدهم أرسل إلى حسابي مبلغا من المال بالخطأ ، وقال : هل نعطيه رقم جولك ؟ قلت ، : نعم اتصل ، وشرحت له أني صرفت المبلغ ، لأني لم أكن أعلم أنه منه ، واتفقنا بأن أحول له مبلغا شهريا ، ولم يعاود الاتصال بي ، وأنا تكاسلت ، ولم أحول .
عدت الآن بعد سنة أطلب منه رقم حسابه ، لكي أعطيه المبلغ بالتقسيط ، فرفض ، وقال بأنه سيطالبني يوم القيامة !! لأنني تأخرت عليه .
وأنا أريد الحل ، ماذا أفعل ؟
فأنا مازلت طالبا ، وأعيش نفس الوضع .
إذا لم يقبل صاحب المظلمة رد مظلمته إليه من المسيء ؛ ليطالبه بها يوم القيامة ، فما العمل ؟
السؤال: 194757
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
كان يجب عليك إذ وجدت هذا المال في حسابك ولم يكن لك رصيد أن تخبر البنك بذلك ، وتستعلم عن هذا المال كيف تم تحويله إلى حسابك ؟ فإن لم يكن وصل إليك بطريق مشروع وجب عليك رده إلى مرسله ؛ فإن مثل ذلك قد يحدث عن طريق الخطأ .
ثانيا :
أخطأت ثانية إذ اتفقت مع صاحب المال على أن تحول له ماله الذي صرفته وأنفقته شهريا ثم تكاسلت عن ذلك ، وكان الواجب عليك الوفاء بما تعهدت به واتفقت عليه معه .
ثالثا :
الواجب عليك الآن أن تدبر أمر هذا المبلغ ، من أهلك ، أو تقترضه من أحد معارفك ، أو تبيع بعض ما عندك ؛ المهم أن تدبر له حقه كاملا ؛ وليس من المعقول ، ولا من المقبول بعد هذا الوقت كله : أن تقول له إنني سوف أرد إليك حقك مقسطا ، وانتظرني حتى أودع لك كل شهر قسطا من حقك ؟! فربما كان هذا التقسيط الذي تريده هو من أسباب إعراضه عن التواصل معك ، وقبول حقه منك ؛ فإذا حصل ودبرت له حقه : فإن كان عندك رقم حسابه فأرسل إليه المال ، وإن لم يكن عندك فاتصل بالبنك واطلب منه رقم الحساب ، فإن أمكنك الحصول على رقم حسابه بأي طريق فأرسل إليه حقه ، ثم اتصل به وأعلمه بأنك حولت له المال ، واستسمحه وتحلل منه .
فإذا لم يمكنك الحصول على رقم الحساب وتمكنت من معرفة محل سكنه أو عمله ، فإنه يلزمك الذهاب إليه وإعطاؤه حقه ، مع استسماحه والتحلل منه وطلب العفو .
مع التوبة إلى الله والاستغفار مما فعلت .
رابعا :
فإن لم يمكنك هذا ولا ذاك ، ولم تستطع توصيل المبلغ إليه بأي طريق وجب عليك أن تحفظه له عندك على سبيل الأمانة حتى تتمكن من رده إليه . وتكتب وصية بذلك : أن هذا المال مال فلان فمتى جاء يطلب ماله فأعطوه إياه .
وتخبر بصورة الحال من يستطيع إنفاذ وصيتك من بعدك .
فإذا توفي صاحب المال مثلا أو سافر ، أو حصل ما يئست معه من لقائه أو الاتصال به ، أو بمن يدلك ، أو على ورثته إن كان قد مات : فتصدق بهذا المال عنه ، فإذا قدر الله بعد ذلك لك العثور عليه أو الاتصال به أو بورثته إذا كان قد مات : فإنك تخيره بين الصدقة التي أخرجتها عنه ، وبين ماله ، فإن اختار الصدقة فذاك ، وإلا دفعت إليه حقه .
وكذلك الحال بالنسبة للورثة .
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
أخذت نقودا يوم كنت صغير السن وأجهل بالأحكام ؛ فقد أخذتها وتصرفت فيها، والآن أريد أن أبرئ ذمتي منها ؛ فماذا أفعل ؟
فأجاب :
” يلزمك إذا كنت تعرف صاحبها أن تردها إليه وأن تستبيح منه ما حصل منك من إساءة ، وإذا كان صاحبها ميتا ؛ فإنه يجب عليك ردها إلى وارثه ، أما إذا كنت لا تعلم صاحبها ؛ فإنه يتعين عليك حينئذ أن تتصدق بها على نية أن الأجر لصاحبها مع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى من مثل هذا ؛ لأن أموال الناس لا يجوز التعدي عليها ، ولا أخذها بدون رضاهم ، وهذا ظلم وعدوان ؛ فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى ، وترد المال إلى صاحبه أو وارثه ، فإن لم تستطع ؛ فعليك أن تتصدق به وتبرئ ذمتك منه ” انتهى من “المنتقى من فتاوى الفوزان” (58 /1-2) .
خامسا :
إذا أبى صاحب الحق أن يقبل حقه ، أو أن يسامح في مظلمته ، بعد توبتك ، واجتهادك في رد الحق إليه ؛ فإن المأمول من فضل الله ، واللائق بعفوه وكرمه ، ومحبته للتوبة من عباده : أن يتحمل عنك حق صاحب الحق ، ويؤدي عنك ما له عندك ، ويرضيه ، إن لم يكن قد رضي وسامح في الدنيا .
هذا مع أن رضا المظلوم ، والعفو عمن ظلمه إذا كان قد تاب : هو من مكارم الأخلاق ، ومن فاضل الأعمال التي ندب إليها الشرع الكريم ؛ قال الله تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران /133-134 .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (99554) .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة