كنت مقيما بدولة أوروبية منذ حوالي 20 عاماً ، ضاقت بي سبل الحياة ووصلت لحالة من الفقر الشديد بعد فصلي من عملي إثر أزمة اقتصادية مرت بها البلدة التي كنت أقيم بها ، لجأت لبيع المصاحف والسبح أمام مسجد المدينة ، ولكن لم يكف هذا لسد رمقي أنا وزوجتي ، قرأت في أحد الصحف إعلانا عن بنك للحيوانات المنوية يطلب متبرعين مقابل أموال فورية .
ذهبت وتبرعت عددًا لا أعرف مداه من المرات ، كنت شاباً متهوراً ، ولكنى كنت معنياً بالبقاء والاستمرار ، وكانت هذه الأموال تقيني وزوجتي شر السؤال .
نمى إلى علمي منذ أيام قليلة أن البنك قد حدث له ” هاكر” ، وتم نشر أسماء المتبرعين والأطفال الناتجين ، وقد اتصل بي من حينها 23 شخصاً اتضح أنهم كلهم أبنائي البيولوجيين ، وقد دخل أحد الأصدقاء إلى الموقع الذي قام بالتسريب ، وقال لي إن لي من الأبناء 76 ابنا وبنتاً .
السؤال هو : هل أخطأت ؟ وهل سأحاسب عليه ؟ وهل لهؤلاء الأبناء حقوق عليّ ؟ سواء مادياً أم معنوياً ؟ علماً باني لست الآن رجلا ميسور الحال ، وإن كنت مستوراً والحمد لله ، رجاء الاهتمام بالسؤال لأني أعانى بشدة .
احتاج إلى المال فباع ” منيَّه ” لجهة ، ثم تبين له تولد عشرات الأولاد من مائِه !!
السؤال: 212187
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الواجب عليك أيها السائل أن تستغفر الله سبحانه وتتوب إليه مما جنته يداك في هذه الفعلة الشنيعة ، التي لا يخفى على عاقل ما فيها من العبث بالأعراض ، والتلاعب بالأنساب ، ومخالفة الفطرة السليمة ، ولتعلم أن هذا الذي فعلته مخالف لجميع الشرائع السماوية ، التي اتفقت جميعها على حفظ الضروريات الست ، وهي : الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسب ، والعرض ، والمال ، لأن هذه الضروريات فيها استقرار حياة الناس دينا ودنيا ، وقد شرع الله تعالى أحكاماً متعددة لحفظها ، وتوعد بالعقوبة على المضيع لها والمساهم في اختلال نظامها ، وإن في هذا العمل الذي فعلته تضييعاً للعرض والنسب .
فإن مما لا خلاف فيه بين أهل العلم أن تلقيح بويضة امرأة بمني رجل ليس زوجها ، واستبدال مني الإنسان بغيره ، أو خلطه به ، والتعامل مع تجار النطف والأبضاع ، وإنشاء مستودعات تخزن فيها نطف رجال لهم صفات معينة ، لتلقيح نساء لهن صفات معينة ، وكذا إنشاء بنوك المني ، وبنوك الأجنة المجمدة ، كل ذلك محرم بالإجماع ، وهو عبث يؤدي إلى اختلاط الأنساب ، والإخلال بنظام الأسرة الذي أراده الله عز وجل .
إضافة إلى أن فكرة بيع المني في حد ذاتها – بصرف النظر عما يترتب عليها من مفاسد – مما منعه الإسلام ، فقد أخرج البخاري ( 2284 ) ، وأبو داود ( 3429 ) وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ” نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عَسْب الفحل ” ، وعسب الفحل : هو ” الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل ” انتهى من ” عمدة القاري شرح صحيح البخاري” (12/105) .
واستنادا على هذا الحديث منع العلماء من أخذ الأجرة على ماء الفحل ، قال الخطابي : ” فعلى الناس أن لا يتمانعوا منه . فأما أخذ الأجرة عليه فمحرم وفيه قبح وترك مروءة ” انتهى من ” معالم السنن ” (3/105) .
فإذا كان هذا في ماء البهائم الذي لا يترتب على بيعه مفسدة ، فكيف يكون الأمر في بيع ماء الإنسان الذي يترتب على بيعه ، بل والتبرع به : جملة من المفاسد والشرور ؟ .
يقول الشيخ بكر عبد الله أبو زيد رحمه الله في كتابه ” فقه النوازل ” (1/272) : ” وقد أثبت الواقع الأثيم المطالبة بوجود بنوك المني ( مراكز لحفظ المني ) ، وهذه سوق جديدة للمتاجرة بالنطف ، ووجود طراز جديد لاسترقاق بني الإنسان ، فأين هذا من تحطُّطِهم على الإسلام ببيع الرقيق . وعند قيام تلك : فإن عامل الحصول على المال – ونحن في عصر المادة والاستمتاع بالخلاق – سيدفع من لا خلاق له بالتغرير بالرجل العقيم : بأن ماءه يصلح للإنجاب ، فيأتي محله بماء رجل آخر سليم من العقم ” انتهى .
بل قد ذكرت النيوزويك (1985/3/18) : ” أن بنوك المنى تستخدم منى رجل واحد لتلقيح مائة امرأة …. وهناك احتمال كما يقول الدكتور جورجيس دافيد رئيس أكبر بنك للمني في فرنسا : ” كلما زاد عدد الذين يلقحون من النساء بماء رجل واحد كلما زاد الاحتمال بأن تلقح أمه أو أخته أو عمته أو خالته أو ابنته بمائه ” انتهى من ” مجلة مجمع الفقه الإسلامي ” .
أما بخصوص نسب هؤلاء الأشخاص الذين تخلقوا من مائك : فليس بينك وبينهم علاقة ولا يلتحقون بنسبك , ولا حقوق لهم عليك ؛ لأن هذا الماء هدر كماء الزنا ، فقد نصَّ العلماء على أن الماء الذي يخرج من الإنسان بطريق غير مباحة كالاستمناء ونحوه هدر ، إذا استدخلته المرأة الأجنبية فلا يترتب عليه نسب ، جاء في ” حاشية البجيرمي على الخطيب ” (4/46) : ” وليس من الذي خرج على وجه الحل : منيّه الذي أخرجه بيده لخوف الزنا ؛ لأن عدم الإثم فيه لعارض ، فلا نظر إليه , فلا يلزم بسبب استدخاله العدة ، ولا يثبت به النسب ” انتهى .
لكن هؤلاء الأولاد الذين تخلقوا من مائك : لهم حكم أولاد الزنا ، من حيث حرمة التزوج بالبنات ، أو ببنات الذكور منهم ، قال ابن قدامة رحمه الله : ” ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا ، وأخته ، وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه وأخته من الزنا ، وهو قول عامة الفقهاء ” انتهى من ” المغني ” (7/91) .
والمسألة محل خلاف بين أهل العلم ، لكن هذا هو مذهب الجمهور ، وهو الراجح ، بل الصحيح .
ولا يعني هذا أنك تصير مَحْرما لهؤلاء النسوة ، بحيث يحل لك النظر لهن والخلوة بهن ، فإن التحريم في النكاح ، لا يلزم منه دائما المحرمية المبيحة للخلوة ونحوها ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (105913) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة