أنا سويسري الجنسية ، انشرح صدري للإسلام ، وأريد أن أقترب من جمعية إسلامية على أن لا يكون لها توجه مذهبي أيا كان ؛ لأني أريد إسلاما حقيقيا على الكتاب والسنة ، علما أني لا أحسن العربية كتابة وقراءة ونطقا .
يبحث عن مركز إسلامي يقدم له إسلاما حقيقيا
السؤال: 212101
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يعلم جميع الناس بحكم تقلب الأيام والدهر بهم أن الحياة الدنيا ما هي إلا محطات متنوعة ، تمر على المرء بحلوها ومرها ، بسهلها وصعبها ، بالمفهوم منها والمبهم الذي لا يمكن تفسيره وفهمه ، إلا في إطار الإيمان بالغيب ، وبالقضاء والقدر ، بل الإيمان بالله الحي القيوم ، الأحد الصمد ، الذي جبلنا على النقص والضعف ، وغرس افتقارنا إلى غناه ، وحاجتنا إلى ركنه الشديد ، وكماله المطلق .
لكن الأهم في تلك المحطات كلها هي تلك الوقفة التي نقفها مع أنفسنا ، نحاول البحث في الأسئلة الكبرى التي حار فيها الإنسان ، وهي أسئلة الوجود وسر الحياة وما بعد الموت ، هي الأسئلة ذاتها التي يموت الكثيرون وقلوبهم خواء من إجابتها ، ويموت آخرون وقلوبهم عامرة بفهمها والعمل بمقتضاها .
قد تسمع منا بعض كلمات الإطراء لانشراح صدرك بالإسلام ، وحُق فيك ذلك ، ولكنك تعلم – ونحن نعلم – أن الأهم من الثناء والإطراء هو أن تعي قيمة الثبات على صراط الله المستقيم ؛ نعم أن تفتح عينيك للنور ، وتبصر به طريقك : هذا فضل كبير ، ونعمة عظيمة من الله عليك ؛ لكن لا يقل عن ذلك أهمية : أن تكون يقظا دائما في طريقك ، وأن تبقي عينيك مفتوحتين للنور ؛ فلا تغمضهما مرة أخرى ، ولا تعود بنفس لظلام دامس ، بعد أن أنجاك الله منه !!
فاسمع إلى هذا الحوار القرآني ، بين فئة مؤمنة ، وقومهم من الكفار الذين يحاولون معهم أن يردوهم إلى الكفر بعد الإيمان :
( قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) الأعراف/88-89 .
إنك في حاجة ، الآن ، وأكثر من أي وقت مضى ، وربما أكثر من أي وقت آخر : أن تجتهد في تعلم قراءة القرآن الكريم بصورة مباشرة ، وأن تكثر من قراءة معانيه ، والاطلاع على قيم الإسلام العظيمة ، فقد أثبتت التجربة لدى كثير من الناس أن القراءة في القرآن الكريم كافية لانشراح القلب به ، ودخول نور هدايته إلى دواخل القلب ، ومناحي العقل ومكامنه ، بشرط أن تكون قراءة خالصة متفهمة ، وأن تتم بعيدا عن كل المؤثرات والتجاذبات العقائدية والفكرية ، إنما بقراءة يفهم بها القارئ ما يتبادر إلى الذهن من المعاني الطيبة ، قبل أن تفسدها فلسفات النفس وتصوراتها الخاطئة ، أو شكوكها ووساوسها .
يقول الله عز وجل : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) البقرة/285-286 .
ويقول سبحانه وتعالى : ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/84-85 .
نصيحتنا لك أن تتأمل ماذا عليك لو آمنت بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل والأنبياء ، وما الذي جاء به مناقضا لرسالة إبراهيم وموسى وعيسى من قبله ، حتى يكفر بها من كفر ؟!
ما الذي يصد العقل السليم ، والفطرة المستقيمة عن دين ن كل ما فيه إنما هو دعوة إلى إفراد الله بالعبادة ، والتعلق به وحده سبحانه ، والدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ؟!
ألم تسمع خطاب جعفر بن أبي طالب – وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم – للنجاشي ملك الحبشة – وقد كان على النصرانية – فقال له يعرفه خلاصة دين الإسلام : ” أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ ، وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ ، وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ ، قَالَ : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلامِ . فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ، فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا ، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا .
فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ . فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا ، وَشَقُّوا عَلَيْنَا ، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ .
فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ : هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ؟
فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ : نَعَمْ .
فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ : فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ .
فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ ( كهيعص ) ، قَالَتْ : فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيْهِمْ .
ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ : إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ !! انْطَلِقَا ، فَوَاللهِ لَا أُسْلِمُهُمِ إلَيْكُمِ أبَدًا ، وَلا أُكَادُ .
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : وَاللهِ لأنَبِّئَنَّهُمْ غَدًا عَيْبَهُمْ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ .
قَالَتْ : فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ – وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا -: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمِ أرحاما ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا . قَالَ : وَاللهِ لأخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ .
قَالَتْ : ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ . فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ! إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا ، فَأَرْسِلِ إلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ ؟!
قَالَتْ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ . قَالَتْ : وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ .
فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ ؟
قَالُوا : نَقُولُ وَاللهِ فِيهِ مَا قَالَ اللهُ ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا ، كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ !!
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ ، قَالَ لَهُمْ : مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟
فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا : هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ .
قَالَتْ : فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ، ثُمَّ قَالَ : مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ !!
فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ .
فَقَالَ : وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللهِ !!
اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي – وَالسُّيُومُ: الْآمِنُونَ – مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا ، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ – وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبَلُ – رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا ، فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهَا ، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي ، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ ، فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ ” رواه أحمد في ” المسند ” (3/ 266) بإسناد حسن .
هذا الموقف العظيم بين الصحابة الكرام والنجاشي ، يلخص لنا ولك العلاقة بين دين النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودين المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، وهي علاقة التصديق والتكميل ، بيسر وسهولة واضحة ، بعيدا عن الفلسفات التي حاولت أن تأخذ بالإسلام ذات اليمين وذات الشمال ، أو الأفهام الخاصة في فروع الشريعة وتفاصيل الدين ، لذلك أحسنت حين طلبت التواصل مع مركز إسلامي يحرص على العناية بالثوابت المتفق عليها ، ويجتنب الخوض في الخلافيات والمدارس التي نشأت لتفسير قضايا كلامية أو جدلية محضة .
ونحن نسأل الله تعالى أن يوفقك إلى بغيتك وطلبك .
وفي موقعنا العديد من الفتاوى التي يمكن أن تعينك على تحقيق طلبك هذا ، يمكنك مراجعتها في الأرقام الآتية : (191402) ، ( 200323) ، (198487) ، (174627) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة