الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
ما فعله عمك من هذا العدوان – إن كان ما تقول حقا – من كبائر الذنوب الموبقة ، فالواجب أن يؤول الإرث بعد موت المورث إلى الورثة الشرعيين بغير ظلم ولا عدوان ، وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر قسمة المواريث في كتابه وأعطى كل ذي حق حقه : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء/13، 14 .
” أي: تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها ” انتهى من ” تفسير السعدي” (ص 170) .
وليس لعمك حق في الميراث أصلا ؛ لأنه محجوب بك ، فالإخوة والأخوات لا يرثون شيئاً مع وجود ابن للميت .
ولا شك أن الحق في المنزل لكم ، ومن حقكم أن تسعوا في الحصول عليه ، بكل ما تقدرون عليه من قوة .
لكن إن كان الحال كما ذكرت ، من ضعف سلطان الحكومة في مثل هذه الأحوال ، وقلة الناصر والمعين لكم ، وغلبة الظن بشر عمكم ، وأنه لن يسمح لكم ببيتكم ، إلا بأذى بالغ ، أو ضرر في أنفسكم ، أو أعراضكم ، أو نحو ذلك : فلا يلزمك السعي في استرداده ، والحال كما ذكر ؛ بل اصبروا ؛ فلعل الله أن يجعل لكم فرجا ومخرجا ، أو يهيأ لكم سلطانا لخروجه ، بحوله وطوله ، ولا تعرضوا أنفسكم لبلاء لا تطيقونه ، لكن وكلوا من المحامين الثقات ، من يسعى إلى استنقاذ لك بطرق قانونية ؛ فإن لم يمكنكم ، وتركتم حقكم ، خوفا من الضرر الزائد بكم ، فلا حرج عليكم ، ولا يلزمكم السعي في استرداده أصلا .
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه (201) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ ، قَالَ : ( فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ !! ) ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : ( قَاتِلْهُ !! ) ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : ( فَأَنْتَ شَهِيدٌ !! ) ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ : (هُوَ فِي النَّارِ ) ” .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَهَذَا الَّذِي تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ ” الصَّائِلَ ” وَهُوَ الظَّالِمُ بِلَا تَأْوِيلٍ وَلَا وِلَايَةٍ ، فَإِذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ المال جاز دفعه بِمَا يُمْكِنُ ، فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقِتَالِ قُوتِلَ، وَإِنْ تَرَكَ الْقِتَالَ وَأَعْطَاهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ جَازَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ الْحُرْمَةَ- مِثْلُ أَنْ يَطْلُبَ الزِّنَا بِمَحَارِمِ الْإِنْسَانِ ، أَوْ يَطْلُبَ مِنْ الْمَرْأَةِ ، أَوْ الصَّبِيِّ الْمَمْلُوكِ أَوْ غَيْرِهِ الْفُجُورَ بِهِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يُمْكِنُ ، وَلَوْ بِالْقِتَالِ ، وَلَا يَجُوزُ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِحَالٍ ؛ بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّمْكِينُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ جَائِزٌ ، وَبَذْلَ الْفُجُورِ بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْحُرْمَةِ غَيْرُ جَائِزٍ.” انتهى من “السياسة الشرعية” (71) .
وقال الإمام النووي رحمه الله :
” والمدافعة عن المال جائزة غير واجبة … وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فلا تعطه ) ؛ فمعناه : لا يلزمك أن تعطيه ، وليس المراد تحريم الإعطاء ) انتهى من “شرح مسلم للنووي” (11/202) .
ومتى فاتكم شيء من حقكم ، ولم تقدروا على الحصول عليه في الدنيا ؛ فإنما هي مظلمة لكم عند من ظلمكم ؛ تنفعكم إن شاء الله ، يوم لا يكون درهم ولا دينار ؛ وإنما هي الحسنات والسيئات :
روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) .
وينظر جواب السؤال رقم : (92650) ، ففيه بيان أن التحاكم إلى القوانين الوضعية لاستخلاص الحقوق جائز عند الضرورة .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (127188) ، (149659) .
والله تعالى أعلم .