تنزيل
0 / 0

لماذا فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول البعثة ، وكم كانت مدته ؟

السؤال: 205660

لماذا غاب الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وكم مده غياب الوحي؟ وماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام خلال انقطاع الوحي؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
فتر [ يعني : انقطع ] الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين :
مرة في أول نزول الوحي ، ثم نزلت بعده سورة المدثر ، ومرة بعد نزول عدة سور من
القرآن ، ثم نزلت بعده سورة الضحى .
فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( ثُمَّ فَتَرَ عَنِّى الْوَحْىُ
فَتْرَةً ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ
بَصَرِى قِبَلَ السَّمَاءِ ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ
عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَجُئِثْتُ مِنْهُ ، حَتَّى
هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ : زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي .
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) إِلَى ( فَاهْجُرْ ) .
رواه البخاري (3238) ، ومسلم (161) .
قال النووي رحمه الله :
” قوله ( ثم تتابع الوحى ) يعنى بعد فترته ، فالصواب أن أول ما نزل ( اقرأ ) وأن
أول ما نزل بعد فترة الوحى ( يا أيها المدثر ) انتهى .
وروى البخاري (4953) حديث عائشة في بدء الوحي وفيه إخبار النبي صلى الله عليه وسلم
ورقة بما رأي ، وقول ورقة له : ” إِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ حَيًّا أَنْصُرْكَ
نَصْرًا مُؤَزَّرًا ” قالت عائشة : ” ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ
، وَفَتَرَ الوَحْيُ ” .
وهذه هي المرة الأولى .

وروى البخاري (4950) ، ومسلم
(1797) عن جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( اشْتَكَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ –
أَوْ ثَلاَثًا – ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي
لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ
لَيْلَتَيْنِ – أَوْ ثَلاَثَةٍ – فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالضُّحَى
* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) .
وهذه هي المرة الثانية .

قال الحافظ ابن حجر رحمه
الله :
” الْفَتْرَة الْمَذْكُورَة فِي سَبَب نُزُول (وَالضُّحَى) : غَيْر الْفَتْرَة
الْمَذْكُورَة فِي اِبْتِدَاء الْوَحْي , فَإِنَّ تِلْكَ دَامَتْ أَيَّامًا ،
وَهَذِهِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ” .
انتهى من “فتح الباري” (8/710) .

وقال ابن عاشور رحمه الله :
” وَاحْتِبَاسُ الْوَحْيِ عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ
مَرَّتَيْنِ:
أُولَاهُمَا: قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ أَوِ الْمُزَّمِّلِ ، وَتِلْكَ
الْفَتْرَةُ هِيَ الَّتِي خَشِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يَكُونَ قَدِ انْقَطَعَ عَنْهُ الْوَحْيُ ، وَهِيَ الَّتِي رَأَى عَقِبَهَا
جِبْرِيلَ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ .
وَثَانِيَتُهُمَا: فَتْرَةٌ بَعْدَ نُزُولِ نَحْوٍ مِنْ ثَمَانِ سُوَرٍ، أَيِ
السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ بَعْدَ الْفَتْرَةِ الْأُولَى فَتَكُونُ بَعْدَ
تَجَمُّعِ عَشْرِ سُوَرٍ ” انتهى من “التحرير والتنوير” (30/ 396) .

ثانيا :
اختلف العلماء في مدة فترة الوحي الأولى ، فقيل ثلاث سنين ، وقيل قريبا من سنتين ،
أو سنتين ونصف ، وقيل اثنا عشر يوما ، وقيل خمسة عشر يوما ، وقيل أربعون يوما ،
وقيل غير ذلك .
قال الحافظ رحمه الله :
” وَقَعَ فِي تَارِيخِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ مُدَّةَ
فَتْرَةِ الْوَحْيِ كَانَت ثَلَاث سِنِين ، وَبِه جزم ابن إِسْحَاقَ ” انتهى من
“فتح الباري” (1/ 27) .
وقال ابن كثير :
” قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ مُدَّةُ الْفَتْرَةِ قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ
سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ ” .
انتهى من “البداية والنهاية” (4/ 42) .
وقال الرازي رحمه الله :
” وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ مُدَّةِ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ ، فَقَالَ ابْنُ
جُرَيْجٍ: اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا
، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَقَالَ السُّدِّيُّ
وَمُقَاتِلٌ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا ” انتهى من “تفسير الرازي” (31/ 192) .
وقال ابن عاشور :
” وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مُدَّةَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ فِي الْفَتْرَةِ الْأُولَى
كَانَتْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ” .
انتهى من “التحرير والتنوير” (30/ 396) .

أما فترة الوحي الثانية
فكانت ليلتين أو ثلاثا ، كما تقدم في حديث جندب بن سفيان رضي الله عنه .
وقال ابن كثير رحمه الله :
” نَزَلَتْ سُورَةُ وَالضُّحَى بَعْدَ فَتْرَةٍ أُخْرَى ، كَانَتْ لَيَالِيَ
يَسِيرَةً ، كَمَا ثَبَتَ فِي ” الصَّحِيحَيْنِ ” وَغَيْرِهِمَا ” انتهى من
“البداية والنهاية” (4/ 41) .

ثالثا :
كانت الحكمة من فتور الوحي مدة : أن يذهب الروع الذي كان قد وجده رسول الله صلى
الله عليه وسلم في نفسه لما نزل عليه جبريل عليه السلام أول مرة ، وليحصل له التشوف
إلى عودة الوحي والاشتياق إليه ، ولتنزل السلوى على رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الله تعالى ، فيزداد إيمانا وتثبيتا ، وليبتلي الله الناس فيثبت المؤمنين ويضل
الكافرين .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” وَفُتُورُ الْوَحْيِ : عِبَارَةٌ عَنْ تَأَخُّرِهِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ ،
وَكَانَ ذَلِكَ لِيَذْهَبَ مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهُ
مِنَ الرَّوْعِ ، وَلِيَحْصُلَ لَهُ التَّشَوُّفُ إِلَى الْعَوْدِ ” .
انتهى من “فتح الباري” (1/ 27) .
وقال مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ : ” وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَقَالُوا :
لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَتَتَابَعَ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَلَاهُ ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ (وَالضُّحَى) وَ (أَلَمْ نَشْرَحْ) بِكَمَالِهِمَا ” .
انتهى من “فتح الباري” (8/ 710) .

رابعا :
لا يعرف على وجه التحديد ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم خلال فترة انقطاع الوحي
، إلا أن المقطوع به أنه أحزنه ذلك ، وأنه تشوف إلى عودته ، ورغب في الأنس به بعد
الذي أصابه من الوحشة والفزع أول الأمر .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ رحمه الله :
” ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فتْرةً مِنْ ذَلِكَ ، حَتَّى شقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، فَأَحْزَنَهُ ، فَجَاءَهُ
جبريلُ بِسُورَةِ الضُّحَى ، يُقسم لَهُ رُّبه، وَهُوَ الَّذِي أَكْرَمَهُ بِمَا
أَكْرَمَهُ بِهِ ، مَا ودَّعه وَمَا قَلاَه ” انتهى من “سيرة ابن هشام” (1/ 225) .

وما ذُكر من أنه صلى الله
عليه وسلم رغب مرارا في الانتحار والتردي من رءوس شواهق الجبال بسبب ما أصابه من
الحزن لذلك : فباطل ؛ كما تقدم بيانه وتقريره في إجابة السؤال رقم : (152611)
.

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android