0 / 0

الفرق بين السفر لزيارة القبر الشريف والسفر للأغراض الأخرى

السؤال: 198502

أرسل لي أحدهم رسالة وقال فيها : يلزم من حرّم شد الرحل لزيارة القبر الشريف تحريم شد الرحل لمعرض الكتاب ؛ لأن قبر الحبيب أشرف من المعرض بلا نزاع ..! قولوا لمن لم يفهم ما سبق : أنت ترجو الأجر على مطالعة الكتب ، وكذلك على زيارة القبر ؛ فيلزمك تسوية حكم الزيارتين . فبحثت في الفتوى فلم أجد ما يرد عليه نصاً ، لكنني قرأت فتوى ابن باز في فتوى شد الرحال ، واستفدت منها ، وأضفت من عندي زيادة لكي أبين له الفرق بين شد الرحال للمعرض والقبر .
فقلت له : لما كان قبره الشريف صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي كان من الأولى أن ينوي السفر إلى المسجد النبوي ، ولا ينوي السفر إلى القبر ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ) فكيف تنوي شد الرحال إلى القبر الشريف ولا تنوي أنك تشد الرحال إلى المسجد النبوي ؟ ! ، والرسول صلى الله عليه وسلم بيـن في الحديث أنه يجوز شد الرحال إلى مسجده صلى الله عليه وسلم ، فبما أنك راحل للقبر ، والقبر في المسجد النبوي ، كان من الأولى العمل بالحديث ، وهو أنك تنوي بسفرك هذا إلى المسجد ، وأداء الصلاة فيه ، ومن ثم تزور القبر الشريف ، أو إنك تنويهم مع بعض شد الرحال للمسجد والقبر وبذلك عملت بالحديث ، أما إنك تفرد النية بشد الرحال بزيارة القبر فقط ، ولا تنوي زيارة المسجد فقد تركت العمل بالحديث ، والعمل بالحديث وتطبيق أوامر النبي صلى الله عليه وسلم واجبة على جميع الخلق كافة .
وبالنسبة لمعرض الكتاب لو كان معرض الكتاب في المدينة المنورة نقدر نقول : إنه حرام عليه أنه ينوي شد الرحال للمعرض ، ويترك المسجد النبوي ، ولا ينوي له شد الرحال ،
لكن المعرض في الرياض .
وأخشى أن يكون كلامي الذي أضفته فهماً خاطئا ، أو تكلم بغير علم .
فهل ماقلته صحيحاً ؟، وإن لم يكن صحيحاً فهل آثم بذلك ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

المنع من شد الرحال إلى المشاهد والقبور ، وعامة المساجد والأماكن المعظمة ، سوى المساجد الثلاث : لا يلزم عليه تحريم السفر لمعارض الكتاب أو التجارة أو طلب العلم ونحو ذلك ، وذلك لسبب سهل ميسور ، لا بد أن يفهمه طالب العلم ويعتني به ، وهو أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : المَسْجِدِ الحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى ) رواه البخاري (1189) ،ومسلم (1397) لم يفسره العلماء بأن معناه : لا تشد الرحال مطلقا لأي عذر ، ولأي عمل ، ولا يقصد به كذلك : المنع من شد الرحال لأجل فائدة شرعية ، من طلب علم ، أو دعوة إلى الله ، أو نحو ذلك من الطاعات والأعمال الصالحة ؛ بل المعنى : لا تشد الرحال إلى مكان يقصد بالتعظيم لذات المكان ، كالسفر لزيارة مسجد غير المساجد الثلاثة ، أو السفر لقبر نبي ، أو ولي ، ونحو ذلك ، فهذه ينطبق فيها مناط التحريم ، وهو أنها بقاع أو أماكن ، تعظم وتقدس وينسب لها الفضل لذاتها .
يقول ابن الأثير رحمه الله :
” المراد : لا يقصد موضع من المواضع بنية العبادة والتقرب إلى الله تعالى إلا إلى هذه الأماكن الثلاثة ، تعظيماً لشأنها وتشريفاً ” انتهى من ” جامع الأصول ” (9/283) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” هذا النهي يعم السفر إلى المساجد والمشاهد ، وكل مكان يقصد السفر إلى عينه للتقرب ، بدليل أن بصرة بن أبي بصرة الغفاري لما رأى أبا هريرة راجعًا من الطور الذي كلم الله عليه موسى قال : ( لو رأيتك قبل أن تأتيه لم تأته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ) .
فقد فهم الصحابي الذي روى الحديث : أن الطور وأمثاله من مقامات الأنبياء مندرجة في العموم ، وأنه لا يجوز السفر إليها ، كما لا يجوز السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة .
وأيضًا : فإذا كان السفر إلى بيت من بيوت الله غير الثلاثة لا يجوز – مع أن قصده لأهل مصره يجب تارة ، ويستحب أخرى ، وقد جاء في قصد المساجد من الفضل ما لا يحصى – فالسفر إلى بيوت عباده : أولى أن لا يجوز ” انتهى من ” اقتضاء الصراط المستقيم ” (2/182-183) .
ويقول أيضا رحمه الله :
” قوله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ ) استثناء مفرغ ، فإما أن يكون التقدير : لا تشد إلى مسجد إلا إلى هذه الثلاثة ، وإما أن يكون التقدير : لا تشد إلى مكان مطلقًا من الأمكنة التي تقصد وتعظم ويسافر لأجلها .
فأما السفر لتجارة ، أو جهاد ، أو طلب علم ، أو زيارة أخ في الله ، أو صلة رحم ، ونحو ذلك ، فإنها لم تدخل في الحديث ؛ لأن تلك لا يقصد فيها مكان معين ، بل المقصود ذلك المطلوب حيث كان صاحبه ، ولهذا لم يفهم أحد من هذا هذه الأمور .
بخلاف السفر إلى البقاع المعظَّمة ، كطور موسى ، وكقبور الأنبياء والصالحين ، فإن الصحابة والتابعين والأئمة فهموا دخولها في هذا الحديث ، ولم يكن في السلف من ينكر دخولها في الحديث ، ودخولها على أحد وجهين :
إن قيل : إن المستثنى منه جنس البقاع المعظمة ، فقد دخلت هذه .
وإن قيل : إن المستثنى منه هو المساجد ، فلا ريب أنه إذا لم يشرع السفر إلى المساجد ، فلا يشرع إلى هذه بطريق الأولى ؛ فإن المساجد أفضل البقاع ” انتهى باختصار من ” قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق ” (ص94) .

فانظر كيف فرق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين السفر لتعظيم بقعة ( مكان ) مقصود بالعبادة والتعظيم ، فيمنع حينئذ ، وبين السفر لحاجة مشروعة أخرى لا يقصد فيها ذات المكان ، وإنما المراد الحاجة التي سافر لأجلها ، كالتجارة أو طلب العلم أو صلة الرحم ونحو ذلك .
فلا يصح إلزام القائلين بتحريم السفر إلى القبور أن يحرموا السفر لحضور معرض الكتاب ، أو غيره من المعارض والحاجات المباحة ، ولم نجد من العلماء من يقول بهذا الإلزام ، ولا نرى سببه إلا ضعف الاطلاع على حقيقة قول المانعين ، الذي انتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية ، وكان مثار خلاف عبر قرون متطاولة ؛ لكن أحدا لم يفكر في هذا الإلزام الركيك أصلا !!

وانظر جواب السؤال رقم: (10011) ، (133992) .
والله أعلم .

H

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android