0 / 0

سؤال النبي صلى الله عليه وسلم والشكاية إليه بعد وفاته من الشرك الأكبر .

السؤال: 200862

أنا من كيرلا ، وكتاب " مولد المنقوص " مشهور عندنا جدا ، ويقرؤه كل شخص فى منزله ، كي يلبي حاجاته ، ولكن هناك بعض الناس في "كيرلا" يسمون "السلفيين" ، يقولون : إن هذا الكتاب به الكثير من الشركيات . وعلى سبيل المثال : " ارتكبت الخطايا ، لك أشكو يا سيدي يا خير النبيين" . هل هناك شرك في المقولة السابقة ؟ وهل ترديدها حرام ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

هذا الكتاب المشار إليه كتاب خرافات وخزعبلات وشركيات وبدع ، ألفه صاحبه ليدلل بالباطل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي والغلو في النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به وسؤاله من دون الله ، وكذلك غيره من الأنبياء والصالحين ، فحشد لذلك كثيرا من الأباطيل والأحاديث المكذوبة والنقول العجيبة ، ولو أردنا تتبعه ونقده ، لطال الأمر جدا ، ولكان كل سطر سطره فيه تقريبا يحتاج إلى تعقيب ورد .

ومن جملة هذه الأكاذيب المفتراة ما ذكره عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه كان يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسأله من دون الله قائلا :
يا سيد السادات جئتك قاصدا ** أرجو رضاك وأحتمي بحماكا
والله يا خير الخلائق إن لي ** قلبا مشـــــــــــــــــوقا لا يروم سواكا
وبحق جاهك إنني بك مغرم ** والله يعلم أنني أهـــــــــــــواكا
يا أكرم الثقلين يا كنز الغنى ** جد لي بجودك وارضني برضاكا
أنا طامع بالجود منك ولم يكن** لأبي حنيفة في الأنام سواكا

كما ذكر عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال :
آل النبي ذريعتي ** وهمو إليه وسيلتي
أرجو بهم أعطى غدا ** بيدي اليمين صحيفتي

وهذا بلا شك من الكذب على هذين الإمامين الجليلين الموحدين ؛ وإلا فليثبت ذلك عن الإمامين بالإسناد الصحيح المتصل بهما ، أو حتى إسناد ضعيف مقارب ، يمكن أن ينقل به مثل ذلك ؛ وهيهات !!

ومن جملة ما ورد في هذا الكتاب من الشركيات قوله :
" اعلم أن الاستغاثة بأحباب الله تعالى ، كالأنبياء والأولياء والصالحين جائز في حياتهم وبعد مماتهم … " .
إلى أن قال :
" فعلم بذلك أنه يجوز الاستغاثة بقوله : يا رسول الله أغثني " و " يا غوث يا محيي الدين عبد القادر الجيلاني " ونحوه " .
ومن جملة هذه الشركيات التي وردت في هذا الكتاب ما ذكره السائل : " ارتكبت الخطايا ، لك أشكو يا سيدى يا خير النبيين "
وهذا من الشرك الأكبر ، فإن التوبة من الخطايا إنما تكون لله وحده ، والشكاية من معرة الذنوب وآثارها إنما تكون لله وحده .
وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (179363) أن قوله : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ ) مختص بحياته صلى الله عليه وسلم لا بعد وفاته .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" هذه الآية الكريمة فيها حث الأمة على المجيء إليه إذا ظلموا أنفسهم بشيء من المعاصي ، أو وقعوا فيما هو أكبر من ذلك من الشرك أن يجيئوا إليه تائبين نادمين حتى يستغفر لهم عليه الصلاة والسلام ، والمراد بهذا المجيء : المجيء إليه في حياته صلى الله عليه وسلم .
والمجيء إليه بعد موته لهذا الغرض غير مشروع ، والدليل على هذا أن الصحابة لم يفعلوا ذلك ، وهم أعلم الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأفقه الناس في دينه ، ولأنه عليه السلام لا يملك ذلك بعد وفاته " .
انتهى ملخصا من مجموع فتاوى ابن باز" (6/ 189-190) .
ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله من دون الله ، والاستغاثة به : شرك أكبر مخرج عن الملة ، فكيف بالاستغاثة بغيره .
قال علماء اللجنة الدائمة :
" دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ونداؤه والاستعانة به بعد موته ، في قضاء الحاجات وكشف الكربات : شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام " .
انتهى من" فتاوى اللجنة الدائمة " (1/ 473) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن دونه من الخلق شرك وضلال ؛ لأن هؤلاء لا يستطيعون أن يستجيبوا له ، والواجب على المرء أن يتوب إلى الله من هذا الشرك ، وألا يدعو إلا الله ، وكلنا نعلم أن رسول الله نفسه كان لا يملك نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، وقد أمره الله تعالى أن يعلن ذلك لأمته ، فقال الله له : (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/188 ، وقال الله تعالى له آمرا أياه : ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ) الأنعام/50 ، وكان الرسول نفسه يدعو الله سبحانه لنفسه بالمغفرة والرحمة ، ويدعو لأصحابه كذلك ، ولو كان قادرا على أن يغفر لأحد أو يرحمه ما احتاج إلى دعاء الله سبحانه في هذا ، فكل الخلق مفتقرون إلى الله ، والله هو الغني الحميد ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر/15 ، ولولا أن الشيطان تلاعب بعقول هؤلاء وأفكارهم لعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره لا يملكون لأحد نفعا ولا ضرا ولا دعوا الله سبحانه وحده لا شريك له : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ) النمل/62 " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (21/ 218-219) .

والحاصل أن حكاية الحال ، وشكاية الذنب ، والإقرار به ، والتوبة منه عند أحد من البشر ، وطلب الغوث والعون : كل هذا من الشرك بالله جل جلاله ، وإنما هذا باب من العبادات المحضة ، لا يجوز صرفه لغير الله تعالى .
وفي صحيح مسلم (2577) عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى : ( يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَبَ إلَّا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، لَا يُطْلَبُ ذَلِكَ لَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِغَيْرِ اللَّهِ : اغْفِرْ لِي وَاسْقِنَا الْغَيْثَ وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، أَوْ اهْدِ قُلُوبَنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا رَوَى الطَّبَرَانِي فِي مُعْجَمِهِ : " أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَافِقٌ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالوا: قُومُوا بِنَا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ . فَجَاءُوا إلَيْهِ فَقَالَ : ( إنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاَللَّهِ ) " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/ 329) .
راجع للاستزادة جواب السؤال رقم : (114142) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android