0 / 0
9,95318/01/2014

الحجاب قطعة قماش وطهارة قلب وصيانة مجتمع

السؤال: 202766

الكلام عن الحجاب كثُر ، لكن أورد لكم عدة شبهات حول الحجاب ، يا ليت تردون عليها كلها لأنها متشابهة .
الأول يقول : كلمة ( تبرج ) كلمة مطاطية ، تختلف من شخص لشخص ، أو مذهب لمذهب ، أو بلد وبلد . فما رأيك في هذا الكلام ؟
وأحدهم يقول : الحجاب حجاب العقل والنفس ، ليس بقطعة قماش ، فماذا عسانا نرد عليه ؟
، أو إن القوانين هي التي تحمي المرأة ليس الحجاب ؟
هذا بعض ما يدور حول الناس هذه الأيام .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا ينبغي للعاقل أن يقف كثيرا عند كل طرح جزئي ، وشبهات في التفاصيل ، ولو فعل ذلك لضاع الزمان ، وانقضت الأيام ، ولم يقض شيئا من المهمات ، إذ الأهم من جواب وساوس المترددين والمتشككين السعي في البناء ، ونشر الحق والفضيلة ، فالوقت لا ينتظر ، وما يورده هؤلاء ليس مبنيا على بحث جاد ، أو حوار صادق هادف للحق أينما كان ؛ إنما هي وساوس من وساوس شياطين الإنس والجن ، منهم من يعلم أنها لا قيمة لها في الوزن العلمي ، ومنهم من لُبِّس عليه أمره ، وأتى الأمر من غير بابه ، واستعجل القول قبل أوانه !!
ومما ينبغي أن يعلم : أن تفريغ الكلمات من مضامينها حيلة معروفة ، وشبهة ساقطة ، حكاها الله عز وجل عن اليهود في القرآن الكريم ، وذلك حين أمرهم سبحانه وتعالى بذبح ( بقرة )، هكذا بإطلاق ، فكان جوابهم كما ورد في سؤالك ، أن ( البقرة ) كلمة مطاطية تحتمل الكثير من أعيان الأبقار فقالوا : ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ) البقرة/70.
رغم أن الواقع العملي لكل العقلاء يقضي بأخذ الكلام على ظاهره ، وعلى حدوده التقريبية – وليس الحدية – المعروفة بين الناس ، وإلا ضاعت سائر مصالح الناس في معاشهم ومعادهم ، ودينهم ودنياهم ، ولكنهم لبسوا على أنفسهم ، ونسبوا التقصير للمفاهيم ، وللخطاب الإلهي لهم ، فكان ما كان من قصتهم .
أرأيت لو قال الطبيب للمريض: لا تجهد نفسك . فرفض المريض النصيحة وقال: كلمة ( تجهد ) مطاطية ، تحتمل أن لا أحمل الأثقال الشديدة ، وتحتمل أن لا أقوم عن فراشي ، وتحتمل غير ذلك من أنواع الإجهاد ، فهل يكون كلامه مقبولا ! بل هل تجد في العقلاء من يعامل الطبيب بهذه الأسئلة المتنطعة ! فلماذا نقبل هذه السفسطة الجدلية في المصطلحات القرآنية أو الشرعية ! ولا نقبلها في حياتنا وأمور معاشنا !
أرأيت لو قال له : خذ الدواء في مواعيده ؛ فقال : الدواء كلمة مطاطية ، وأنا طول عمري والأطباء يصفون لي الدواء ، فبأي دواء آخذ .. ، أو في أي يوم ، أو .. وأدخل على نفسه التلبيس والوساوس ؛ أكان يقوم أمر الناس بشيء من ذلك ؟!
التبرج كلمة قرآنية ، وردت في قول الله عز وجل : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) الأحزاب/33، ولم يستشكلها أحد من الصحابة الكرام فيسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حدها وصورتها ؛ بل لم يقف عندها أعداء الله من المكذبين ، والمنافقين : ليقولوا : عن أي تبرج يتحدث القرآن ؟!
ومع ذلك جاء الشرع الشريف ببيان ما يجب على المرأة تغطيته ، وأنه جميع جسدها – على اختلاف بين العلماء في الوجه والكفين -، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب/59 ، وقال سبحانه : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) النور/31.
وروى أبو داود في ” السنن ” (4104) من طريق سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن خالد بن دريك ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ” أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ، دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : ( يَا أَسْمَاءُ! إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا ) وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ ” .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ : هذا مرسل ، خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها . ولكن علق عليه البيهقي رحمه الله بقوله : ” مع هذا المرسل : قول من مضى من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة ، فصار القول بذلك قويا ” انتهى من ” السنن الكبرى ” (2/319)، وحسنه الشيخ الألباني بمجموع طرقه فقال : ” الحديث بمجموع الطريقين حسن ما كان منه من كلامه صلى الله عليه وسلم ” انتهى من ” إرواء الغليل ” (6/ 203).

وهكذا فإن الفهم السليم يقتضي أن تحاكِم القائل إلى مصطلح نفسه ، وإلى بيانه وشرحه لأقواله التي يتحدث بها ، ولغة القوم الذين توجه بكلامه لهم ؛ وفي القرآن الكريم خير بيان وتوضيح لما ورد فيه ، فقد قال الله عز وجل : ( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران/138، وقال سبحانه : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44.

ثم إن أصحاب هذه الاعتراضات على الحجاب أول من يكفرون باعتراضاتهم ، ويردون على شبهاتهم بأنفسهم ؛ لأن أحدا منهم لا يقبل أن تعتمد المجتمعات في تنظيمها وتسيير شؤونها على الثقة بما في القلب فحسب ، بل لا بد أن يجتمع إلى ذلك القانون الملزم الذي يستكمل الركن الأول في مسيرة الصلاح ، ولذلك تجد في البلاد المتقدمة مؤسسات تشريعية فاعلة وقوية في وضع الأنظمة وتأسيس القوانين ، وما في بلادنا العربية إلا جزء من تلك المنظومات القانونية المتشعبة التي تمتد إلى جميع تفاصيل الحياة . فلماذا تجهد البشرية نفسها بذلك كله عبر التاريخ ، ولماذا لا تستغني بما في القلوب من التقوى والصلاح !!
والشريعة الإسلامية لها الحق الأول عند من التزمها ، وآمن بها – كسائر التشريعات المعاصرة اليوم في نظر المجادل الذي يؤمن بقانونه وشرعه – في إضفاء صفة الإلزام على بعض الأمور الحياتية لما تراه من مصلحة عامة للمجتمع ، وتترك أمورا أخرى خاضعة إلى سلطة الضمير الإنساني ، والوازع الديني والأخلاقي .
ونحن لا ندعي أن الحجاب هو السبب الوحيد لحماية المرأة ، بل هي المنظومة المتكاملة من الحجاب والأخلاق والقوانين الشرعية والتربية المحافظة التي تدعو إليها الشريعة الإسلامية ، كلها هي تتضافر فيما بينها على حماية النساء من اعتداء الجاهلين ، بل حماية المجتمع كله .
ومن ينكر ذلك أيضا ، ويدعي أن القوانين فقط هي التي تحمي المرأة وليس الحجاب ، فمثله كمثل من يدَّعي أن القوانين فقط تحمي المجتمع من الجريمة والإرهاب ، وينكر أثر الوعي والعلم والتحصين الفكري والسلوكي في وقاية المجتمعات من تلك المخاطر .
أرأيت لو أن شخصا يعرض نفسه للموت باعتراض الطرق السريعة بجسمه ، فكيف ستحميه القوانين ، وكيف ستصونه أنظمة السير أو العقوبات المشددة بعد أن تعرض بنفسه للموت وكأنه يطلبه ؟!! أليست التوعية والنصيحة هي السبب في إنقاذ هذا النوع من الناس .
ولماذا لم تتمكن القوانين من حماية المرأة في المجتمعات الغربية ، فقد كشفت منظمة (rainn) على موقعها على الانترنت – وهي أكبر منظمة قومية أمريكية ضد الاعتداء الجنسي – أنه في كل دقيقتين في أمريكا ثمة اعتداء جنسي على أحد الأشخاص ، فماذا أغنت عنهم القوانين إذن ؟!!
القوانين ليست عصا سحرية تحل جميع مشاكل المجتمعات ، بل لا بد من توفر أرضية صالحة في المجتمعات ، ولا بد من التزام قوانين أدبية في قلوب الناس وسلوكهم ، كي تثمر القوانين القضائية نتائجها في حفظ الأمن وصيانة البلاد والعباد .
ثم دعنا نوافقك على ذلك يا عبد الله ؛ فهلم نطلب قانونا ملزما لكل امرأة ألا تخرج من بيتها إلا بالحجاب الذي أمرها بها رب العزة ، وأن تعاقب المرأة ووليها إذا خالفت ذلك !!
إن هذه الجدليات إنما تصدر عن شاك ومتردد بالله وبكتابه ، وإلا فلأي شيء نزل القرآن الكريم ، أليس ليحسم لنا هذه القضايا الحياتية فيهدينا إلى أقوم سبيل ، أليس قد قال الله تعالى : ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) المائدة/15-16، فإياك أن تنسى هذا الأصل العظيم تحت وطأة كثرة الملبسين .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android