ما صحة هذا الحديث ؟
حدثنا الحكم بن نافع ، عن صفوان ، عن كعب ، قال : ” شهيد أهل حمص يشفع في سبعين ألفا ، وأهل دمشق يكسوهم الله ثيابا خضرا يوم القيامة ، وأهل الأردن يظلهم الله في ظل عرشه ، وأهل فلسطين ينظر الله إليهم كل يوم ثلاث مرات ” .
كتاب : “الفتن ” لنعيم بن حماد ، حديث رقم:(698).
هل صح أن شهيد أهل حمص يشفع في سبعين ألفا يوم القيامة ؟
السؤال: 203848
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
روى نعيم بن حماد في “كتاب الفتن” (711) : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ : ” شَهِيدُ أَهْلِ حِمْصَ يَشْفَعُ فِي سَبْعِينِ أَلْفًا، وَأَهْلُ دِمَشْقَ يَكْسُوهُمُ اللَّهُ ثِيَابًا خُضْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَهْلُ الْأُرْدُنِّ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ ، وَأَهْلُ فِلَسْطِينَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
وهذا إسناد ضعيف ، صفوان بن عمرو ، هو السكسكي الحمصي ، وهو ثقة ، لكنه لم يسمع من كعب الأحبار ، توفي كعب سنة 32 ، كما في “التهذيب” (8/439) ، وتوفي صفوان سنة 155 ، كما في “التقريب” (ص277) .
فبين وفاتيهما 123 سنة .
وكعب ، هو كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار ، أدرك الجاهلية وأسلم في أيام أبي بكر وقيل في أيام عمر .
“تهذيب التهذيب” (8/ 438) .
كان كعب من علماء بني إسرائيل الذين أسلموا ، ونقلوا إلى المسلمين شيئاً من الكتب السابقة ، فكثرت في أحاديثه العجائب والغرائب والمنكرات .
وقد روى البخاري (7361) عن حُمَيْد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ : ” سَمِعَ مُعَاوِيَةَ ، يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ ، وَذَكَرَ كَعْبَ الأَحْبَارِ فَقَالَ: ” إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلاَءِ المُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الكَذِبَ ” .
قال الحافظ رحمه الله :
” وأوّله بعضهم بأنّ مراده بالكذب : عدم وقوع ما يخبر به أنه سيقع ، لا أنه هو يكذب ” انتهى من “الإصابة” (5/ 483) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَامَّةَ مَا عِنْدَ كَعْبٍ أَنْ يَنْقُلَ مَا وَجَدَهُ فِي كُتُبِهِمْ وَلَوْ نَقَلَ نَاقِلٌ مَا وَجَدَهُ فِي الْكُتُبِ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ فِيهِ كَذِبٌ كَثِيرٌ فَكَيْفَ بِمَا فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَتَبْدِيلِ الدِّينِ وَتَفَرُّقِ أَهْلِهِ وَكَثْرَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فِيهِ؟ وَهَذَا بَابٌ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ وَيَنْظُرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا جَاءَ بِهِ وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مِنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ ، فَإِنَّ هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ – كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ – أُصُولُ السُّنَّةِ هِيَ التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (15/ 151-152).
وقال ابن كثير رحمه الله :
” لَمَّا أَسْلَمَ فِي زَمَنِ عُمَرَ كَانَ يَتَحَدَّثُ بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَشْيَاءَ مِنْ عُلُومِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَيَسْتَمِعُ لَهُ عُمَرُ ، تَأْلِيفًا لَهُ ، وَتَعَجُّبًا مِمَّا عِنْدَهُ مِمَّا يُوَافِقُ كَثِيرٌ مِنْهُ الْحَقَّ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ، فَاسْتَجَازَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ نَقْلَ مَا يُورِدُهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ ; لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَمَّا جَاءَ مِنَ الْإِذْنِ فِي التَّحْدِيثِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، لَكِنَّ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيمَا يَرْوِيهِ غَلَطٌ ” .
انتهى من “البداية والنهاية” (1/ 34-35) .
والحاصل :
أن الرواية المذكورة : ليست منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يقال عنها إنها حديث شريف ؛ بل هي من كلام كعب الأحبار ، وهو معروف بسعة روايته عن كتب أهل الكتاب من قبلنا ، وكثر في تلك الأخبار التي ينقلها الغلط ، وتفاوت النقل ، هذا مع أن الرواية بذلك لم تثبت عن كعب أيضا .
ثانيا :
قد روي في فضل حمص ، ما هو أمثل وأقوى من الحديث المذكور ، مع ضعفه أيضا :
فروى الإمام أحمد (120) ، والبزار (317، وابن عساكر (15/180) من طريق أبي بَكْرِ بْن عَبْدِ اللهِ ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ حُمْرَةَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ ، قَالَ : ” سَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ بَعْدَ مَسِيرِهِ الْأَوَّلِ كَانَ إِلَيْهَا ، حَتَّى إِذَا شَارَفَهَا ، بَلَغَهُ وَمَنْ مَعَهُ أَنَّ الطَّاعُونَ فَاشٍ فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : ارْجِعْ وَلا تَقَحَّمْ عَلَيْهِ ، فَلَوْ نَزَلْتَهَا وَهُوَ بِهَا لَمْ نَرَ لَكَ الشُّخُوصَ عَنْهَا.
فَانْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَعَرَّسَ مِنْ لَيْلَتِهِ تِلْكَ ، وَأَنَا أَقْرَبُ الْقَوْمِ مِنْهُ ، فَلَمَّا انْبَعَثَ ، انْبَعَثْتُ مَعَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: رَدُّونِي عَنِ الشَّامِ بَعْدَ أَنْ شَارَفْتُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الطَّاعُونَ فِيهِ ، أَلَا وَمَا مُنْصَرَفِي عَنْهُ بمُؤَخِّرٍّ فِي أَجَلِي ، وَمَا كَانَ قُدُومِي مِنْهُ بمُعَجِّلِي عَنْ أَجَلِي ، أَلا وَلَوْ قَدْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَفَرَغْتُ مِنْ حَاجَاتٍ لَا بُدَّ لِي مِنْهَا، لَقَدْ سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ الشَّامَ ، ثُمَّ أَنْزِلَ حِمْصَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَيَبْعَثَنَّ اللهُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ عَلَيْهِمْ ، مَبْعَثُهُمْ فِيمَا بَيْنَ الزَّيْتُونِ وَحَائِطِهَا فِي الْبَرْثِ الْأَحْمَرِ مِنْهَا ) .
وهذا إسناد ضعيف :
– حمرة بن عبد كلال قال الذهبي :
” حدث عنه رشدين بن سعد المصري، ليس بعمدة ويجهل “.
“ميزان الاعتدال” (1/ 604) .
– وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف مخلط ، ضعفه أحمد وأبو داود وابن حبان وغيرهم.
انظر : “ميزان الاعتدال” (4/ 498) .
وهذا الحديث ضعفه الحافظ ابن كثير في “مسند الفاروق” (2/702) ، وكذا ضعفه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند ، والشيخ الألباني في “الضعيفة” (4367)
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب