تنزيل
0 / 0

لم ينجب أولادا ويريد أن يجعل ماله لزوجته وابنة أخيه ويتبرع بالباقي

السؤال: 197280

قد بلغت اثنين وسبعين عاما ولدي خمسة إخوة وأختان ، تزوجت لكن لم أرزق بأولاد ولذلك تبنيت ابنة أخي ، نحن الإخوة الستة شركاء في إدارة شركة منذ 1962 ونعمل معا ، حصتي في هذه الشركة تبلغ %20 ، وبما أن بنتي بالتبني تساعدني في عملي نويت أن أعطيها %60 من ثرواتي ، و% 25 لزوجتي قبل وفاتي ، وأتبرع ب %15 المتبقية للمشاريع الخيرية بعد وفاتي ، على هذا الأساس كتبت هبة للتبرع بممتلكاتي على وفق ما سبق حال حياتي ، وفي نفس الوقت أيضا طلبت من إخوتي الخمسة و أختيّ الكتابة التي تثبت أنهم سيتنازلون عن حصتهم من ثرواتي بعد وفاتي. وأسئلتي هي :

هل يجوز لي أن أطلب منهم التنازل عن حصتهم قبل وفاتي أو بعد وفاتي ؟
وهل يجوز لي أن أهب %60 من ثرواتي لبنتي المتبناة حال حياتي؟
وهل يمكن لي أن أكتب وصية بهذا الخصوص لتنفيذها بعد وفاتي ؟ وهل أنا أقوم بالصواب شرعا ؟
إذا لم أكن مصيبا شرعا في هذه القسمة فما هو الحل الأفضل لتوريث بنتي المتبناة وما هو المنهج الإسلامي في قسمة التركة ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
إن كنت تقصد بالتبني أن هذه الفتاة قد صارت كابنتك , بحيث تنتسب إليك , ويحمل اسمها اسمك فهذا محرم لا يجوز ؛ وقد أبطله الله في القرآن في قوله تعالى : ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) الأحزاب/4 , 5.
وأما إن كنت تقصد بالتبني أنك قد ضممتها إلى كنفك ورعايتك , وأحسنت إليها بالإنفاق والتربية , فهذا أمر مستحب , وهو – في حقك – باب من أبواب صلة الرحم ؛ لأن ابنة أخيك من رحمك المحرمة التي تجب صلتها , ومعلوم أن الإحسان إلي ذوي الأرحام أفضل من الإحسان إلى غيرهم من الأباعد , فقد روى النسائي (2582) والترمذي (658) وابن ماجة (1844) عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .

أما بخصوص ما تريد أن تهبه لابنة أخيك وزوجتك , فإن كنت تريد أن تعطيهما هذا العطاء حال حياتك فهذا لا حرج فيه , بشروط :
الشرط الأول :
أن تفعل ذلك حال الصحة لا حال المرض المخوف , فإن الهبة حال المرض المخوف تأخذ حكم الوصية في أنها لا تصح لوارث ، ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة فيهما , قال الشيخ عبد الله بن جبرين: " يجوز للزوج في صحته وحياته أن يهدي زوجته ما يشاء ، مقابل صبرها ، أو حسن خدمتها ، أو ما دخل عليه لها من مال أو صداق ، إذا لم يفعله إضراراً بالورثة الآخرين ، ولا يتحدد ذلك بربع المال ولا غيره .
وهكذا بالنسبة للزوجة ، لها أن تعطي زوجها ما شاءت من مالها أو صداقها ؛ لقوله تعالى : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) , ولا يجوز ذلك في حال المرض ؛ لكونه يُعتبر وصية لوارث " انتهى من " فتاوى إسلامية " ( 3 / 29 ) .
وقد ذكر أهل العلم ضابط المرض المخوف , قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " فالمرض المخوف هو الذي إذا مات به الإنسان لا يعد نادراً ، أي: لا يستغرب أن يموت به الإنسان ، وقيل: ما يغلب على الظن موته به، وغير المخوف هو الذي لو مات به الإنسان لكان نادراً" انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (11 / 101).

الشرط الثاني :
ألا تقصد بهذه الهبة مضارة الورثة وحرمانهم من الميراث, وقد سبق أن بينا أن الهبة التي يقصد بها الإضرار بالورثة هبة محرمة لا تجوز , فليراجع ذلك في الفتوى رقم: (182290) .

والواقع أن الذي يظهر بوضوح من سؤالك أنك حريص على حرمان إخوتك وأخواتك من ميراثك ، ولذلك تحرص على أن يوقعوا لك ضمانا بعدم المطالبة بحقهم في الميراث بعد وفاتك ، وهذا أمر محرم لا شك ، ويحرم عليك كل تصرف تقصد به مضارة بعض الورثة ، أو حرمانهم من ميراثهم .
الشرط الثالث :
أن تسلم الهبة التي تريد أن تهبها لابنة أخيك ، أو زوجتك ، في حال حياتك ، بحيث يقبضانها ، ويتمكنان من التصرف التام فيها ، تصرف المالك في ملكه .

أما إذا كتبت لهما هذه الممتلكات ، لكن على أن يتسلماها ويتصرفا فيها بعد موتك : فهذه وصية ، لا هبة ؛ والوصية للزوجة لا تجوز ؛ لأنها وارثة , والوارث لا وصية له ؛ لما روى أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (4641) وابن ماجة (2713) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) والحديث صححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " .
لكن إن حصل وأوصى الميت لأحد الورثة , وأجاز الورثة الوصية , فإنها تنفذ ، لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة ) رواه الدارقطني وحسنه الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " .
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني" (6/58) : " إذا وصَّى لوارثه بوصية , فلم يُجزها سائر الورثة : لم تصح ، بغير خلاف بين العلماء ، قال ابن المنذر , وابن عبد البر : أجمع أهل العلم على هذا ، وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه , فلا وصية لوارث ) . رواه أبو داود . وابن ماجة , والترمذي … وإن أجازها جازت في قول الجمهور من العلماء " انتهى .

وأما الوصية لابنة أخيك فإنها جائزة إذا لم تكن من الورثة , والوصية لها حينئذ تعتبر مخرجا شرعيا لإيصال المال لها بعد وفاتك , ولكن لا تجوز الوصية لها ولا لغيرها إلا بالثلث فما دونه , لا بأكثر منه ؛ فقد منع الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من الوصية بأكثر من الثلث ، فقد روى البخاري (2742) ومسلم (1628) " أن سعد بن أبي وقاص قال : يا رسول الله أوصي بمالي كله , قال: ( لا ) , قلت: فالشطر , قال : ( لا ) , قلت : الثلث , قال : ( فالثلث ، والثلث كثير ، إِنكَ أَنْ تذر وَرثَتك أَغْنياء خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرهم عالة يَتَكَفَّفُونَ الناسَ) .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/317) : " الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث ، ولا تصح لوارث ، إلا أن يشاء الورثة المرشدون بنصيبهم ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني وزاد في آخره : ( إلا أن يشاء الورثة ) " انتهى .

وقد استحب كثير من أهل العلم للموصي أن يوصي بأقل من الثلث , جاء في " الكافي في فقه ابن حنبل " (2 / 265) " قال ابن عباس : وددت لو أن الناس غضُّوا (نقصوا) من الثلث ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ والثلث كثير ] متفق عليه , وأوصى أبو بكر بالخمس وقال : رضيت نفسي ما رضي الله به لنفسه , وقال علي : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالثلث " انتهى.

مع التنبيه على أن الوصية بقصد الإضرار بالورثة لا تجوز كما بيناه في الفتوى رقم: (74974) .

أما طلبك من إخوتك أن يتنازلوا عن نصيبهم في تركتك , فلا ننصحك بذلك لأمور:
1- أن هذا التصرف يدل على قصد الحرمان من حقهم الشرعي ، ومعلوم أن هذا قصد محرم ، وقد سبق بيان أن الوصية والهبة بقصد الإضرار بالورثة ، أو منعهم حقهم الشرعي في الميراث : محرم شرعا .
2- أن هذا التصرف من شأنه أن يلقِي بينك وبين إخوتك الوحشة والبغضاء , ويستغله الشيطان ليفسد ذات بينكم , فيوسوس لإخوتك ويلقي في صدورهم أنك تبغضهم , ولا تريدهم أن ينتفعوا بمالك من بعدك .
3- أنه ربما وافقوك وتنازلوا عن نصيبهم في التركة على غير رغبتهم , ولكن بدافع الحياء والإحراج , ومعلوم أنه لا يجوز استعمال الحياء في انتزاع الحقوق من أصحابها , جاء في الفتاوى الفقهية الكبرى (3 / 30):
" ألا ترى إلى حكاية الإجماع على أن من أخذ منه شيء على سبيل الحياء من غير رضا منه بذلك لا يملكه الآخذ , وعللوه بأن فيه إكراها بسيف الحياء , فهو كالإكراه بالسيف الحسي بل كثيرون يقابلون هذا السيف ، ويتحملون مرار جرحه ، ولا يقابلون الأول : خوفا على مروءتهم ووجاهتهم التي يؤثرها العقلاء ، ويخافون عليها أتم الخوف" انتهى.

وأما عن حكم الشرع في التركة , فهو كالتالي :
أولا :
يبتدأ بتجهيز الميت من تركته , من غسل وكفن وقبر , جاء في صحيح البخاري (2 / 77) " وقال إبراهيم : يبدأ بالكفن ، ثم بالدين ، ثم بالوصية , وقال سفيان: أجر القبر والغسل هو من الكفن" انتهى.
ثانيا:
بعد تجهيز الميت تسدد الديون من التركة – إن كان على الميت دين – ، تخرج الوصايا التي أوصى بها في حدود الثلث , أو أقل ؛ لقول الله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ )النساء / 11.
ثالثا:
تقسم التركة بين الورثة على حسب أحكام الشرع الحنيف , وبخصوص تركتك أنت , فإن الميراث ينحصر في زوجتك وإخوتك ، إن مت قبلهم , فتستحق زوجتك ربع التركة ؛ لعدم وجود فرع وارث لك , قال تعالى : ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ )النساء / 12 ، وباقي التركة يستحقه إخوتك للذكر مثل حظ الأنثيين , أي يأخذ الأخ الذكر ضعف الأخت .

والخلاصة:
أن الذي ننصحك به : أن توصي لابنة أخيك التي تبنيتها بشيء من ثروتك ، فيما لا يتجاوز الثلث ، تأخذه بعد موتك ، أو تهبه لها في حياتك .
وزوجتك لها ربع ثروتك ميراثا ، فإن خفت أن يضيع عليها حقها بعد موتك ، فلك أن تمكنها منه في حياتك .
فإن أردت التبرع بشيء من مالك للأعمال الخيرية ، في حياتك ، ولم تكن في مرض موت : فلك أن تتبرع بما شئت من ذلك ، لكن لا تجحف بحق ورثة من بعدك ، ولا تحرمهم من أن يأخذوا شيئا من مالك .

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android