0 / 0

تريد الزواج برجل يغلب على والده الوسواس القهري فيتكلم بالكفر

السؤال: 200949

أنا فتاة في التاسعة عشرة ، وقد تقدم لي شاب تعرفت عليه في المرحلة الثانوية ، وتحدثت معه للأسف بعض الحديث الذي ما كان ينبغي لي أن أتحدثه ، لكننا تبنا والحمد لله ، ويريد الآن أن نتزوج ، غير أن المشكلة تتمثل في أبيه المرتد والذي يعاني من الوساوس القهرية ومن الاضطرابات ثنائية القطب ، وقد قرأت فيما قرأت أن الوساوس القهرية من الشيطان ، وأنها تتسبب للمرء ببعض الهواجس الدينية .
فهل يُعتبر محاسباً عن ردّته رغم معاناته من تلك الأمراض العقلية ؟
كما أن ابنه يسأل عن ما هو دورهم كأسرة تجاه أبيهم ؟
فأمّه ما زالت تعيش مع أبيه رغم أنه تسبب لهم بالكثير من الخسائر المالية بسبب مرضه .
فما حقوق الأسرة التي على الأب ؟ ، وما حقّ الأب عليهم ؟
إن كان هناك من حقوق في مثل هذه الحالة ، يجدر الإشارة إلى أنه غير متعاون معهم على الإطلاق في مسألة العلاج .
سؤال أخير:
إذا تزوجت هذا الشاب فما نوع العلاقة التي ينبغي أن تكون بيني وأبنائي وبين وأبيه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الوسواس القهري هو مجموعة من الأفكار والخواطر السيئة تتوالى وتتكرر على ذهن الإنسان رغماً عنه ، بحيث إنه لا يستطيع إزالتها أو الانفكاك عنها ، مع علمه ويقينه بأنها أفكار سخيفة وغير مقبولة ، إلا أنه يستمر تواردها على خاطره قهرا ، وتسبب له الكثير من الإزعاج والحرج والألم .
ويكون علاج الوسواس القهري، وغيره من أنواع الوساوس بالإكثار من ذكر الله وطاعته واللجوء إليه بالتضرع والدعاء والاستعاذة، وإغفال الوسوسة وإهمالها وعدم الاسترسال معها ، وتحتاج بعض الحالات إلى مراجعة الطبيب .
وينظر جواب السؤال رقم : (39684) ، (90819) .
وهذا الوسواس لا يؤاخذ الله به ، ولا يحاسب الإنسان عليه ، لأنه خارج عن إرادته ، ومتسلط عليه بالقوة والقهر لا بالاختيار ، وقد قال الله تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) البقرة/ 286 ، وقال: ( لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ماَ آتاَهاَ ) الطلاق/ 7 ، وقال: ( فَاتَّقُوا الَله مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/ 16 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا ، مَا لَمْ تَعْمَلْ ، أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ ) .
أخرجه البخاري (6664) ، ومسلم (127) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” لا يؤاخذ الله من ابتلي بالوسواس القهري لقول الله تعالى : ( رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) ولقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) لكن على من ابتلي بالوسواس أن يكثر الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وأن يتلهى عن ذلك ويعرض عنه فإنه متى فعل هذا زال عنه بإذن الله ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (24/ 2) بترقيم الشاملة .
فإذا كان هذا الرجل يتكلم بكلام الكفر والخروج عن الملة بسبب هذا الوسواس القهري ، دون أن يكون واعيا لما يقوله ، وفاهما لمعناه ، أو يكون فاهما له ، لكنه لم يقصده ، ولم ينطق به عن اختيار ، بل نطق به ملجأ إليه ، ومكرها عليه ، تحت ضغط الوسواس : فإنه لا يؤاخذ به ؛ لأنه فوق طاقته ، وخارج عن إرادته ، فهو في حكم من تكلم بالكفر مكرها ، وقد قال الله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/ 106 .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” إذا أكره على الكفر فكفر ، وكان قلبه مطمئنا بالإيمان ، لم يحكم بكفره ؛ لوجود المانع وهو الإكراه ” انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (3/ 54) .
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (13/ 229):
” لاَ يَجُوزُ تَكْفِيرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإْيمَانِ ، قَال تَعَالَى : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإْيمَانِ ) ” انتهى .
ينظر جواب السؤال رقم : (62839) .

وعلى ذلك : فليس هذا الرجل في حكم المرتد ، إلا أن ينطق ، أو يعمل بشي من أعمال الكفر وأقواله ، في حال وعيه لنفسه ، واختياره وقصده ، فهنا يحكم عليه بحكم الردة ، ويتحمل المسؤولية كاملة عن أقواله وأفعاله .
ثانيا :
دور الأسرة تجاه هذا الأب المسكين يتلخص فيما يلي :
أولا : يجب على جميع أفراد الأسرة تحمله والصبر عليه فيما يحصل منه من أحوال وأمور غير مرضية ؛ لأن ذلك إنما يحصل عن غير قصد منه .
ثانيا : السعي في علاجه والإنفاق عليه قدر الاستطاعة ، والتحيل لذلك بما يمكن من الحيل ؛ فكثير من حالات الوسواس تكون حالات مرضية تعالج عن طريق الأطباء النفسانيين أو غيرهم .
ثالثا : الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله لكشف هذا الضر وصرف هذا البلاء .
رابعا : الرقية الشرعية ، فيرقيه ابنه أو زوجته أو أي أحد من أسرته أو غيرهم الرقية الشرعية ، فكثير من أنواع البلاء والأمراض المستعصية يكشف الله ضرها بفضله بالرقى المشروعة من الكتاب والسنة .
ينظر جواب السؤال رقم : (3476) .

ثالثا :
إذا كان هذا الخاطب ذا خلق ودين ، فلا حرج في الزواج به ، وسواء كان والده صحيحا أو مريضا ، وسواء كان مسلما أو مرتدا ، فإن ذلك كله لا يمنع من الزواج بابنه ، متى كان هذا الابن مرضي الدين والخلق .
على أننا لا نرى أن تتسرعي في قبول مثل ذلك ، بل التأني في مثل هذه الزيجات التي تحفها مشكلات اجتماعية معقدة : أولى وأقرب إلى العقل والحكمة .
ويجب عليك أن يعلم أولياؤك بالأمر ، وأن يقفوا بأنفسهم على حقيقة الحال ، ليقرروا ما يناسب ابنتهم .
وإذا شعرت أن ذلك سوف ينعكس على حالك ومعيشتك ، وعلاقاتك الاجتماعية : فأنت ما زلت صغيرة ، ولو انتظرت فرصة أنسب لك ، وأبعد لك عن المشكلات ، فلعل هذا أن يكون أولى وأنسب .
فإن أبيت إلا قبول هذا الخاطب ، ورضي أولياؤك بالحال : فليكن مسكنك ومسكن زوجك منفصلا ، فهو أبعد من الحرج ، وأسلم من المشكلات .
ثم هو جد أولادك ، وهو أيضا حموك ، أبو زوجك ، فاجتهدي في الإحسان إليه ، بما استطعت.
وراجعي أيضا جواب السؤال رقم : (130935) .
ويراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (146463) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android