تنزيل
0 / 0

الأولى ترك التسمي بـ ” السلفية ” إذا أدى الاسم إلى التشويه والنفور

السؤال: 191402

هناك نفوذ كبير في أستراليا ، وخاصة في مدينة سيدني ، لجماعة التبليغ والدعوة ، ويعتقد الناس أن كلمة سلفي سيئة جدا ، وإذا قلتها لبعض الناس يفرون من أمامك حال سماعها .
فكيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة ؟
يتبادل الناس التهنئة بالعيد بعد مضي أسبوعين عليه ، فهل يصح هذا ؟
حيث إن عيد الأضحى يوم واحد ، فماذا نفعل في مثل هذا الأمر ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى والتعامل مع الناس تعني أن تعرف المقامات والظروف
، وتجعل لكل مقام مقاله المناسب ، وتصرفه اللائق به ، كي يؤدي أفضل النتائج وأقومها
سبيلا ، قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ
بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/125.
والذي نراه – حسب ما ورد في سؤالك – أن الحكمة في مثل حالتك ترك الانتساب اللفظي
إلى ” السلفية ” لأسباب موضوعية كثيرة ، منها :
أولا :
أن العبرة بالمضمون والمحتوى ، وليس بالأسماء والألفاظ ، وقد قال صلى الله عليه
وسلم : ( إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ
يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) رواه مسلم (2564)، فما دمت تقتدي
بالسلف الصالح في اعتقادك وعملك وخلقك : فهذا كاف ، ولا يشترط أن تخبر عن نفسك أنك
” سلفي ” بصريح العبارة .
ثانيا :
الاكتفاء بوصف الإسلام أولى وأفضل ، فهو الاسم الذي سمانا الله عز وجل به ، فقد قال
الله سبحانه : ( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ) الحج/78
؛ وفيما سمانا الله عز وجل به : الكفاية والمقنع .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” عن ابن عباس في قوله : ( هو سماكم المسلمين من قبل ) قال : اللهُ عز وجل . وكذا
قال مجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، والسدي ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان . قال مجاهد :
الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر . ( وفي هذا ) يعني :
القرآن ، وكذا قال غيره . وهذا هو الصواب ” انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (5/
456) .
وقد أمرنا عليه الصلاة والسلام أن نتسمى بما دعانا الله عز وجل به ، وننبذ كل دعوة
أخرى يتعصب الناس فيها لوصف أخص من وصف ” الإسلام ” ، الذي يحمل في طياته جميع
المعاني الشرعية التي يحبها الله من عباده ، فالأوصاف الخاصة لا تنفك عن تضييقٍ
لمفهوم الإسلام الشامل الواسع ، وتأطير له ، والمسلم لا يرضى أن يختزل انتسابه إلى
جميع مفردات هذا الدين العظيم ، بانتسابه إلى مفردات محدودة ضيقة ، يقول النبي صلى
الله عليه وسلم : ( فَادْعُوا بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ : الْمُسْلِمِينَ
، الْمُؤْمِنِينَ ، عِبَادَ اللَّهِ ) رواه الترمذي (رقم/2863) وقال : حسن صحيح
غريب، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “.
وقد قررنا هذا الكلام في جواب سابق برقم : (174627)
وقلنا هناك إنه إذا احتيج إلى انتساب آخر داخل إطار ” الإسلام ” كالانتساب إلى أهل
السنة مثلا ، فلا بأس ولا حرج . ولكن في حالة السائل فإن الانتساب الاسمي إلى ”
السلفية ” لا حاجة إليه ، بل ربما كان فيه ضرر على الدعوة ، وتبليغ الكلمة ،
فالأولى تركه حينئذ ، والاكتفاء بالاسم الجامع للمؤمنين .
ثالثا :
الانتساب الاسمي إلى ” السلفية ” ليس واجبا من واجبات الدين ، ولا ركنا من أركانه ،
ومن ترك ذلك فلا إثم عليه ، بل لم يترك فضيلة أو سنة نبوية شريفة ، لذلك لا تثريب
عليه ولا حرج ، وإذا كان العلماء قالوا : إن الأولى ترك المستحبات إذا كانت ستؤدي
إلى نفور المدعوين ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة على قواعد
إبراهيم خشية الفتنة على قلوب حديثي الإسلام ، فمن باب أولى أن يترك طالب العلم
الانتساب إلى أسماء موهمة في بعض الزمان أو المكان .
رابعا :
هذا فضلا عن أن الانتساب الاسمي إلى ” السلفية ” شابَهُ الكثير من التشويه والتحريف
، واختلطت فيه بعض الممارسات الخاطئة ، والمعاني الباطلة ، حتى غدا هذا الاسم علما
على جهات تكفيرية غالية ، وعلى جهات أخرى مقابلة لها في الغلو السلبي أيضا ، الأمر
الذي لم يعد بالإمكان معه – في الوقت الحاضر – تغيير الصورة النمطية السلبية إلا
بعد توقف الآلات الإعلامية الهائلة عن الضخ في اتجاه التشويه ، وبعد توقف كثير من
هؤلاء المنتسبين إلى ” السلفية ” عن أعمالهم الجاهلة ، أو تمييز السلفية الحقة التي
نقصد ، عن غيرها من التوجهات التي شملها ذلك الإطار العام للسلفية المعاصرة .
فمن كان في مثل البلاد التي تعيشون فيها ، فالأفضل لظرفه أن يترك كل ما يفرق الكلمة
، ويشتت الجمع ، ويسبب النفرة ، أو يجلب التهمة : من الأسماء والألفاظ والمظاهر غير
الواجبة شرعا ، ويلتفت إلى المقاصد والمعاني .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” السلفية هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ لأنهم هم الذين سلفونا
وتقدموا علينا ، فاتباعهم هو السلفية ، وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به
الإنسان ، ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق ، واتخاذ السلفية كمنهجٍ
حزبي ، فلا شك أن هذا خلاف السلفية … بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا : صار
يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه ، واتخذها بعضهم منهجاً حزبياً ، كمنهج الأحزاب
الأخرى التي تنتسب إلى دين الإسلام ، وهذا هو الذي يُنكر ، ولا يمكن إقراره .
فـالسلفية بمعنى أن تكون حزباً خاصاً له مميزاته ، ويضلل أفراده من سواهم : فهؤلاء
ليسوا من السلفية في شيء .
وأما السلفية : اتباع منهج السلف عقيدة وقولاً وعملاً وائتلافاً واختلافاً واتفاقاً
وتراحماً وتواداً ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم
وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى
والسهر ) ؛ فهذه هي السلفية الحقة ” انتهى باختصار من ” لقاء الباب المفتوح ” (57/
15، بترقيم الشاملة آليا) .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android