0 / 0

هل يوصف الله تعالى بالعقل ؟

السؤال: 204924

هل قول الله عز وجل : ” أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ” فيه إثبات صفة العقل لله عز وجل ؟
سؤالي لأني كنت قد أنكرت على من وصف الله بالعقل ، وقلتُ : بل قل هو عليم حكيم ولا تقل هو عاقل.
فالله يذم هؤلاء الذي اتخذوا من دونه شفعاء لا يعقلون ، فهل نثبت لله صفة العقل ؟
أم أن العقل كمال من وجه ولكن فيه نقص من وجه آخر والله منزه عن ذلك النقص ، فهو سبحانه عليم حكيم ولا نقول هو عاقل .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية ، لا مجال للاجتهاد فيها ، فلا يجوز تسمية الله تعالى ، أو وصفه بما لم يأت في الكتاب والسنة .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (158831) .

ثانيا :
سُمِّي العَقْلُ عَقْلًا لأَنه يَعْقِل صاحبَه عَنِ التَّوَرُّط فِي المَهالِك أَي يَحْبِسه ، وَقِيلَ: العَقْلُ هُوَ التَّمْيِيزُ الَّذِي بِهِ يَتَمَيَّزُ الإِنسان مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ .
والرَجُل العاقِل هُوَ الْجَامِعُ لأَمره ورَأْيه ، مأْخوذ مِنْ عَقَلْتُ البَعيرَ إِذا جَمَعْتَ قَوَائِمَهُ ، وَقِيلَ: العاقِلُ الَّذِي يَحْبِس نَفْسَهُ ويَرُدُّها عَنْ هَواها، أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدِ اعْتُقِل لِسانُه إِذا حُبِسَ ومُنِع الكلامَ .
انظر : “لسان العرب” (11/ 458).
وهذه المعاني إنما تناسب المخلوق الذي يحتاج في تصرفاته إلى ما يميز به الأشياء ، وإلى ما يمنعه من الوقوع في المهالك والورطات ، وهذا لا يجوز في حق الله تعالى ، فلا يوصف الله تعالى بالعقل ، إنما يوصف بالعلم والحكمة والخبرة ؛ كما وصف نفسه ، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نتجاوز القرآن والحديث ؛ قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/ 231 ، وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/ 11 ، وقال تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) الأنعام/ 73 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا ، مشهورة معروفة .

قال شهاب الدين الرملي رحمه الله :
” لَا يَجُوزُ وَصْفُ اللَّهِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ عِلْمٌ مَانِعٌ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي مَأْخُوذٌ مِنْ الْعِقَالِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ يَدْعُوهُ الدَّاعِي فِيمَا لَا يَنْبَغِي ” انتهى من “فتاوى الرملي” (4/ 219-220) .

وقال الحافظ السيوطي رحمه الله :
” الباري تعالى يوصف بصفة العلم ، ولا يوصف بصفة العقل ، وما ساغ وصفه تعالى به : أفضل مما لم يسغ ، وإن كان العلم الذي يوصف به تعالى قديما ، ووصفنا حادث ، فإن الباري لا يوصف بصفة العقل أصلا ، ولا على جهة القدم ” انتهى من “الحاوي” (2/ 166) .

وسئل علماء اللجنة :
هل من وصف الله تعالى بالعقل المدبر للتقريب إلى أفهام العامة يكفر أو لا ؟
فأجابوا : ” إذا كان الواقع كما ذكر من وصفه الله بالعقل المدبر للتقريب إلى العامة فقد أساء بإطلاق ذلك على الله تعالى ؛ لأن أسماء الله وصفاته توقيفية ، ولم يطلق الله ذلك على نفسه اسما أو وصفا، ولم يطلقه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لا يكفر لعدم سوء قصده ، ويكفيه في الإيضاح للعامة وغيرهم وصفه تعالى بكمال العلم وإحاطته ، والحكمة البالغة في تقديره وتدبيره في تشريعه وخلقه ، وتصريفه لجميع شؤون عباده ، فذلك يغنيه عن تسميته أو وصفه بما لم يسم ولم يصف به نفسه ، مع ما في إطلاق العقل المدبر عليه سبحانه من مشابهة الفلاسفة في قولهم بالعقول العشرة ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (3/ 198) .

ثالثا :
أما قوله تعالى : ( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ) الزمر/ 43 .
فمعنى الآية : أن الله تعالى يذم الْمُشْرِكِينَ فِي اتِّخَاذِهِمْ شُفَعَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَهُمُ الْأَصْنَامُ وَالْأَنْدَادُ الَّتِي اتَّخَذُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ ، بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ حَدَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَهِيَ لَا تملك شيئا من الأمر، بل وَلَيْسَ لَهَا عَقْلٌ تَعْقِلُ بِهِ ، وَلَا سَمْعٌ تَسْمَعُ بِهِ ، وَلَا بَصَرٌ تُبْصِرُ بِهِ ، بَلْ هي جمادات أسوأ مِنَ الْحَيَوَانِ بِكَثِيرٍ ..” .
انتهى من “تفسير ابن كثير” (7/ 91-92) .
قوله تعالى : ( أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ) توبيخ لهم على ما يفعلونه من اتخاذ ما لا يملك شيئا ، ولا يعقل شيئا : شفعاء عند الله ، وكيف يكون من هذا حاله شفيعا مجابا ، فضلا عن أن يكون إلها معبودا ؟!
كيف تدعون من دون الله جمادات لا تعقل ، وتتخذونها شفعاء عند الله ؟
فلا مدخل لهذا كله بصفات الباري سبحانه ، الذي تنزه عن كل نقص وعيب .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android