0 / 0

حكم الحديث الوارد في سبب نزول قوله تعالى ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم )

السؤال: 200295

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ، ثُمَّ تَنَدَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ، سَلُوا لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَجَاءَ قَوْمُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ فُلَانًا قَدْ نَدِمَ وَإِنَّهُ أَمَرَنَا أَنْ نَسْأَلَكَ: هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَتْ: ” [كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ] [آل عمران: 86] إِلَى قَوْلِهِ [غَفُورٌ رَحِيمٌ] [البقرة: 173] ” فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَسْلَم.
[حكم الألباني] صحيح الإسناد ارجوا ترجمة رجال هذا الإسناد وكيف يكون صحيح الإسناد
وعكرمة قد طعن فيه وداوود كان يهم في أخره؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
قال الإمام النسائي رحمه الله في “سننه الكبرى” (3517) :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ، ثُمَّ نَدِمَ فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ : سَلُوا لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَجَاءَ قَوْمُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا: ” إِنَّ فُلَانًا نَدِمَ وَإِنَّهُ أَمَرَنَا أَنْ نَسْأَلَكَ : هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَنَزَلَتْ ( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) آل عمران/86 ، إِلَى قَوْلِهِ ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران/89 ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَأَسْلَمَ.
وهكذا رواه أحمد (2218) وابن حبان (4477) والطبري في “تفسيره” (6/572) والحاكم (2628) والبيهقي (16830) والطحاوي في “شرح معاني الآثار” (2869) من طرق عن داود – وهو ابن أبي هند – به .
وقال الحاكم عقبه : ” صحيح الإسناد ” ، ووافقه الذهبي ، وكذا صححه الألباني في “الصحيحة” (3066) ، وصححه أيضا محققو المسند .
وهذا الإسناد : صحيح ، لا غبار عليه :
– محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال أبو حاتم ثقة ، وقال النسائي صالح ، وقال مرة لا بأس به ، وذكره ابن حبان في الثقات. ووثقه مسلمة بن قاسم ، واحتج به مسلم في صحيحه .
“تهذيب التهذيب” (9 /221)
– يزيد بن زريع ، ثقة حافظ ، روى له الجماعة ، قال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة ، وقال أبو طالب عن أحمد: ما أتقنه وما أحفظه … وقال ابن معين يزيد بن زريع الصدوق الثقة المأمون ، وقال معاوية بن صالح قلت لابن معين من أثبت شيوخ البصريين؟ قال يزيد بن زريع ، وقال بشر بن الحكم : كان متقنا حافظا ما أعلم أني رأيت مثله ومثل صحة حديثه ، وقال أبو حاتم : ثقة امام .
“تهذيب التهذيب” (11 /285)
وقد توبع كما تقدمت الإشارة إليه .
– داود بن أبي هند ، ثقة أيضا من رجال مسلم ، وقال الثوري هو من حفاظ البصريين ، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ثقة ، ثقة ، وسئل عنه مرة أخرى فقال: مثل داود يسأل عنه ؟! وقال ابن معين ثقة وهو أحب إلي من خالد الحذاء، وقال العجلى بصري ثقة جيد الإسناد رفيع وكان صالحا ، وقال أبو حاتم والنسائي ثقة ، وقال يعقوب بن شيبة ثقة ثبت ، وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث .
وقال الأثرم عن أحمد: كان كثير الاضطراب والخلاف .
“تهذيب التهذيب” (3 /177)
وقال الحافظ في “التقريب” (ص200) : ” ثقة متقن كان يهم بآخرة ” .
فالرجل ثقة مطلقا ، ولا يضره أنه ربما أخطأ في بعض حديثه ، فالحافظ المتقن المكثر لا يعيب حديثه ولا يطعن في روايته وحفظه كونه يخطئ أحيانا ، فمثل هذا إذا لم يتبين خطؤه فحديثه صحيح .
والإمام أحمد الذي ذكر أنه كان كثير الاضطراب والاختلاف ، هو الذي وثقه مطلقا بقوله : ثقة ثقة ، وبتعجبه من سؤال السائل عنه كما مر .
وكونه يبين أنه قد يضطرب أحيانا ويختلف عليه حديثه ، فهذا لا يعني الطعن في حفظه ، وإنما يعني أنه إذا خالف من هو أوثق منه ، أو تبين اضطرابه في الرواية : فإنه يجتنب حينئذ حديثه ، أما ما عدا ذلك فحديثه حديث أهل الصدق والحفظ والإتقان .
وينظر للفائدة حول ذلك: ترجمة أبي بكر ابن عياش، من “الثقات” لابن حبان (7/ 669-670)
– عكرمة مولى ابن عباس ، وهو من الحفاظ المتقنين والعلماء المشهود لهم بالعلم والفضل ، قال الحافظ رحمه الله :
” احتج به البخاري وأصحاب السنن ، وتركه مسلم فلم يخرج له سوى حديث واحد في الحج مقرونا بسعيد بن جبير ، وإنما تركه مسلم لكلام مالك فيه ، وقد تعقب جماعة من الأئمة ذلك ، وصنفوا في الذب عن عكرمة منهم : أبو جعفر بن جرير الطبري ، ومحمد بن نصر المروزي ، وأبو عبد الله بن منده وأبو حاتم بن حبان وأبو عمر بن عبد البر وغيرهم ، وقد رأيت أن ألخص ما قيل فيه هنا .
فأما أقوال من وهاه ، فمدارها على ثلاثة أشياء : على رميه بالكذب ، وعلى الطعن فيه بأنه كان يرى رأي الخوارج ، وعلى القدح فيه بأنه كان يقبل جوائز الأمراء ، فهذه الأوجه الثلاثة يدور عليها جميع ما طعن به فيه ، فأما البدعة فإن ثبتت عليه فلا تضر حديثه لأنه لم يكن داعية مع أنها لم تثبت عليه ، وأما قبول الجوائز فلا يقدح أيضا إلا عند أهل التشديد ، وجمهور أهل العلم على الجواز كما صنف في ذلك ابن عبد البر ، وأما التكذيب فسنبين وجوه رده بعد حكاية أقوالهم وأنه لا يلزم من شيء منه قدح في روايته … ”
ثم شرع في بيان ذلك بما لا مزيد عليه ، ثم قال :
” وإذ فرغنا من الجواب عما طعن عليه به ، فلنذكر ثناء الناس عليه من أهل عصره وهلم جرا : قال محمد بن فضيل عن عثمان بن حكيم : كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، إذ جاء عكرمة فقال : يا أبا أمامة ؛ أذكرك الله ، هل سمعت ابن عباس يقول ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه ، فإنه لم يكذب علي ؟ فقال أبو أمامة نعم . وهذا إسناد صحيح ، وقال يزيد النحوي عن عكرمة : قال لي ابن عباس انطلق فأفت الناس ، وحكى البخاري عن عمرو بن دينار قال : أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل عن عكرمة ، فجعلت كأني أتباطأ ، فانتزعها من يدي وقال : هذا عكرمة مولى ابن عباس ، هذا أعلم الناس ، وقال الشعبي : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة ، وقال البخاري : ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة ، وقال جعفر الطيالسي عن ابن معين : إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة ، فاتهمه على الإسلام ، وقال المرزوي : قلت لأحمد بن حنبل يحتج بحديثه؟ قال نعم ، وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المرزوي : أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة ، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا ، منهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن معين، ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه فقال : عكرمة عندنا إمام أهل الدنيا وتعجب من سؤالي إياه . وقال أبو حاتم أصحاب ابن عباس عيال على عكرمة، وقال البزار روى عن عكرمة مائة وثلاثون رجلا من وجوه البلدان ، كلهم رضوا به ، وقال أبو بكر بن أبي خيثمة : كان عكرمة من أثبت الناس فيما يروي ، وقال ابن حبان كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن ، ولا أعلم أحدا ذمه بشيء ، يعني يجب قبوله والقطع به ، وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى : احتج بحديثه الأئمة القدماء ، وقال ابن منده أما حال عكرمة في نفسه فقد عدله أمة من التابعين منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم ، وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين ، على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه ولم يستغن عن حديثه ، وكان حديثه متلقى بالقبول قرنا بعد قرن إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح .
انظر : “مقدمة الفتح” (ص424-429)
فتبين بذلك صحة الإسناد وأن رواته كلهم ثقات .
على أن له شواهد من طرق أخرى :
منها ما رواه الطبري في “تفسيره” (6/ 573) من طريق جعفر بن سليمان قال، أخبرنا حميد الأعرج، عن مجاهد قال: جاء الحارث بن سُوَيد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه، فأنزل الله عز وجل فيه القرآن: ( كيف يَهدي الله قومًا كفروا بعدَ إيمانهم ) إلى ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ ) ، قال: فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه، فقال الحارث: إنك والله ما علمتُ لصَدُوقٌ، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدقُ منك، وإنّ الله عز وجل لأصدق الثلاثة. قال: فرجع الحارث ، فأسلم ، فحسن إسلامه.
وهذا مرسل صحيح .
ومنها ما رواه الطبري أيضا (6/ 573) : حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدُوا أنّ الرسول حق )، قال: أنزلت في الحارث بن سُوَيد الأنصاري، كفر بعد إيمانه، فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآيات، إلى: ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ثم تاب وأسلم، فنسخها الله عنه، فقال: ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ ) .
وهذا مرسل أيضا .
وبالجملة : فالحديث صحيح لا مطعن فيه بوجه .
قال ابن كثير رحمه الله :
” قَوْلُهُ تَعَالَى: ( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ ) أَيْ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَجُ وَالْبَرَاهِينُ عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ، وَوَضَحَ لَهُمُ الْأَمْرُ ثُمَّ ارْتَدُّوا إِلَى ظُلْمَةِ الشِّرْكِ، فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ هَؤُلَاءِ الْهِدَايَةَ بَعْدَ مَا تَلَبَّسُوا بِهِ مِنَ الْعَمَايَةِ، ولهذا قال تعالى: ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ).
ثُمَّ قَالَ تعالى: ( أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) أَيْ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ، وَيَلْعَنُهُمْ خَلْقُهُ، ( خالِدِينَ فِيها ) أَيْ فِي اللَّعْنَةِ، ( لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) ؛ أَيْ : لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ وَبِرِّهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وعائدته على خلقه : أن من تاب إليه، تاب عليه ” انتهى .
“تفسير ابن كثير” (2/ 61)
وقال السعدي رحمه الله :
” يعني: أنه يبعد كل البعد، أن يهدي الله قوما عرفوا الإيمان، ودخلوا فيه، وشهدوا أن الرسول حق، ثم ارتدوا على أعقابهم، ناكصين ناكثين؛ لأنهم عرفوا الحق ، فرفضوه.
ولأن من هذه الحالة وصفه، فإن الله يعاقبه بالانتكاس، وانقلاب القلب جزاء له، إذ عرف الحق فتركه، والباطل فآثره، فولاه الله ما تولى لنفسه.
فهؤلاء : عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خالدين في اللعنة والعذاب، لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ، إذا جاءهم أمر الله، لأن الله عمرهم ما يتذكر فيه من تذكر، وجاءهم النذير.
ثم إنه تعالى استثنى من هذا الوعيد : التائبين من كفرهم وذنوبهم، المصلحين لعيوبهم، فإن الله يغفر لهم ما قدموه، ويعفو عنهم ما أسلفوه.
ولكن من كفر وأصر على كفره، ولم يزدد إلا كفرا حتى مات على كفره : فهؤلاء هم الضالون عن طريق الهدى، السالكون لطريق الشقاء، وقد استحقوا بهذا العذاب الأليم ” انتهى “تفسير السعدي” (ص 970)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android