الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
ينبغي أن يعلم أنه لا أنفع للعبد من حسن الظن بربه تعالى ، وتمام التوكل عليه ، والرضا به ربا ، وبتدبيره لعبده ، وتصريفه لأمره ، وقد قال الله تعالى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/ 216 .
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) ، وقوله ( … وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) رواه أحمد (2800) صححه الألباني في “الصحيحة” (2382) .
وليحذر العبد من مكر الشيطان به ، وكيده له ، ليوقع في اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمته وفرجه وتيسيره ، وقد قال الله تعالى : ( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) يوسف/87 ، وقال تعالى : ( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) الحجر/56 .
وأعظم وأشنع ما يريد الشيطان أن يصل بكيده : هو ما ذكر في السؤال : من الانتحار ، أو الإقدام عليه ، فإذا ظفر الشيطان من العبد بهذا ، فقد ظفر بغاية مطلوبه ، وأوقعه في ورطة لا مخرج منها ، وكان كالمستجير من الرمضاء بالنار .
فعلى العبد أن يصبر ويستعين بالله ، ولا يقنط من رحمة الله ، ويعلم أن الشدة لا تدوم ، وأن الله يكفر بالبلاء بحورا من السيئات ، ويرفع به الدرجات .
وينظر جواب السؤال رقم : (111938) ، ورقم (153316) .
ثانيا :
القنوت في الصلاة نوعان :
الأول : قنوت النوازل ، ويكون في الصلوات الخمس بعد الرفع من الركوع من الركعة الأخيرة ، وهو مشروع إذا نزلت بالمسلمين نازلة عامة ، فيدعو المسلمون في صلواتهم ويبتهلون إلى ربهم بما يناسب ما نزل بهم ، حتى يكشف الله الضر عنهم ويرفع البلاء ، فيتركون القنوت .
ينظر جواب السؤال رقم : (20031) ، (126258) .
الثاني : قنوت الوتر ، فيقنت المصلي في صلاة الوتر – إن شاء قبل الركوع وإن شاء بعده – بالدعاء المعروف ( اللهم اهدني فيمن هديت … ) .
ينظر جواب السؤال رقم : (9061) ، (14093) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” قنوت النوازل ليس هو قنوت الوتر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وهو (اللهم اهدنا فيمن هديت) ، فإن هذا لا يشرع في قنوت النوازل لأن الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في قنوت النوازل : أن يكون دعاؤه في نفس النازلة التي قنت من أجلها ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (160 /32) .
ثالثا :
الزيادة على الوارد في دعاء القنوت لا بأس بها ، فيدعو المصلي بالدعاء الوارد ويزيد ما شاء من الدعاء ، والأفضل أن يدعو بجوامع الكلم .
قال البهوتي رحمه الله عند الكلام على قنوت الوتر :
” وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ بِهِ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ ” .
انتهى من “شرح منتهى الإرادات” (1/ 241) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم الزيادة في دعاء القنوت على الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ؟
فأجاب :
” الزيادة على ذلك لا بأس بها؛ لأنه إذا ثبت أن هذا موضع دعاء ولم يحدد هذا الدعاء بحد ينهى عن الزيادة فيه ، فالأصل أن الإنسان يدعو بما شاء، ولكن بعد المحافظة على ما ورد. بمعنى أن يقدم الوارد ومن شاء أن يزيد فلا حرج ” .
انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (14/ 137) .
وأما القنوت في الصلوات الخمس ، لأجل ما أصاب العبد من هم ، أو غم ، أو حزن ، أو مرض ، أو حاجة : فهذا غير مشروع ، لما سبق من أن قنوت النوازل في الصلوات الخمس : إنما يكون عند النوازل العامة بالمسلمين .
لكن الدعاء ليس خاصا بالقنوت ومحله في الصلاة ، بل أعظم محل للدعاء في الصلاة : هو السجود :
روى مسلم في صحيحه (482) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ )
وفي صحيح مسلم أيضا (479) : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ( وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ) .
وينظر جواب السؤال رقم : (175070) ، ورقم : (75058) .
والله تعالى أعلم .