0 / 0

الصلاة في مسجد فوقه علم دولة أوروبية

السؤال: 201083

في ألمانيا يوجد مسجد ، إلا أنه موضوع فوقه علم الدولة الألمانية ، فما حكم الصلاة في هذا المسجد مع الدليل ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الواجب على الأقليات المسلمة في البلاد غير المسلمة أن يجتهدوا في عمارة مساجدهم ، العمارة المادية والمعنوية ، وأن يجتهدوا في تثبيت هويتهم والتمسك بعقيدتهم ، وأول ذلك وأهمه أن تكون أرواحهم معلقة ببيوت الله تعالى ، وأن لا يكون وضع الأعلام عليها من قبل الأجهزة الرسمية سببا في هجرها والقطيعة معها ، وذلك لأسباب كثيرة قوية ، نذكر منها :

أولا :

المساجد والمراكز الإسلامية هي مشعل النور الذي ينبغي أن يشع في ظلام الكفر والشرك في تلك البلاد ، وهي المحور الذي ترتكز عليه الجاليات الإسلامية هناك ، ويؤوب إليه أبناؤها وبناتها طوال العام ، ليبقى المثبت الأول والأهم للهوية الإسلامية ، والشخصية المسلمة ، فيصونها عن الذوبان في بيئة مغرياتها قادرة على إحداث التغيير على المستوى الشخصي والجماعي ، ولا يقف في وجهها إلا إيمان راسخ تعززه مؤسسة المسجد . فمثل هذه المصلحة أعظم بمراحل من مفسدة تعليق عَلَمٍ على المبنى .

ثانيا :

ثم إن اتخاذ الأعلام ليس محرما في نفسه ، فقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم راية في جهاده كعادة العرب في ذلك الزمان ، واتخذ الخلفاء من بعده رايات متنوعة ترمز لدولهم وجيوشهم ، وأصبحت الأعلام اليوم عادة ضرورية بين الدول ، تنص عليها الدساتير ، وتنظمها القوانين والأعراف الدولية ، فالأصل أنه لا حرج في اتخاذ الأعلام ابتداء ، كما لا حرج في اعتراف المسلم بها – سواء كان موطنه الأم إسلاميا أم غير إسلامي -، ما لم يشتمل العَلَم على رموز دينية كالصليب مثلا ، وما لم يكن رمزا على انتماء ديني لإحدى ملل الكفر .

والمحذور إنما هو رفع المسلم أعلام الدول الكافرة على سبيل الذوبان والتبعية الممسوخة ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (126602).

والمحذور أيضا هو جعل رابطة العَلَم فوق رابطة الإسلام ، والانتماء إلى مفاصل الدولة الحديثة فوق الانتماء إلى عقيدة الإسلام وشريعته ، بحيث تقدم مقتضيات الانتماء للعَلَم على طاعة الله ورسوله ، فهنا يقع الفرد في المحذور ، ولكنه كما ترى محذور متعلق بالأفراد ، يتفاوت بحسب تفاوت إيمانهم ومعتقداتهم ، وليس متعلقا بالعَلَم نفسه ، ولا بالفكرة ذاتها ، فلا ينبغي الخلط بين الأمرين ، فهو مزلق خطير ، وقعت فيه الكثير من التيارات المتشددة ، الأمر الذي أدى بهم إلى تحريم الانتماء إلى أية دولة ، إسلامية أم غير إسلامية ، وتمزيق جوازات السفر التي يحملونها ، ثم القطيعة مع واقعهم ومجتمعهم ، بل العداوة نفسها ؛ والسبب في ذلك وهم التناقض بين الانتماء إلى الإسلام ، والانتماء إلى الوطن ورموزه ، وكذلك وهم التلازم بين الاعتراف بالدول ورموزها ، وبين الرضا بما فيها من باطل مخالف للشريعة .

والحقيقة أنه لا تناقض أبدا بين الفكرتين ، بل دائرة الانتماء إلى الأوطان منضوية تحت الدائرة الأشمل والأرحب ، وهي عقيدة الإسلام وشريعته . وأيضا لا تلازم بين الاعتراف بأعلام الدول ، والرضا بتفاصيل أحوالها ، فالمسلم يعرف المعروف ، وينكر المنكر ، وانتسابه لوطنه لا يعني بأي حال من الأحوال إقرار جميع ما فيه من منكر وباطل .

ثالثا :

ثم على فرض تحريم رفع أعلام الدول الكافرة تحريما مطلقا ، فذلك لا يستلزم تحريم الصلاة في المسجد الذي رفعت فيه ، فالصلاة لها شروطها وأركانها الخاصة ، ولم يقل أحد من الفقهاء بتأثير رفع عَلَم أو راية معينة على صحة الصلاة نفسها ، بل ذهب أكثر الفقهاء إلى أن المسلم إن صلى داخل الكنيسة فلا إثم عليه ، وإنما وقع في الكراهة ، رغم ما فيها من صور وتماثيل . وقال بعض الفقهاء بالتحريم ، ولكن حيث لم تشتمل على صور وتماثيل وصلبان : فلا بأس في الصلاة فيها اتفاقا . ينظر في موقعنا الفتوى رقم : (147007) .

فمن باب أولى أن يقال بجواز الصلاة في المسجد الذي رفعت فوقه أعلام دول غير إسلامية ، فالأعلام قطع قماش ملونة ، والتي تشتمل على الصلبان منها قليلة ، وإنما ترفع خارج بناء المسجد .

هذا ، مع أننا لا نرى مشروعية رفع أعلام تلك الدول ، ولو كانت دولا إسلامية عند السعة ، إلا في حال الإلزام بذلك ، وإكراه القائمين على المسجد عليه : فلا حرج فيه إن شاء الله .

وللمزيد ينظر الفتوى رقم : (201134).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android