تنزيل
0 / 0
86,89129/11/2013

لبس الطاقية ليس من العبادة ، ولا حرج فيه

السؤال: 202290

قال الله تعالى في سورة آل عمران ، الآية (100) : ( يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ) .
وبعد البحث والتقصي ظهر لي أن لبس الطاقية طوال الوقت من غير عمامة أمر بدعي ، شأنه في ذلك شأن بقية البدع كالمولد وغيره .. الخ ، وأن ذلك في الأساس صنيع اليهود المتدينين الذين يحرصون على لبسها ، وهي تُسمى عندهم ” الكِبّة ” ، وبالتالي ينبغي علينا تجنب هذا الفعل ، إلا أن تُلبس العمامة من فوقها ، وهناك حديث صحيح مفاده أن الفرق بيننا وبين المشركين هو لبس الطاقية تحت العمامة .
والغريب في الأمر أيضاً أن وشاح الرأس الذي يلبسه السعوديون ( الشماغ ) يشبه التاليت ( الشال ) الذي يلبسه اليهود حين يصلّون .
فأين نحن من كل النصوص والأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، التي يحذر فيها من مشابهة اليهود ، كالآية التي سقتها في صدر هذا السؤال . وكقوله تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ، قل إن هدى الله هو الهدى..) ، وقوله : ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ، وما أنت بتابع قبلتهم..) ؟
إنني أتساءل : كيف اقتحمت هذه العادة اليهودية حياتنا ، وأصبحت جزءًا من ممارساتنا التعبدية ؟!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
نود أن نبتدئ جوابنا بما انتهيت إلى الحديث عنه ، فنقرر ما قرره العلماء والفقهاء :
أن اللباس هو من الشأن الاعتيادي الذي لا يخضع لقاعدة التعبد ، وإنما لباب المباحات
التي وسع الله عز وجل فيها على الناس ، فلم يأمرهم بلباس خاص ، ولا بصفة معينة فيه
، إلا في مسائل معينة معروفة ومحصورة ، وما سوى ذلك فإنما أمر فيه بستر العورة ،
وفتَح الباب واسعا لاختلاف عادات الناس وما يناسب الزمان والمكان ضمن ضوابط شرعية
عامة .
ومن يدعي خلاف ذلك يعوزه الدليل الشرعي ، فالسنة النبوية ليس فيها حديث واحد يأمر
الناس بلباس محدد على صفة خاصة ، وليس فيها نهي عن شيء من عادات الناس بإطلاق في
هذا الباب ، وهكذا جاءت أقوال أكثر العلماء أيضا ، موافقة لأصل الإباحة والعفو الذي
أنعم الله به على الناس .
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :
” العوائد الجارية بين الخلق بما ليس في نفيه ولا إثباته دليل شرعي… قد تكون تلك
العوائد ثابتة ، وقد تتبدل…
والمتبدلة : منها ما يكون متبدلا في العادة من حسن إلى قبح ، وبالعكس ، مثل كشف
الرأس ، فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع ، فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد
المشرقية ، وغير قبيح في البلاد المغربية ، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك ،
فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة ، وعند أهل المغرب غير قادح ” انتهى من ”
الموافقات ” (2/489-499) .
وجاء في ” فتاوى اللجنة الدائمة ” (24/ 43):
” لبس العمامة من المباحات وليس بسنة ، والأولى أن تبقى على ما يلبسه أهل بلدك على
رؤوسهم من الغترة والشماغ ونحوه ” انتهى .
عبد العزيز بن باز – عبد الله بن غديان – صالح الفوزان – عبد العزيز آل الشيخ – بكر
أبو زيد .
وجاء أيضا (24/46) :
” الغترة من أنواع لباس الرأس عند بعض الناس ، وهي من أمور العادات لا العبادات ،
وليست بضرورية في الدين ، ولا بسنة ، فمن شاء لبسها ، ومن شاء لبس غيرها من عمامة
ونحوها ، ومن شاء جمع بينهما ، كل ذلك وأمثاله لا حرج فيه ، إلا أنه لا يتشبه في
لباسه بالنساء ولا بالكفار فيما يخصهم ، ولا يغرب في لباسه ، فإنه قد يلفت الأنظار
، ويكون سببا في القيل والقال ، والسخرية والاستهزاء ” انتهى .
عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن غديان – عبد الله بن قعود .
وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي :
هل صحيح أن تغطية الرأس ، كلبس الطاقية ، كوفية مثلا : سنة، ولا سيما عند أداء
الصلاة ؟
فأجابت :
” تغطية الرجل رأسه في الصلاة ليست من سننها ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ”
(6/174)
عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن غديان – عبد الله بن قعود .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ستر الرأس في الصلاة ليس بواجب ، ولكن إذا كنت في بلد يعتاد أهله أن يلبسوا هذا ،
ويكون ذلك من تمام لباسهم : فإنه ينبغي أن تلبسه ؛ لقوله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) .
فإذا كان من الزينة أن يضع الإنسان على رأسه شيئاً من عمامة أو غترة أو طاقية ،
فإنه يستحب له أن يلبسه حال الصلاة .
أما إذا كان في بلد لا يعتادون ذلك ، وليس من زينتهم ، فليبق على ما هو عليه ” .
انتهى من ” مجموع فتاوى ورسائل العثيمين ” (12/294) .
ثانيا :
أما عن لباس ” الطاقية “، و” الغترة ” أو” الشماغ ” المعروفة في أزمنتنا هذه ، فمن
المجازفة الكبيرة دعوى انقطاعها عن التراث العربي الإسلامي ، ونسبة مثل هذه الألبسة
إلى أمم أخرى كاليهود وغيرهم .
ووجه المجازفة في هذه الدعوى من جهتين اثنتين :
الجهة الأولى :
أن إثبات بدء لباس معين في أمة دون أخرى : من أصعب القضايا البحثية وأشكلها ،
فعوائد المجتمعات وممارساتها في الطعام واللباس والزواج والأمور الحياتية من
القضايا الضاربة القدم ، التي تتناقلها الشعوب عبر مئات السنين ، وتتوارثها الأجيال
من بعضها كذلك ، الأمر الذي جعل البحث في أصل لبسة معينة ، أو أكلة محددة : غاية في
الصعوبة ، خاصة مع فقر النقول ، وعدم عناية كتب التاريخ بهذه الأمور .
الجهة الثانية :
وهي الأهم والأظهر ، أن كتب التراث العربي ، ككتب المعاجم والآداب والتاريخ والفقه
والحديث وغيرها مليئة جدا بالاعتراف بـ ” الطاقية ” كلباس عربي معروف ومشهور ، وذكر
أشكال الطاقية المتنوعة ، وما تصنع منه من أنواع القماش ، وأحكام فقهية مترتبة
عليها ، وغير ذلك من الأمور الكثيرة ، بحيث يتعذر حصرها وتتبعها ، وهي بالتأكيد
تشمل صورا عديدة للطاقية ، إحدى أشكالها وأنواعها تلك القطعة من القماش التي تغطي
رؤوس الناس اليوم تحت الغترة أو بدون غترة .
ولها أيضا العديد من الأسماء ، كالقلنسوة ، والوقاية ، والعرقية ، والكوفية ،
والعمار ، وغيرها . ونحن ننقل هنا شيئا يسيرا جدا مما وقفنا عليه في هذا الباب ، من
غير تطرق لسياق الكلام ولا شرح أحكامه ، وإنما المقصود الشاهد هو إثبات هذا اللباس
في عرف الفقهاء والعلماء .
يقول ابن القيم رحمه الله :
” كل متصل ملامس يراد لستر الرأس ، كالعمامة ، والقبعة ، والطاقية ، والخوذة وغيرها
” .
انتهى من ” زاد المعاد في هدي خير العباد ” (2/ 225) .
ويقول البهوتي رحمه الله :
” لا يجوز المسح على العمامة الصماء ؛ لأنها لم تكن عمامة المسلمين ، ولا يشق نزعها
، أشبهت الطاقية ” انتهى من ” كشاف القناع عن متن الإقناع ” (1/ 120) .
وجاء فيه أيضا (1/113) :
” لا يجوز المسح على الوقاية ؛ لأنه لا يشق نزعها ، فهي كطاقية الرجل ” .
ويقول ابن قدامة رحمه الله :
” وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ ، الطَّاقِيَّةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ
أَحْمَدُ ، قَالَ هَارُونُ الْحَمَّالُ : سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
الْمَسْحِ عَلَى الْكَلْتَةِ ؟ فَلَمْ يَرَهُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَسْتُرُ
جَمِيعَ الرَّأْسِ فِي الْعَادَةِ ، وَلَا يَدُومُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا
الْقَلَانِسُ الْمُبَطَّنَاتُ ، كَدَنِيَّاتِ الْقُضَاةِ ، وَالنَّوْمِيَّاتِ،
فَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَمْسَحُ عَلَى
الْقَلَنْسُوَةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِالْمَسْحِ عَلَى
الْقَلَنْسُوَةِ ، إلَّا أَنَّ أَنَسًا مَسَحَ عَلَى قَلَنْسُوَتِهِ؛ وَذَلِكَ
لِأَنَّهَا لَا مَشَقَّةَ فِي نَزْعِهَا، فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا
كَالْكَلْتَةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْ الْعِمَامَةِ غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ
الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا ذُؤَابَةٌ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: إنْ مَسَحَ إنْسَانٌ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ لَمْ
أَرَ بِهِ بَأْسًا؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَنَا
أَتَوَقَّاهُ . وَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ ذَاهِبٌ لَمْ يُعَنِّفْهُ . قَالَ
الْخَلَّالُ : وَكَيْفَ يُعَنِّفُهُ ؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِأَسَانِيدَ
صِحَاحٍ ، وَرِجَالٍ ثِقَاتٍ ، فَرَوَى الْأَثْرَمُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ ،
أَنَّهُ قَالَ : إنْ شَاءَ حَسِرَ عَنْ رَأْسِهِ ، وَإِنْ شَاءَ مَسَحَ عَلَى
قَلَنْسُوَتِهِ وَعِمَامَتِهِ ، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ
خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ ، فَمَسَحَ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ
مُعْتَادٌ يَسْتُرُ الرَّأْسَ ، فَأَشْبَهَ الْعِمَامَةَ الْمُحَنَّكَةَ ،
وَفَارَقَ الْعِمَامَةَ الَّتِي لَيْسَتْ مُحَنَّكَةً وَلَا ذُؤَابَةَ لَهَا؛
لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا.” انتهى من “المغني”(1/ 222) .
فتأمل هذا النص المهم : كيف أن المسألة لم تكن في بحث الفقهاء لها فحسب ، بل رووا
لبسها بالأسانيد عن : عمر ، وأبي موسى ، وعن أنس أيضا ، من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم.
ويقول قليوبي رحمه الله :
” أو عمامة أو مقنعة أو طرحة ، لا قلنسوة ، وقبع ، وطاقية ، وفصادية ، وعصابة….
العرقية المعروفة بالطاقية ” انتهى من ” حاشية على شرح المحلي ” (4/275) .
وجاء في ” حاشية الشرواني ” (8/311):
” كوفية : هي الطاقية التي تلبس في الرأس تحت الخمار ” انتهى .
وجاء في ” الغرر البهية في شرح البهجة الوردية ” (4/ 390):
” قال الأذرعي : لا يجب ما يسمى طاقية ، أو كوفية ونحوها ، مما تلبسه تحت المقنعة ،
وهو لها بمنزلة القلنسوة للرجل تحت العمامة ” انتهى.
ويقول الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله :
” القلنسوة : هي ما يغطي الرأس من قبع وطاقية ونحوهما ” .
انتهى من ” أسنى المطالب في شرح روض الطالب ” (2/ 319) .
وقال ابن سيده :
” العَمار : كل شيء على الرأس من عمامة أو قلنسوة أو غير ذلك “.
انتهى من ” المحكم ” (2/150) .
ويقول الشيخ الدردير إمام المالكية في زمانه :
” وتغطية رأسه ولو بكمه أو طاقية “. وعلق عليه الدسوقي في ” الحاشية ” فقال : ”
تغطية رأسه أي حال قضاء الحاجة . وقيل لا يحصل ندب تغطية الرأس إلا إذا كانت برداء
ونحوه ، زيادة على ما اعتاده في الوضع على رأسه من طاقية ونحوها ، وهذا ضعيف ،
والمعتمد الأول كما قرره الشارح ” انتهى من ” حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير ” (1/
106) .
وبعد ذلك كله لا نظن أن قولك في السؤال ” كيف اقتحمت هذه العادة اليهودية حياتنا ،
وأصبحت جزءًا من ممارساتنا التعبدية ” له وجه صحيح ، أو يقف على ما يسنده من كتب
التاريخ والآثار ، ويتبين أيضا أن من المجازفة الغريبة تشبيه ألبسة تعتادها شعوب
كاملة في تراثها وحاضرها بلباس لأتباع اليهودية بدعوى التشابه في الشكل .
ثم يقال : ولم لا يكون العكس هو الصحيح ، وأن اليهود أخذوا عادة تغطية الرأس من
مخالطتهم العرب في الجزيرة العربية ، وعنهم انتقلت تلك العادة إلى المتدينين منهم ،
ولم لا تكون عمائم الهندوس والسيخ والبوذيين ، مستنسخة عن عمائم العرب ! أترى أن
مثل هذه الدعاوى مقبولة ، ومطلقها مصدق مقبول !!
فالحاصل المقصود : أن شؤون اللباس من الأمور المشتركة بين كثير من الأمم ، وأنه من
الصعوبة بمكان : الجزم بأصل غطاء الرأس في أي الأمم ، فضلا عن التفصيل في أشكال
أغطية الرأس وجذور كل منها .
فحري بمن يطلب العلم والفائدة ، وينصح لنفسه وإخوانه : ألا يتسرع بإطلاق الأحكام
والإنكار على الآخرين ، ولا يتعجل بمخالفة المعروف والمألوف ، مما تعارف عليه الناس
وفيهم العلماء والحكماء والفقهاء .
وللتوسع ينظر : (151146)
، (108255) .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android