0 / 0

يتقرب إلى الله في حال الشدة أكثر منه في حال الرخاء ، ويتخوف ألا يتقبل الله منه .

السؤال: 208851

عند التقرب إلى الله في الشدائد أكثر من الأيام العادية : أشعر بأن الله لن يتقبل عملي هذا ، لأن تقربي لله يكون في هذه الحالة بغرض تفريج الكرب ، لا لغرض العبادة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الواجب على المسلم أن يحسن الظن بالله ، ويتهم نفسه بالتقصير ، فيكون بذلك بين الخوف والرجاء : الخوف من أن يرد عليه عمله ويؤاخذه الله بذنبه ، والرجاء في رحمة الله وعافيته وقبوله .
ثانيا :
إذا عمل العبد العمل وأراد به حسنة الدنيا والآخرة ، فلا حرج عليه في ذلك .
وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (84018) بيان أن الإنسان إذا أراد بعمله حسنى الدنيا ، وحسنى الآخرة فلا شيء عليه .
قال القرافي رحمه الله :
” وَأَمَّا مُطْلَقُ التَّشْرِيكِ ، كَمَنْ جَاهَدَ لِيُحَصِّلَ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْجِهَادِ ، وَلِيُحَصِّلَ الْمَالَ مِنْ الْغَنِيمَةِ : فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ .
وَكَذَلِكَ مَنْ صَامَ لِيَصِحَّ جَسَدُهُ ، أَوْ لِيَحْصُلَ لَهُ زَوَالُ مَرَضٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي يُنَافِيهَا الصِّيَامُ ، وَيَكُونُ التَّدَاوِي هُوَ مَقْصُودَهُ ، أَوْ بَعْضَ مَقْصُودِهِ ، وَالصَّوْمُ مَقْصُودُهُ مَعَ ذَلِكَ ، وَأَوْقَعَ الصَّوْمَ مَعَ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ : لَا تَقْدَحُ هَذِهِ الْمَقَاصِدُ فِي صَوْمِهِ ، بَلْ أَمَرَ بِهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) ؛ أَيْ : قَاطِعٌ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجَدِّدَ وُضُوءَهُ ، وَيَنْوِيَ التَّبَرُّدَ أَوْ التَّنْظِيفَ ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا تَعْظِيمُ الْخَلْقِ ، بَلْ هِيَ تَشْرِيك أُمُورٍ مِنْ الْمَصَالِحِ ، لَيْسَ لَهَا إدْرَاكٌ ، وَلَا تَصْلُحُ لِلْإِدْرَاكِ وَلَا لِلتَّعْظِيمِ ؛ فَلَا تَقْدَحُ فِي الْعِبَادَاتِ .
نَعَمْ ؛ لَا يَمْنَعُ أَنَّ هَذِهِ الْأَغْرَاضَ الْمُخَالِطَةَ لِلْعِبَادَةِ قَدْ تنقصُ الْأَجْرَ ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْهَا : زَادَ الْأَجْرُ وَعَظُمَ الثَّوَابُ ؛ أَمَّا الْإِثْمُ وَالْبُطْلَانُ : فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، وَمِنْ جِهَتِهِ حَصَلَ الْفَرْقُ ، لَا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ ” انتهى باختصار من “الفروق” (4 / 429-430)

فإذا بالغ العبد في شيء من القربات ، أو اجتهد في أمر من العبادات ، أو الدعاء والتضرع إلى الله تعالى ، وهو ينظر في ذلك كله إلى تفريج كربته ، وكشف ضره ، وإعطائه حاجته وسؤله : لم يقدح ذلك في عبادته ودعائه وتضرعه ، ولم يحرمه أجر هذه العبادات .
إنما المذموم أن يعمل العمل الصالح يريد به الدنيا ، ولا تخطر الآخرة له على بال ، فهذا لا يصح عمله ولا يقبل منه ؛ لما روى الإمام أحمد (20715) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ : لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ ) صححه الألباني في “صحيح الجامع” (2825) فإذا عمل العمل بغرض تفريج الكرب لا غير ، دون أن تكون له نية في طاعة الله وثوابه وابتغاء مرضاته : فهذا هو المذموم ، أما مجرد التشريك فلا يضره ، على ما سبق بيانه .

ومما ينبغي أن يعلم : أن التقرب إلى الله تعالى في حال الشدة أكثر من حال الرخاء ليس بمذموم مطلقا ؛ بل إن الله تعالى مدح نفسه بأنه ـ وحده ـ الذي يجيب دعوة المضطر ؛ ومعلوم أن حال المضطر لا تكون ملازمة له دائما ، وأن دعوته ـ حال اضطراره ـ ليست هي دعوته في حال السعة والرخاء ؛ قال الله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62 .
وذم الله قوما من القاسية قلوبهم ، ما عرفوا ربهم في ضراء ولا سراء ، ولا ذكرهم البأس والبلاء بالافتقار إلى رب الأرض والسماء ؛ قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 42- 43
أي: أخذناهم بالفقر والمرض والآفات، والمصائب، رحمة منا بهم ، لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ إلينا، ويلجأون عند الشدة إلينا.
“تفسير السعدي” (ص 256)
إنما المذموم أن يتقرب إلى الله في الشدة وينساه في الرخاء ، وهو حال الكافر المعاند ؛ ولذلك قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ) رواه الترمذي (3382) وحسنه الألباني في “صحيح الترمذي” .
وقد قِيلَ: مِنْ شِيمَةِ الْمُؤْمِنِ الشَّاكِرِ الْحَازِمِ أَنْ يَرِيشَ لِلسَّهْمِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَيَلْتَجِئَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ مَسِّ الِاضْطِرَارِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْغَبِيِّ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) الزمر/ 8 .. ” انتهى من مرقاة المفاتيح” (4/ 1531)

وأكمل الأحوال أن يتقرب العبد إلى ربه في حال الشدة تقربه إليه في حال الرخاء ، فلا يتغير بتغير الأحوال . قال ابن رجب رحمه الله :
” مَنْ عَامَلَ اللَّهَ بِالتَّقْوَى وَالطَّاعَةِ فِي حَالِ رَخَائِهِ، عَامَلَهُ اللَّهُ بِاللُّطْفِ وَالْإِعَانَةِ فِي حَالِ شِدَّتِهِ ” انتهى من “جامع العلوم والحكم” (1/ 474)

والواجب على العبد أن يجاهد نفسه في تصحيح نيته في عمله كله ، وطلب الآخرة بعملها ، والدنيا بأعمالها ، وأن يفتقر إلى ربه في قبول طاعته ، وتضرعه ودعائه ، مع حسن الظن بالرب الرحمن الرحيم ، الجواد الكريم ، الشكور الحليم .
روى البخاري (7405) ومسلم (2675) ، واللفظ له ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي ) .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (113177) ، (120175)
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android