0 / 0

تسأل عن كفارة الزنى في الحيض !!

السؤال: 201899

فيما يتعلق بسؤالي السابق رقم : (201372) ، لو أن امرأة زنت أثناء حيضها فما هي الكفارة الواجبة عليها ؟ ، حيث إنني قرأت حديثا يتعلق بهذا الأمر ، أنه من جامع زوجته أثناء حيضها وتاب بعدها فعليه أن يتصدق بدينار أو نصف دينار . فقد روى أحمد في " مسنده " (حديث رقم 2032) ، وأبوداود (حديث رقم 264) ، والترمذي (حديث رقم 135) ، والنسائي (حديث رقم 289) ، وابن ماجه (حديث رقم 640) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال – في الرجل الذي يجامع زوجته أثناء حيضها -: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) صححه الألباني. والدينار يساوي أربع جرامات وربع من الذهب . لذلك ينبغي عليه أن يبحث عن من يستحق ويعطيه هذا القدر من الصدقة ، أو نصف هذا القدر .، ويجب عليه أيضا أن يعزم على عدم العودة لذلك الذنب ثانية .

أود أن أعرف هل هذه الكفارة تنطبق أيضا على من ارتكبت الزنا أكثر من مرة في فترة حيضها ؟

وما مقدار الكفارة الواجبة عليها ؟

ولو أن الحالتين تتماثلان فأطلب منك أن تتكرم بذكر المقدار الواجب بالروبية الهندية .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أمَا إذ طلبت نصيحتنا فإننا لا بد أن نذكرك أولا بأن ثمة أخطارا تحيط بالمعصية تساوي بشاعة المعصية نفسها أو تزيد ، ذلك أن الله عز وجل فتح للعباد أبواب التوبة ، ورغَّبهم في الرجوع إليه ، والإنابة لجلاله ورحمته ، ووعد سبحانه وتعالى من امتثل ذلك بالفضل والإكرام من جوده ، فقال عز وجل: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا النساء/17 ، وقال تعالى: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا الفرقان/71.
ولكن إذا تمكن الشيطان من التلبيس على العبد العاصي ، فأدخل في قلبه الاستهانة بالمعصية ، والعناد في ارتكابها ، أو صرف همه عن خطر المعصية نفسها ، وشغله ببعض ما سبقها أو وقع معها من أمور لا تبلغ حدها نفسها ، فتلك كلها من حيل الشيطان وتلبيساته ، وهو الذي حكى الله عز وجل قوله: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ الأعراف/16-17.
وقد روى الإمام مسلم رحمه الله في " صحيحه " (رقم/2905) عن فضيل بن غزوان قال : سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ! مَا أَسْأَلَكُمْ عَنِ الصَّغِيرَةِ ، وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ .
يشير بذلك إلى ما جاء عن أبيه – كما في " صحيح البخاري " (5994) – عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ ، قَالَ : كُنْتُ شَاهِدًا لِابْنِ عُمَرَ – وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ البَعُوضِ – فَقَالَ : مِمَّنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ . قَالَ : انْظُرُوا إِلَى هَذَا ، يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ البَعُوضِ ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " أورد ابن عمر رضي الله عنهما هذا متعجبا من حرص أهل العراق على السؤال عن الشيء اليسير ، وتفريطهم في الشيء الجليل " .
انتهى من " فتح الباري " (7/99) .
وهو ما وقع به اليهود من قبل ، حين عبدوا العجل بعد ما تجاوزوا البحر ، وقالوا :مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ  طه/87 . كما قال ابن كثير رحمه الله : " حاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط ، فألقوها عنهم ، وعبدوا العجل ، فتورعوا عن الحقير ، وفعلوا الأمر الكبير " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (5/311)
وهو ما وقع به أيضا المشركون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ البقرة/217. يتورعون عن القتال في الأشهر الحرم ، وقد سفكوا الدم الحرام وفتنوا المؤمنين عن دينهم .

فمن وقع في الإثم الكبير ، فالواجب عليه أن يشتغل بالتوبة منه ، ويستغرق في التفكير في إثمه ومعصيته ، حتى يتألم قلبه لما وقع ، ويعتاد على الاستغفار والاستكثار من عمل الصالحات ، لعل الله تعالى أن يتوب عليه .
أما أن ينشغل ببعض الأمور الجزئية ، فيظن فيها النجاة لنفسه ، أو يبحث فيها عما يخفف عليه ، فيرى أنه إن أتى بالكفارة لأجل الحيض ، أغنى ذلك عن التوبة من الزنا ، وغفر له ذنبه ومحيت خطيئته ، فهذا كله من تلبيس الشيطان على بني آدم .
يقول ابن الجوزي رحمه الله :
" وَقَدْ تسمى قوم من الصوفية بالملامتية ، فاقتحموا الذنوب ، فقالوا : مقصودنا أن نسقط من أعين الناس ، فنسلم من آفات الجاه والمرائين . وهؤلاء مثلهم كمثل رجل زنى بامرأة فأحبلها ، فَقِيلَ لَهُ : لم تعزل ! فَقَالَ : بلغني أن العزل مكروه . فَقِيلَ لَهُ : وما بلغك أن الزنا حرام " .
انتهى من " تلبيس إبليس " (ص314) .
والخلاصة :
أننا نوصيك بالاستغراق في توبتك من معصيتك ، والعزم على عدم العودة إليها ، واستحضار عقوبة الزنا التي هي من أشد العقوبات في الدنيا والآخرة لتبقى دائما على صلة بالله سبحانه وتعالى ، ترجو رحمته وتخشى عذابه .
ولا تظني أن أداء كفارة بالتصدق بدينار أو نصف دينار كاف لتجاوز ما حصل ، أو أن ألم المعصية إنما هو لوقوع الزنا في الحيض ، بل هو لاقتحام الحرمات ، واستحلال الفروج ، وانتشار الفساد والبغاء في الأرض ، والله عز وجل يقول: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا   الإسراء/32. ويقول سبحانه: وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا الفرقان/68-71.
قال ابن رجب رحمه الله :
" هاهنا أمر ينبغي التفطن له ، وهو أن التدقيق في التوقف عن الشبهات : إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها ، وتشابهت أعماله في التقوى والورع ، فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة ، ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبه ، فإنه لا يُحتمل له ذلك ، بل يُنكر عليه ، كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق : يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين " انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/ 283)
وقال ابن القيم رحمه الله :
" كثير ممن تجده : يتورع عن الدقائق من الحرام ، والقطرة من الخمر ، ومثل رأس الإبرة من النجاسة ؛ ولا يبالى بارتكاب الفرج الحرام ، كما يُحكى أن رجلا خلا بامرأة أجنبية ، فلما أراد مواقعتها قال : يا هذه ! غطي وجهك فإن النظر إلى وجه الأجنبية حرام . وقد سأل رجل عبد الله بن عمر عن دم البعوض فقال انظروا إلى هؤلاء يسألوني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله
واتفق لي قريب من هذه الحكاية ، كنت في حال الإحرام ، فأتاني قوم من الأعراب المعروفين بقتل النفوس ، والإغارة على الأموال ، يسألوني عن قتل المحرم القمل ؟ فقلت : يا عجبا لقوم لا يتورعون عن قتل النفس التي حرم الله قتلها ، ويسألون عن قتل القملة في الإحرام " .
انتهى من " عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين " (ص70-71) .

وينظر في بيان شيء من عقوبات الزنا ، ووجوب التوبة منه : جواب السؤال رقم : (20983) ، ورقم : (115486) .

نسأل الله لنا ولك العفو والعافية .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android