تنزيل
0 / 0

إذا بليت أوراق المصحف فمحيت كتابتها بالماء فقد زالت حرمتها .

السؤال: 200589

أود أن أسأل عن : حكم تذويب المصحف القديم ، أو ما فيه آيات من القرآن ، أو الكتب ، في الماء ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

تقدم في إجابة السؤال رقم (114932)
أنه إذا بليت أوراق المصحف وتمزقت وأصبحت غير صالحة للانتفاع بها فإن هناك عدة طرق
لائقة للتخلص منها ، فمن ذلك الحرق والدفن والفرم .
وهكذا الحكم في الكتب الدينية المشتملة على القرآن والحديث .
وإذا حصل محو الكتابة بأي وسيلة لائقة : فقد ذهبت الحرمة ، سواء كان ذلك بالحرق أو
الفرم أو كان بالغسل بالماء الطاهر .
فحرمة الكتابة إنما تكون عند وجودها ، أما مع محوها فإن الحرمة منتفية .

روى البخاري (4987) عن
أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ : قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ
وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ
أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ ،
فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ
الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى ، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا
بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ .
فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ،
وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ ، وَعَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ : فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ ، ثم
رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ
بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا ، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ
صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ .
قال الحافظ رحمه الله :
” روى أَبُو عُبَيْد وَابْن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق شُعَيْب عَنْ اِبْن شِهَاب
قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ ” كَانَ مَرْوَان
يُرْسِل إِلَى حَفْصَة – يَعْنِي حِين كَانَ أَمِير الْمَدِينَة مِنْ جِهَة
مُعَاوِيَة – يَسْأَلهَا الصُّحُف الَّتِي كُتِبَ مِنْهَا الْقُرْآن فَتَأْبَى أَنْ
تُعْطِيه , قَالَ سَالِم فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ حَفْصَة وَرَجَعْنَا مِنْ دَفْنهَا :
أَرْسَلَ مَرْوَان بِالْعَزِيمَةِ إِلَى عَبْد اللَّه بْن عُمَر : لِيُرْسِلَنَّ
إِلَيْهِ تِلْكَ الصُّحُف , فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ عَبْد اللَّه بْن عُمَر ,
فَأَمَرَ بِهَا مَرْوَان فَشُقِّقَتْ ، وَقَالَ : إِنَّمَا فَعَلْت هَذَا لِأَنِّي
خَشِيت إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَان أَنْ يَرْتَاب فِي شَأْن هَذِهِ الصُّحُف
مُرْتَاب ” وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي عُبَيْدَة ” فَمُزِّقَتْ ” وأَخْرَجَهُ
اِبْن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق يُونُس بْن يَزِيد عَنْ اِبْن شِهَاب نَحْوه
وَفِيهِ : ” فَشَقَّقَهَا وَحَرَّقَهَا ” .
وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي رِوَايَة عُمَارَة بْن غَزِيَّة أَيْضًا
بِاخْتِصَارٍ , لَكِنْ أَدْرَجَهَا أَيْضًا فِي حَدِيث زَيْد بْن ثَابِت وَقَالَ
فِيهِ ” فَغَسَلَهَا غَسْلًا ” وَيُجْمَع بِأَنَّهُ صَنَعَ بِالصُّحُفِ جَمِيع
ذَلِكَ ، مِنْ تَشْقِيق ، ثُمَّ غَسْل ، ثُمَّ تَحْرِيق .
وَيحْتَمَل أَنْ يَكُون بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة ، فَيَكُون مَزَّقَهَا ، ثُمَّ
غَسَلَهَا وَاَللَّه أَعْلَم ” انتهى باختصار .
وروى الطبري في “تفسيره” (1/ 57) عن أَنَس بْن مَالِكٍ، قَالَ: ” كُنْتُ فِيمَنْ
يُمْلَى عَلَيْهِمْ … فَلَمَّا فَرَغَ عُثْمَانُ مِنَ الْمُصْحَفِ، كَتَبَ إِلَى
أَهْلِ الْأَمْصَارِ: ” إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ كَذَا وَكَذَا، وَمَحَوْتُ مَا
عِنْدِي، فَامْحُوا مَا عِنْدَكُمْ “
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” وَالْمَحْوُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْغَسْلِ أَوِ التَّحْرِيقِ،
وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيقِ ، فَهُوَ الَّذِي وَقَعَ ،
وَيحْتَمَلُ وُقُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا ، بِحَسْبِ مَا رَأَى مَنْ كَانَ بِيَدِهِ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ . وَقَدْ جَزَمَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُمْ غَسَلُوهَا بِالْمَاءِ
ثمَّ أحرقوها مُبَالغَة فِي إذهابها . وَقَالَ ابن عَطِيَّةَ : ” الرِّوَايَةُ
بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَصَحُّ ، وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَأَمَّا الْآنَ فَالْغَسْلُ أَوْلَى لِمَا دَعَتِ الْحَاجَةُ
إِلَى إِزَالَتِهِ ” انتهى من “فتح الباري” (9/ 21)
وقال في “المحيط البرهاني” (5/ 321) – من كتب الحنفية – :
” إذا صار المصحف خَلَقاً ، بحيث لا يُقرأ منه : فإنه لا يكره دفنه، ومن أراد دفنه
ينبغي أن يلفه بخرقة طاهرة، ويحفر لها حفرة ، ويُلْحَد ، وإن شاء غسله بالماء حتى
يذهب ما به ” انتهى مختصرا .

وسئل شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله :
عَنْ الْمُصْحَفِ الْعَتِيقِ إذَا تَمَزَّقَ مَا يُصْنَعُ بِهِ؟ وَمَنْ كَتَبَ
شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ مَحَاهُ بِمَاءِ أَوْ ، حَرَقَهُ : فَهَلْ لَهُ
حُرْمَةٌ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ:
” أَمَّا الْمُصْحَفُ الْعَتِيقُ ، وَاَلَّذِي تَخَرَّقَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا
يُنْتَفَعُ بِهِ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ : فَإِنَّهُ يُدْفَنُ فِي مَكَانٍ يُصَانُ
فِيهِ ، كَمَا أَنَّ كَرَامَةَ بَدَنِ الْمُؤْمِنِ دَفْنُهُ فِي مَوْضِعٍ يُصَانُ
فِيهِ ، وَإِذَا كُتِبَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرِ فِي إنَاءٍ أَوْ
لَوْحٍ ، وَمُحِيَ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ ، وَشُرِبَ ذَلِكَ : فَلَا بَأْسَ بِهِ ؛
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد وَغَيْرُهُ .
وَنَقَلُوا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – أَنَّهُ كَانَ
يَكْتُبُ كَلِمَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ ، وَيَأْمُرُ بِأَنْ تُسْقَى
لِمَنْ بِهِ دَاءٌ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لِذَلِكَ بَرَكَةً. وَالْمَاءُ
الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَيْضًا
مَاءٌ مُبَارَكٌ؛ صُبَّ مِنْهُ عَلَى جَابِرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ.
وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يَتَوَضَّأُ
عَلَى التُّرَابِ وَغَيْرِهِ ؛ فَمَا بَلَغَنِي أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَاءِ
يُنْهَى عَنْ صَبِّهِ فِي التُّرَابِ وَنَحْوِهِ ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ
نَهْيًا؛ فَإِنَّ أَثَرَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَبْقَ [= لم يعُد] بَعْدَ الْمَحْوِ
كِتَابَةً ، وَلَا يَحْرُمْ عَلَى الْجُنُبِ مَسُّهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ
لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَتِهِ ، مَا دَامَ الْقُرْآنُ وَالذِّكْرُ مَكْتُوبَينِ ،
كَمَا أَنَّهُ لَوْ صِيغَ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ أَوْ نُحَاسٌ عَلَى صُورَةِ
كِتَابَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ ، أَوْ نُقِشَ حَجَرٌ عَلَى ذَلِكَ عَلَى تِلْكَ
الصُّورَةِ ، ثُمَّ غُيِّرَتْ تِلْكَ الصِّيَاغَةُ ، وَتَغَيَّرَ الْحَجَرُ لَمْ
يَجِبْ لِتِلْكَ الْمَادَّةِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا كَانَ لَهَا حِينَ الْكِتَابَةِ
” انتهى من “مجموع الفتاوى” (12/ 599-560)

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android