تنزيل
0 / 0
51,91427/01/2014

إشكال حول حكم استحباب تحية المسجد .

السؤال: 201870

ذكرتم في موقعكم أن الراجح من أقوال العلماء أن ركعتي تحية المسجد مستحبة وليست واجبة ، وأن بعض العلماء نقل الإجماع على ذلك .
فما توجيه حديث : ” أن رجلاً دخل المسجد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس ، فرآه النبي فقطع الخطبة ، فسأله أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ ؟ ، قَالَ: لا. قَالَ : قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ) ؟
أليس الشيء الواجب – وهو الاستماع للخطبة – مقدم على الشيء المستحب ؟!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
تحية المسجد سُنَّة مستحبَّة مؤكَّدة في قول أكثر أهل العِلْم ، وقد حكى بعضُ أهل
العِلْم الإجماعَ على ذلك :
قال النووي رحمه الله: ” أجمع العلماء على استحباب تحية المسجد ، ويُكرَه أن يجلس
من غير تحية بلا عذر” انتهى من ” المجموع ” (3/ 544) ، وانظر للمزيد جواب سؤال رقم
: (181099).

ثانيًا:
أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم للرجل الذي دخلَ المسجدَ وهو يخطب الجمعة بصلاة
الركعتين ، فيه دليلٌ على تأكُّد التحية في وقت الخطبة ، ولذا أمرَ النبيُّ صلى
الله عليه وسلم بها، وليس فيه دليلٌ على وجوبها ؛ بدليل حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُسْرٍ رضي الله عنه: ” جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ، فَقَالَ
لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اجْلِسْ؛ فَقَدْ آذَيْتَ )رواه
أبو داود (1118)، والنسائي (1399) ، وهو في صحيح الجامع (155) .
فلم يأمُرْه بصلاة التحيَّة .

ثالثا :
ليس تقديمُ الصلاة (المستحبَّة) على الاستماع الواجب (للخطبة) دليلاً على وجوب
التحيَّة؛ إذ لا مُنافاة بين صلاة التحية والاستماع للخُطبة ؛ فيمكن الجَمْع بين
الاثنين بأداء التحية مع التجوُّز فيها، ثم الجلوس للاستماع للخطبة ؛ كما دلَّ على
ذلك حديثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: ” جَاءَ سُلَيْكٌ
الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ، فَجَلَسَ ، فَقَالَ لَهُ : ( يَا سُلَيْكُ ، قُمْ فَارْكَعْ
رَكْعَتَيْنِ ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا)، ثم قال: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ،
وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا) رواه مسلم (875).
قال النووي رحمه الله بعد أن ذكرَ عدَّة أحاديث في الباب: “هذه الأحاديث كلها صريحة
في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين: أنه إذا دخل الجامع يوم
الجمعة والإمام يخطب : استُحِبَّ له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ، ويُكرَه الجلوس
قبل أن يصليهما ، وأنه يُستحَبُّ أن يتجوَّز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة ” .
انتهى “شرح النووي على صحيح مسلم ” (6/164).
وقال الشوكاني رحمه الله: ” قوله في حديث الباب (وليتجوَّز فيهما): فيه مشروعية
التخفيف لتلك الصلاة ليتفرغ لسماع الخطبة ، ولا خلاف في ذلك بين القائلين بأنها
تُشرَع صلاة التحية حال الخطبة” انتهى من ” نيل الأوطار ” (3/307) .

رابعاً :
ما جاء في السؤال : “أليس الشيء الواجب ( وهو الاستماع للخطبة ) مقدما على الشيء
المستحب ” ، هو استدلال القائلين بالوجوب ، بناء على قاعدة : “أن الواجب لا يترك
إلا لواجب ، وأن ما لا بد منه ، لا يترك إلا بما لا بد منه ” .
وهذه القاعدة ، وإن قال بها من قال من الفقهاء ؛ فإنهم لا يطردونها في عامة مواردها
، وقد ذكروا لذلك فروعا عديدة ، خرجت عن هذه القاعدة :
مِنْهَا: النَّظَرُ إلَى الْمَخْطُوبَةِ ، لَا يَجِبُ ، وَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ ،
لَمْ يَجُزْ.
وَمِنْهَا: رَفْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى التَّوَالِي فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ .
وَمِنْهَا: قَتْلُ الْحَيَّةِ فِي الصَّلَاةِ: لَا يَجِبُ ، وَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ
لَكَانَ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ.
ينظر : “الأشباه والنظائر” للسيوطي (148) .
وقد ذكر تاج الدين السبكي تناقض الشافعية والأحناف في القول بها وتركها ، بحسب
اختيارهم في فروع القاعدة ، وعدم طردهم لها ، ثم قال :
” لعل الضابط ـ والله أعلم ـ في تعارض النفل والفرض أن يقال:
إن لزم من فعل النفل ترك الفرض بالكلية : فلا اكتراث بالنفل ، والفرض أفضل مطلقا؛
وإلا : فالنفل مقدم في الحقيقة ، إنما احتمل ترك فرض في زمن يسير ، لا يحصل به تمام
الغرض منه ، لنفل حصل تمام الغرض منه ” انتهى ـ من “الأشباه والنظائر” ، للسبكي
(196) .
وهذا كلام حسن محرر .

وأما الحافظ ابن حجر رحمه الله فقد ذكر أن صلاة الركعتين ، مستثنى من عموم الأمر
بالإنصات للخطيب :
” تَخْصِيصُ عُمُومِهِ : بِالدَّاخِلِ .
وَأَيْضًا : فَمُصَلِّي التَّحِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ
مُنْصِتٌ ؛ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : ” يَا رَسُولَ اللَّهِ سُكُوتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ
وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ فِيهِ فَأَطْلَقَ عَلَى الْقَوْلِ سِرًّا السُّكُوتَ”
انتهى من “فتح الباري” (2/409) .

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android