تنزيل
0 / 0

هل الصوم عند الخروج للدعوة مع جماعة التبليغ يضاعف أجره سبعين مرة ؟

السؤال: 207828

قالت لي جماعة التبليغ أن أجر صيام رمضان حال الخروج للدعوة في سبيل الله يتضاعف إلى سبعين مرة ، فهل هذا صحيح ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الذي يظهر : أن من قال ذلك من هذه الجماعة ، إنما تأول حديث النبي صلى الله عليه
وسلم الذي رواه البخاري (2840) ، ومسلم (1153) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، بَعَّدَ اللَّهُ
وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ) .
ومعنى ” في سبيل الله ” : اختلف فيها أهل العلم على قولين :
القول الأول : ” فِي سَبِيلِ اللَّهِ ” : أي طاعة لله تعالى وإخلاصا له ورغبة في
ثوابه .
وهذا القول هو اختيار الإمام أبو العباس القرطبي ، شارح مسلم ؛ حيث قال رحمه الله
تعالى :
” ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) أي : في طاعة الله ، يعني بذلك :
قاصدا به وجه الله تعالى .
وقد قيل فيه : إنه الجهاد في سبيل الله ” انتهى من” المفهم ” ( 3 / 217 ) .
وهذا القول هو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى ، قال :
” هذا معناه ، واللَّه أعلم ، في سبيل اللَّه : يعني في طاعة اللَّه ، أي من صام
يوماً يبتغي وجه اللَّه والدار الآخرة ، فله هذا الأجر العظيم ، وهو من أسباب بعده
من النار ، والسلامة من دخول النار ، والصيام من أفضل الأعمال ، ومن أفضل القرب ،
وهو جُنّة للعبد من النار إذا صامه ابتغاء وجه اللَّه ، لا رياءً ولا سمعة ، ولا
لمقصود آخر ، بل ابتغاء وجه اللَّه ، فله هذا الأجر العظيم ” انتهى من ” الإفهام في
شرح عمدة الأحكام ” ( 1 / 429 – 430 ) .

القول الثاني : ” فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ” : أي في الجهاد ، لأن هذا هو الغالب في إطلاق ” سبيل الله” ، في
نصوص الشريعة على الجهاد .
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :
” إذا أطلق ذكر “سبيل الله” : كان المشار به إلى الجهاد ” .
انتهى من ” كشف المشكل من حديث الصحيحين ” ( 3 / 153 ) .
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى :
” فيه فضيلة الصّيام في سبيل اللّه ، وهو محمول على من لا يتضرّر به ، ولا يفوّت به
حقّا ، ولا يختلّ به قتاله ولا غيره من مهمّات غزوه . ومعناه : المباعدة عن النّار
، والمعافاة منها . والخريف : السّنَة . والمراد : سبعين سنة ” .
انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” ( 8 / 33 ) .
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى :
” قوله ” فِي سَبِيلِ اللَّهِ ” : العرف الأكثر فيه : استعماله في الجهاد ، فإذا
حمل عليه : كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين – أعني عبادة الصّوم والجهاد – .
ويحتمل أن يراد بسبيل اللّه : طاعته كيف كانت . ويعبّر بذلك عن صحّة القصد والنّيّة
فيه . والأوّل: أقرب إلى العرف ” انتهى من ” احكام الأحكام ” ( 2 / 36 – 37 ) .
وهذا القول ـ أن المراد به الجهاد ـ : هو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى
:
” الصيام في سبيل الله يعني : الصيام في الجهاد في سبيل الله ؛ لأن الصيام مع
الجهاد فيه مشقه ، فلهذا كان جزاء من صام فيه وهو مجاهد في سبيل الله : أن يباعد
الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” ( 11 / 2 ) .

فالحاصل : أن الصوم ” في
سبيل الله ” محتمل لأحد معنيين : الصوم في الجهاد ، يعني : في قتال الكفار ، أو :
من صام طاعة لله ، قاصدا به وجه الله تعالى .

ولعل الأقرب في هذه الفضيلة
الخاصة : أنها خاص بحال الصائم في قتال الكفار ، من غير أن يضيع واجبا عليه ، أو
يفرط في مقام الجهاد الذي أقامه الله فيه .

ثانيا :
إذا عرف ذلك فإن ” في سبيل الله ” : ليس هو من الجهاد ، بحسب الاصطلاح الخاص في
الشرع ، وهو قتال الكفار .
لكن لا شك أن من خرج في الدعوة إلى الله تعالى على علم وبصيرة ، متبعا الكتاب
والسنّة في أسلوب دعوته وما يدعو إليه ، مجتهدا في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم
في سنته ، والتوقي عن باب البدع والمحدثات ، لا شك أن مثل هذا على خير عظيم ، وهو
قائم بعمل من أجل الأعمال والقربات ، سواء كان قيامه في ذلك بمفرده ، أو مع آخرين
يعينونه على ذلك ، وسواء كان ذلك في بلده ، أو خارجا عن بلده ، وإنما المدار في ذلك
متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في سنته ، والاجتهاد في تبليغ شريعته .
قال الله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ
صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت /33 .

فإذا انضاف لهذا النشاط
الدعوي الصوم ، فإنه يكون جامعا لعدة من الخيرات في زمن واحد ، لكنه لا يدخل في
معنى : صيام يوم في سبيل الله ، على القول الذي يرى أن المراد بذلك جهاد الكفار .

وأما على القول الآخر ، وهو أن المراد به : الصيام ، مع حسن القصد ، وإخلاص النية ،
فهذا لا يحتاج أن يشترط فيه : أن يكون ذلك في أثناء قيامه بذلك العمل الدعوي .
وأما الدندنة على أن “الخروج في سيبل الله” بحسب العرف الخاص لجماعة التبليغ
والدعوة” ، هو “الخروج في سبيل الله” الذي ذكر في النصوص الشرعية ، فهو خطأ بين ،
وتأويل باطل للنصوص الشرعية بحسب العرف الخاص والاصطلاح الحادث ، الذي لم يكن
معروفا ، بهذا التنظيم الخاص ، والعرف الخاص ، على عهد الوحي ، وفي زمن النبوة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” ومن لم يعرف لغة الصحابة التي كانوا يتخاطبون بها ويخاطبهم بها النبي صلى الله
عليه وسلم ، وعادتهم في الكلام ، وإلا حرف الكلم عن مواضعه ، فإن كثيرا من الناس
ينشأ على اصطلاح قومه وعادتهم في الألفاظ ، ثم يجد تلك الألفاظ في كلام الله أو
رسوله أو الصحابة ، فيظن أن مراد الله أو رسوله أو الصحابة بتلك الألفاظ ما يريده
بذلك أهل عادته واصطلاحه ، ويكون مراد الله ورسوله والصحابة خلاف ذلك . وهذا واقع
لطوائف من الناس من أهل الكلام والفقه والنحو والعامة وغيرهم ” انتهى من ” مجموع
الفتاوى ” ( 1 / 243 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
” فالاختلاف والإشكال والاشتباه إنما هو في الأفهام ، لا فيما خرج من بين شفتيه –
أي من النبي صلى الله عليه وسلم – من الكلام …
وينضاف إلى ذلك تنزيل كلامه – أي كلام النبي صلى الله عليه وسلم – على الاصطلاحات
التي أحدثها أرباب العلوم من الأصوليين والفقهاء وعلم أحوال القلوب وغيرهم ، فإن
لكل من هؤلاء اصطلاحات حادثة في مخاطباتهم وتصانيفهم ، فيجيء من قد ألف تلك
الاصطلاحات الحادثة وسبقت معانيها إلى قلبه فلم يعرف سواها ، فيسمع كلام الشارع ،
فيحمله على ما ألفه من الاصطلاح ، فيقع بسبب ذلك في الفهم عن الشارع ما لم يرده
بكلامه ، ويقع من الخلل في نظره ومناظرته ما يقع .
وهذا من أعظم أسباب الغلط عليه …” .
انتهى من “مفتاح دار السعادة ” ( 3 / 1596 – 1597 ).

وينظر للفائدة : الفتوى رقم
: ( 8674 ) .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android