أنا متزوجة ، ولدي خمسة أولاد ، بعد عشرين سنة من الزواج اتهمني زوجي في ديني ، قال : لا بد أن تكفِّري الكافر بعد كفره ، فقلت : لا أكفر إلا بعد البينة وانتفاء الموانع ، لا بد أن أعرف القصد ، فيقول : أنت مرجئة ، تقولين : العمل كفر وصاحبه ليس بكافر . وهو لا يعذر الجاهل ، وكل الناس في هذا العصر كفار ؛ لأنهم لم يكفروا بالطاغوت ، وأنا أقول : كل من أظهر شعيرة من الدين فهو مسلم ، وأمره إلى الله . ولا بد أن أكفر والدي ، وكل خطيب يأتي لتزويج ابنتي يعرض عليه هذه العقيدة ، فإن لم يقبل رده .
فما الحل وقد تبرأ من كل حقوقي ، فقلت له : أنت عندي مسلم ، أعاملك معاملة الزوج المسلم ؛ لأني أخاف الله ، وإذا حكمت علي بالكفر فأنت الذي تقرر ، فكيف أتصرف معه ؟
أفيدوني بعلمكم . مع العلم أني أعيش في أوروبا ، وليس لدي أهل أو بلد آخر أذهب إليه .
زوجها يكفرها لأنها لا تكفر الناس
السؤال: 210595
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لنا ولجميع القراء في سؤالك عظة وعبرة ، وذلك لنرى كيف تودي الشبهة بالإنسان إلى فساد الدنيا والدين ، فتحرفه عن سويته ، ويتنكر للحقوق الواجبة عليه ، ويخسر أقرب الناس إليه من زوجة وأبناء ، كل ذلك سببه الجهل الذي هو أعتى أعداء الإنسان .
ونبدأ بالشق الذي يتعلق بك من السؤال ، وهو أن اعتقاد زوجك كفرك لا تأثير له على عقد الزواج في واقع الأمر ، ما لم ينطق بكلمة الطلاق ؛ ذلك لأن شبهة التكفير التي عرضت له وتشربها قلبه شبهة ساقطة لا عبرة بها ، ولم يقل بها أحد من أهل العلم ، فلا يبنى عليها حكم شرعي .
وسبب الإشكال الذي وقع فيه زوجك ، هو خطؤه في فهم قاعدة ” من لم يكفر الكافر فهو كافر ” التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في ” نواقض الإسلام ” فقال : ” الثالث : من لم يكفر المشركين ، أو يشك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم : كفر “.
فهذه القاعدة تتحدث عن صنفين :
الصنف الأول : الكفار والمشركون الأصليون ، كالوثنيين واليهود والنصارى ، ومن سماه الله كافرا في القرآن الكريم ، كفرعون وأبي لهب ، فهؤلاء : من لم يكفرهم فهو كافر .
الصنف الثاني : الذين وقعوا في ردة قطعية أجمع عليها العلماء ، تتعلق بالمعلوم من الدين بالضرورة ، كمن أنكر البعث والقيامة ، أو أنكر آية من كتاب الله ، ونحو ذلك من أسباب الردة الصريحة التي لا شبهة فيها ، ولا تختلف فيها الأنظار ، فهؤلاء أيضا أيضا يجب تكفيرهم ، ومن تبين له حالهم ، وأقيمت عليه الحجة في شأنهم من قبل العلماء والفقهاء ، فأصر على عدم كفرهم : فهو كافر .
وهذا ما نقل القاضي عياض رحمه الله إجماع العلماء عليه فقال :
” الإجماع على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود ، وكل من فارق دين المسلمين ، أو وقف في تكفيرهم ، أو شك ” انتهى من ” الشفا ” (2/281) .
وذكر شيخ الإسلام بعض الفرق الباطنية التي ثبت كفرها يقينا فقال :
” وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى ، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى ، ولهذا يقولون بالحلول تارة ، وبالاتحاد أخرى ، وبالوحدة تارة ، فإنه مذهب متناقض في نفسه ، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه ، فهذا كله كفر ، باطناً وظاهراً ، بإجماع كل مسلم ، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ، ومعرفة دين الإسلام : فهو كافر ، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (2/368) .
أما مسائل الكفر الخلافية ، أو التي تخفى على العامة ، أو التي تتوجه فيها الشبهة ، أو التي نقل فيها الإجماع الظني وليس القطعي ، أو التي يقع فيها الخلاف في تنزيل حكم الردة على الشخص المعين ، فكل هذه القضايا لا يجوز تكفير المتوقف فيها ، أو المخالف ، إذ إن نفس الحكم بالتكفير في أصل هذه المسائل : محل اجتهاد وتفاوت أنظار ؛ فمن باب أولى أن يكون المخالف في التكفير في مثل ذلك معذورا؛ فأنى يقال بتكفير مثل ذلك ، أو حتى تبديعه وتضليله ؟! وليست هذه المسائل من مسألة : من لم يكفر الكافر ، فهو كافر ، في شيء ، على ما سبق بيانه ؛ بل الأصل المحكم : أن ” اليقين لا يزول بالشك “، واعتمادا على الأصل الأول الثابت ، وهو ظاهر الإسلام من جميع من تسمى بالإسلام ، وأظهره ، ورضي به ؛ فلا يحكم بالردة إلا بعد ثبوتها ثبوتا محققا ، لا بمجرد الشبهة والتأويل .
وقد وقع في زمان الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن – من أئمة الدعوة النجدية وأحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – أن بعض الغلاة توسعوا في التكفير لفهمهم الخاطئ لهذه القاعدة ، فكتب إليهم ينكر عليهم ويقول :
” وقد رأيت سنة أربع وستين ، رجلين من أشباهكم المارقين بالأحساء ، قد اعتزلا الجمعة والجماعة ، وكفرا مَن في تلك البلاد مِن المسلمين ، وحجتهم من جنس حجتكم ، يقولون : أهل الأحساء يجالسون ابن فيروز ، ويخالطونه هو وأمثاله ممن لم يكفر بالطاغوت ، ولم يصرح بتكفير جده ، الذي رد دعوة الشيخ محمد ، ولم يقبلها ، وعاداها .
قالا : ومن لم يصرح بكفره فهو كافر بالله ، لم يكفر بالطاغوت ; ومن جالسه فهو مثله ; ورتبوا على هاتين المقدمتين الكاذبتين الضالتين : ما يترتب على الردة الصريحة من الأحكام ، حتى تركوا رد السلام ، فرفع إليَّ أمرهم ، فأحضرتهم ، وتهددتهم ، وأغلظت لهم القول ; فزعموا أولا أنهم على عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وأن رسائله عندهم ، فكشفت شبهتهم ، وأدحضت ضلالتهم ، بما حضرني في المجلس .
وأخبرتهم ببراءة الشيخ من هذا المعتقد والمذهب ، وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر ، والكفر بآيات الله ورسله ، أو بشيء منها بعد قيام الحجة ، وبلوغها المعتبر ، كتكفير مَن عَبَد الصالحين ، ودعاهم مع الله ، وجعلهم أندادا له فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإلهية .
وهذا مجمع عليه أهل العلم والإيمان ، وكل طائفة من أهل المذاهب المقلدة ، يفردون هذه المسألة بباب عظيم ، يذكرون فيه حكمها ، وما يوجب الردة ويقتضيها ، وينصون على الشرك ; وقد أفرد ابن حجر هذه المسألة ، بكتاب سماه : الإعلام بقواطع الإسلام .
وقد أظهر الفارسيان المذكوران التوبة والندم ، وزعما أن الحق ظهر لهما ، ثم لحقا بالساحل ، وعادا إلى تلك المقالة ، وبلغنا عنهم تكفير أئمة المسلمين بمكاتبة الملوك المصريين ، بل كفروا من خالط من كاتبهم من مشايخ المسلمين ، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ، والحور بعد الكور.
وقد بلغنا عنكم نحو من هذا ، وخضتم في مسائل من هذا الباب ، لا يتكلم فيها إلا العلماء من ذوي الألباب ، ومن رزق الفهم عن الله ، وأوتي الحكمة وفصل الخطاب .
وأما التكفير بهذه الأمور التي ظننتموها من مكفرات أهل الإسلام : فهذا مذهب الحرورية المارقين ، الخارجين على علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، ومن معه من الصحابة “.
انتهى من كتاب ” الدرر السنية في الأجوبة النجدية ” (1/ 466) .
هذا وقد سئلت اللجنة الدائمة سؤالا جاء فيه :
” عندنا تفشي ظاهرة عبادة القبور ، وفي نفس الوقت وجود من يدافع عن هؤلاء ويقول: إنهم مسلمون معذورون بجهلهم ، فلا مانع من أن يتزوجوا من فتياتنا ، وأن نصلي خلفهم ، وأن لهم كافة حقوق المسلم على المسلم
فجاء في جوابهم :
” .. لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور أن يكفروا إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم الحجة ؛ لأن توقفهم عن تكفيرهم له شبهة ، وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين قبل تكفيرهم ، بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى والشيوعيين وأشباههم ، فهؤلاء لا شبهة في كفرهم ، ولا في كفر من لم يكفرهم ، والله ولي التوفيق ، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يمنحهم الفقه في الدين ، وأن يعيذنا وإياهم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، ومن القول على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس : عبد الرزاق عفيفي ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ” (2/150-151) .
ويقول الدكتور ناصر العقل حفظه الله – وقد سئل هل هناك فرق بين قول : ” من لم يكفر الكافر فهو كافر “، وقول : ” من لم يكفر المشركين فهو كافر “- فأجاب :
” لا شك أن هناك فرقاً ؛ لأن أغلب الذين يقولون : من لم يكفر الكافر يقصدون الكافر بحكمهم هم ، والناس قد يخالفونهم في حكمهم .
أما من لم يكفر المشرك فهذه مسألة لا شك أنها واضحة ، فالمشركون لا شك في كفرهم ، وكذلك المنافقون الذين علم الله نفاقهم ، وإلا فلا نستطيع أن نعرف المنافق بعينه ، وكذلك اليهود والنصارى ، وكل من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو كافر ، ومن لم يكفره فالأصل فيه الكفر ، لكن تحتاج المسألة إلى إجراء المعروف في التثبت في ماذا يقول وماذا يعرف ، وهل يجهل أو لا يجهل ، إلى آخره ” .
انتهى من ” شرح الطحاوية لناصر العقل (67/ 15، بترقيم الشاملة آليا) .
والخلاصة أننا نوصيك بالصبر على زوجك ، واستمرار نصيحته والإحسان إليه ، ودلالته على أهل العلم والفقه ، لعله يرتدع عما هو فيه من توسع في التكفير ، فيمنحك حقوقك التي كتبها الله لك ، ويدرأ عن نفسه خطر الغلو والإسراف .
وللمزيد يرجى النظر في : (85102) ، (153830) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة