تنزيل
0 / 0
59,30313/08/2014

لا حرج في الدعاء حال الاضطجاع على الجنب

السؤال: 211189

ما حكم دعاء الله والرجل في فراشه مستلقيا ؟
فإنني أشعر بالخشوع أكثر مما أكون جالسا ، أو قائما لأنني أختفي عن أعين الناس ، ولا يراني أحد حتى أهل بيتي ، وأشعر أنني وحدي لا يرقبني إلا الله .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا نرى حرجا عليك في الدعاء مضطجعا أو مستلقيا إذا كان حالك كما ذكرت في السؤال من
الخشوع وحسن الصلة بالله سبحانه وتعالى ، وذلك لأدلة عدة :
أولا :
قول الله عز وجل : ( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ
قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ
يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُون ) يونس/12.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله :
” ( دعانا لجنبه ) أي : على جنبه مضطجعا . ( أو قاعدا أو قائما ) وإنما أراد جميع
حالاته ، لأن الإنسان لا يعدو إحدى هذه الحالات الثلاثة ، قال بعضهم : إنما بدأ
بالمضطجع لأنه بالضر أشد في غالب الأمر ، فهو يدعو أكثر ، واجتهاده أشد ، ثم القاعد
، ثم القائم ” .
انتهى من ” الجامع لأحكام القرآن ” (8/317) .
ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
” وهذا إخبار عن طبيعة الإنسان من حيث هو ، وأنه إذا مسه ضر ، من مرض أو مصيبة
اجتهد في الدعاء ، وسأل الله في جميع أحواله ، قائما وقاعدا ومضطجعا ، وألح في
الدعاء ليكشف الله عنه ضره ” انتهى من ” تيسير الكريم الرحمن ” (359) .
ثانيا :
يقول الله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ
اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران/190-191 .
يقول الإمام القرطبي رحمه الله :
” ( وعلى جنوبهم ) ذكر تعالى ثلاث هيئات لا يخلو ابن آدم منها في غالب أمره ،
فكأنها تحصر زمانه . ومن هذا المعنى قول عائشة رضي الله عنها : ( كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ) [رواه مسلم (373)] ” .
انتهى من ” الجامع لأحكام القرآن ” (4/310) .
ثالثا :
ثبت في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا وهو على جنبه ، واضعا يده
تحت رأسه ، كما روى الترمذي (3398) وصححه ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ : ”
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ
يَنَامَ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ ، ثُمَّ قَالَ : ( اللَّهُمَّ قِنِي
عَذَابَكَ يَوْمَ تَجْمَعُ – أَوْ تَبْعَثُ – عِبَادَكَ ) وصححه الألباني في ” صحيح
الترمذي ” .
ومثلها ما ورد في أذكار النوم ما يكون حال الاستلقاء والاضطجاع ، فقياس الدعاء
المطلق عليها قياس صحيح ، بجامع أن الذكر والدعاء جنس واحد .
رابعا :
وردت بعض الآثار عن الصالحين في الدعاء حال الاضطجاع ، منها ما جاء عن مورِّق قال :
” كان رجل يعملُ السَّيئات ، فخرج إلى البرية ، فجمع تراباً ، فاضطجع عليه مستلقياً
، فقال : ربِّ اغفر لي ذنوبي . فقال : إنَّ هذا ليعرِفُ أنَّ له رباً يغفِرُ
ويُعذِّب ، فغفر له ” .
انتهى من ” جامع العلوم والحكم ” (2/408) .
خامسا :
ومن تحقق له صدق المسألة بين يدي الله حال اضطجاعه ، ووجد في قلبه رقة وإقبالا على
الله ، مستشعرا خلوته بالله سبحانه ، أو مستشعرا ضجعة القبر حين لا يجد إلا عمله
الصالح ، فمن القواعد الشرعية المهمة تقديم ما يتعلق بذات العبادة من حضور القلب
والخشوع فيها ، على أي فضل متعلق بالهيئة أو الزمان والمكان ، ما دام الأمر كله في
دائرة الجواز ؛ خاصة إذا لم يكن ذلك من شأنه الدائم ولا عادته اللازمة ، بل هو يدعو
قائما ، وقاعدا ، وعلى جنبه ؛ فمتى احتاج الدعاء : دعا ، أيا كانت هيئته في قيام أو
غيره ، ومتى تيسر له الدعاء : دعا .
لكن لا ينبغي للداعي أن يخص هذه الحالة بدعائه ، ولا أن يتقصد ذلك تقصدا كلما دعا ؛
فإن من آداب الدعاء المستحبة : استقبال الداعي للقبلة ، إذا دعا ، والانكسار بين
يدي رب العالمين ، وكون الداعي في حال أقرب إلى الذلة والمسكنة ، والفقر والحاجة ،
والضرورة إلى ما يدعو به .
يقول العلامة ابن عاشور رحمه الله :
” ( وعلى جنوبهم ) إنما جعل الجنب مجرورا باللام ولم ينصب ، فيقال مثلا ( مضطجعا أو
قاعدا أو قائما ) لتمثيل التمكن من حالة الراحة بذكر شق من جسده ؛ لأن ذلك أظهر في
تمكنه… للدلالة على أنه يدعو الله في أندر الأحوال ملابسة للدعاء ، وهي حالة تطلب
الراحة وملازمة السكون . ولذلك ابتدئ بذكر الجنب ، وأما زيادة قوله : ( أو قاعدا أو
قائما ) فلقصد تعميم الأحوال وتكميلها ؛ لأن المقام مقام الإطناب لزيادة تمثيل
الأحوال ، أي دعانا في سائر الأحوال لا يلهيه عن دعائنا شيء ” انتهى من ” التحرير
والتنوير ” (11/ 110) .
وينظر جواب السؤال رقم : (136521) .
سادسا :
سبق تقرير أن من آداب الدعاء المستحبة : أن يستقبل الداعي القبلة في دعائه ، وفي
ذلك عدة أحاديث ، منها :
– ما رواه مسلم (1763) عن ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: ” حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ
مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ
بِرَبِّهِ : ( اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللهُمَّ آتِ مَا
وَعَدْتَنِي ، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ
الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ) ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ ،
مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ
مَنْكِبَيْهِ … ” الحديث .
قال النووي رحمه الله :
” فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ في الدعاء ، ورفع اليدين فيه ”
انتهى .
– ومنها ما رواه البخاري (3960) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: ” اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الكَعْبَةَ ، ” فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ … ” الحديث.
– ومنها ما رواه البخاري (6343) ، ومسلم (894) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي
الله عنه قَالَ : ” خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا
المُصَلَّى يَسْتَسْقِي ، فَدَعَا وَاسْتَسْقَى ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ
وَقَلَبَ رِدَاءَهُ ” .
وينظر جواب السؤال رقم : (36902) .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android