كيف يعرف الإنسان أن تيسير أموره واستجابة دعائه ليس من الاستدراج ؟
السؤال: 198964
أدعو الله سبحانه في كثير من الأمور ، وأرى اﻻستجابة في الدعاء ، ولكن قلبي يقول لي : هذه المسائل استدراج من الشيطان ، بحيث يجعلك تطمئن على أنك متدين !!
فكيف أعرف استدراج الشيطان ؟ وهل الشيطان له قدرة على تيسير الأمور ، بحيث يخدعك ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
المؤمن دائما حسن الظن بربه ، سيء الظن بنفسه ، لا يصيبه ما يكرهه إلا وهو يعلم أن
ما أصابه من ذلك إنما أصابه بذنبه ، ولا يأتيه خير يحبه إلا وهو يعلم أنه من فضل
ربه عليه ؛ منةً منه وكرما .
ثانيا :
الدعاء على نوعين : دعاء العبادة ، وهو الحال الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم من
طاعة ربه وعبادته .
ودعاء المسألة ، وهو سؤال الله جلب النفع ودفع الضر .
ودعاء العبادة لا يكون إلا للمؤمن ، أما دعاء المسألة فيكون للمؤمن والكافر والبر
والفاجر ، فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضياً عنه، ولا محباً له ، ولا راضياً
بفعله ، بخلاف دعاء العبادة الذي لا يكون إلا بتوفيق الله تعالى ومحبته .
فقد تكون إجابة الدعاء استدراجا ، وقد تكون تعجيلا لنصيب الداعي من الخير حيث لا
يكون له إلا في الدنيا ، وقد تكون إظهارا لرحمة الله بعباده ، أو استجابة لدعاء
مظلوم ، ونحو ذلك .
وقد تكون الاستجابة لصلاح المرء وتقواه .
والحاصل : أن الدعاء هو سبب من أسباب قضاء الحاجات ؛ بل هو من أعظم الأسباب ، ومتى
كانت الحاجة دنيوية ، وقد أجيب لصاحبها دعاؤه : فهذا رزق من الله ، جرى بسببه ، كما
أن العمل سبب للرزق ، والنكاح سبب للولد ، والدواء سبب للشفاء ، لكن ليس جريان
الرزق وتعجيله في شيء من ذلك كله ، دليلا على محبة الله لمن أعطاه ذلك الرزق ، كما
أن منع الإجابة ، أو حبس الرزق : ليس دليلا على سخط الله على من حرمه ذلك .
راجع لمزيد الفائدة والتوضيح جواب السؤال رقم : (41114)
، (177561) .
ثالثا :
العطاء والمنع ، والخفض والرفع ، والغنى والفقر ، والصحة والمرض ، وسائر ما يقدره
الله لعبده من الرزق : فإنما أمره إلى الله وحده ، هو يقضيه ، ويصرفه ، ويدبره
لعباده سبحانه ، لا يملك أحد من خلقه ، لا الشيطان وأعوانه ، ولا الملائكة ، ولا
مخلوق : يملك شيئا من ذلك استقلالا ، ولا يشارك الله تعالى في تدبير شيء من ذلك كله
، بل أمره كله إلى الله .
وإن كان ذلك لا يمنع أن يكون للعباد شيء من أسباب ذلك ، كما أن الشفاء إنما هو بيد
الله ، والطبيب سبب ، والولد من رزق الله ، والزوج أو الزوجة سبب ، وهكذا .
روى الترمذي (2516) وصححه
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : ( … وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ
بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ
اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ
كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ). وصححه
الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
رابعا :
ليس الاستدراج من فعل الشيطان في شيء ، ولا له مدخل فيه ، ولم ينسب إليه شيء منه في
كتاب الله ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يملك أن ييسر قضاء حاجة لعبد ،
يستدرجه بها ، ولا يملك أيضا منع حاجة لعبد ، يستدرجه بذلك ، فإن الله تعالى رد
كيده إلى الوسوسة والإغواء ، وأما التدبير والتصريف فليس له منه شيء .
لكن الاستدراج : هو فعل الله
تعالى بمن شاء من عباده .
قال الإمام الطبري رحمه الله :
” وأصل “الاستدراج” : اغترارُ المستدرَج بلطف من استدرجه ، حيث يرى المستدرَج أن
المستدرِج إليه محسنٌ، حتى يورِّطه مكروهًا ” انتهى من ” تفسير الطبري” (13/287) .
والعبد ينبغي أن يغلب جانب
حسن الظن بالله ، على ما أعطاه من نعم ، لكن مع الاعتناء بشكره فيها ، والجمع بين
ذلك والخوف من مكر الله ، فيجمع في سيره إلى الله بين الرهبة والرغبة ، والرجاء
والخوف ، والمحبة والخشية .
قال المَرُّوذيّ : ” قلت
لأبي عبد الله – يعني الإمام أحمد – : ما أكثر الدّاعي لك .
قال: ” أخاف أن يكون هذا استدراجًا ، بأيّ شيء هذا ؟ ” .
انتهى من ” تاريخ الإسلام ” (18/ 76) .
خامسا :
من أعظم العلامات التي يخشى على صاحبها من استدراج الله له ، ومكره به : أن يعطيه
الرزق ، عند معصيته به ، وإعراضه عنه .
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ
حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) الأعراف/182 .
قال القرطبي رحمه الله :
” قَالَ الضَّحَّاكُ: كُلَّمَا جَدَّدُوا لَنَا مَعْصِيَةً جَدَّدْنَا لَهُمْ
نِعْمَةً.
وَقِيلَ لِذِي النُّونِ: ما أقصى ما يخدع به العبد ؟
قَالَ: بِالْأَلْطَافِ ، وَالْكَرَامَاتِ …
وَأَنْشَدُوا:
أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالْأَيَّامِ إِذْ حَسُنَتْ … وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا
يَأْتِي بِهِ الْقَدَرُ
وَسَالَمَتْكَ اللَّيَالِي فَاغْتَرَرْتَ بِهَا … وَعِنْدَ صفو الليالي يحدث
الكدر” انتهى من “تفسير القرطبي” (7/329) .
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا
رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ ،
فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ) ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ
كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا
هُمْ مُبْلِسُونَ ) الأنعام/ 44.
رواه الإمام أحمد (17311) ، وصححه الألباني في ” مشكاة المصابيح ” برقم (5201).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله
:
” قد يبتلى الإنسان بالسراء كالمال العظيم والنساء والأولاد وغير ذلك فلا ينبغي أن
يظن أنه بذلك يكون محبوبا عند الله إذا لم يكن مستقيما على طاعته ، فقد يكون من حصل
له ذلك محبوبا ، وقد يكون مبغوضا ، والأحوال تختلف ، والمحبة عند الله ليست بالجاه
والأولاد والمال والمناصب ، وإنما تكون المحبة عند الله بالعمل الصالح ، والتقوى
لله والإنابة إليه ، والقيام بحقه ، وكل من كان أكمل تقوى ، كان أحب إلى الله .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله يعطي الدنيا من
يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب ) رواه الحاكم (94) وصححه ، ووافقه
الذهبي .
فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، ومن ابتلي بالكفر والمعاصي فهذا دليل على أنه
مبغوض عند الله على حسب حاله .
ثم أيضا قد يكون الابتلاء استدراجا فقد يبتلى بالنعم يستدرج بها حتى يقع في الشر
وفيما هو أسوأ من حاله الأولى ، قال تعالى : ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا
يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) الأعراف/182-183 ، وقد
يبتلى الناس بالأسقام والأمراض ونحو ذلك ، لا عن بغض ولكن لحكمة بالغة ، منها : رفع
الدرجات ، وحط الخطايا ” .
انتهى ملخصا من “مجموع فتاوى ابن باز” (7/ 147-148) .
والله تعالى أعلم .
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة