ما هو إحياء الموات ، وما هو أحكامه ؟.
أحكام إحياء الموات
السؤال: 21375
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الموات – بفتح الميم والواو – : هو ما لا روح فيه ، والمراد به هنا الأرض التي لا مالك لها .
ويعرفه الفقهاء رحمهم الله بأنه الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم .
فيخرج بهذا التعريف شيئان :
الأول : ما جرى ملك معصوم من مسلم وكافر بشراء أو عطية أو غيرها .
الثاني : ما تعلقت به مصلحة ملك المعصوم ؛ كالطرق والأفنية ومسيل المياه ، أو تعلقت به مصالح العامر من البلد ، كدفن الموتى وموضع القمامة والبقاع المرصدة لصلاة العيدين والمحتطبات والمراعي ؛ فكل ذلك لا يملك بالإحياء.
فإذا خلت الأرض عن ملك معصوم واختصاصه ، و أحياها شخص ؛ ملكها ؛ لحديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً : ( من أحيا أرضاً ميتة ؛ فهي له ) , رواه أحمد والترمذي وصححه , وورد بمعناه أحاديث , وبعضها في ( صحيح البخاري ) .
وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء ، وإن اختلفوا في شروطه ؛ إلا موات الحرم وعرفات ؛ فلا يملك بالإحياء ؛ لما فيه من التضييق في أداء المناسك ، واستيلائه على محل الناس فيه سواء .
ويحصل إحياء الموات بأمور :
الأول : إذا أحاطه بحائط منيع مما جرت العادة به ؛ فقد أحياه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحاط حائطاً على أرض ؛ فهي له ) ، رواه أحمد وأبو داود عن جابر ، وصححه ابن الجارود ، وعن سمرة مثله , وهو يدل على أن التحويط على الأرض مما يستحق به ملكها ، والمقدار المعتبر ما يسمى حائطاً في اللغة ، أما لو أدار حول الموت أحجاراً ونحوها كتراب أو جدار صغير لا يمنع ما وراءه أو حفر حولها خندقاً ؛ فإنه لا يملكه بذلك ، لكن يكون أحق بإحيائه من غيره ، ولا يجوز له بيعه إلا بإحيائه .
الثاني : إذا حفر في الأرض الموات بئراً ، فوصل إلى مائها ؛ فقد أحياها ؛ فإن حفر البئر ولم يصل إلى الماء ؛ لم يملكها بذلك ، وإنما يكون أحق بإحيائها من غيره ؛ لأنه شرع في أحيائها .
الثالث : إذا أوصل إلى الأرض الموات ماء أجراه من عين أو نهر ؛ فقد أحياها بذلك ؛ لأن نفع الماء للأرض أكثر من الحائط .
الرابع : إذا حبس عن الأرض الموات الماء الذي كان يغمرها ولا تصلح معه للزراعة ، فحبسه عنها حتى أصبحت صالحة لذلك ؛ فقد أحياها ؛ لأن نفع الأرض بذلك أكثر من نفع الحائط الذي ورد في الدليل أنه يملكها بإقامته عليها .
ومن العلماء من يرى أن إحياء الموات لا يقف عند هذه الأمور بل يرجع فيه إلى العرف فما عده الناس إحياء ؛ فإنه يملك به الأرض الموات ؛ واختار ذلك جمع من أئمة الحنابلة وغيرهم ؛ لأن الشرع ورد بتعليق الملك عليه ولم يبينه , فوجب الرجوع إلى ما كان إحياء في العرف .
ولإمام المسلمين إقطاع الأرض الموات لمن يحييها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق , وأقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت , وأقطع عمر وعثمان و جمعاً من الصحابة , لكن لا يملكه بمجرد الإقطاع حتى يحييه , بل يكون أحق به من غيره , فإن أحياه ملكه , وإن عجز عن إحيائه ؛ فللإمام استرجاعه وإقطاعه لغيره ممن يقدر على إحيائه ؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استرجع الإقطاعات من الذين عجزوا عن إحيائها .
ومن سبق إلى مباح غير الأرض الموات ؛ الصيد ، والحطب ؛ فهو أحق به .
وإذا كان يمر بأملاك الناس ماء مباح ( أي : غير مملوك ) كماء النهر وماء الوادي , فللأعلى أن يسقي منه ويحبس الماء إلى الكعب ثم يرسله لمن بعده … وهكذا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اسق يا زبير ! ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر ) ؛ متفق عليه ، وذكر عبد الرزاق عن معمر الزهري ؛ قال : نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر ) . فكان إلى الكعبين ؛ أي : قاسوا ما وقعت فيه القصة ، فوجدوه يبلغ الكعبين , فجعلوا ذلك معياراً لاستحقاق الأول فالأول , وروى أبو داود وغيره عن عمرو بن شعيب ؛ أنه صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور ( واد في المدينة مشهور ) : ( أن يمسك الأعلى حتى يبلغ السيل الكعبين , ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل ) .
أما إن كان الماء مملوكاً ؛ فإنه يقسم بين الملاك بقدر أملاكهم , ويتصرف كل واحد في حصته بما شاء .
ولإمام المسلمين أن يحمي مرعى لمواشي بيت مال المسلمين ؛ كخيل الجهاد , وإبل الصدقة ؛ ما لم يضرهم بالتضييق عليهم ؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين ) ؛ فيجوز للإمام أن يحمي العشب في أرض الموات لإبل الصدقة وخيل المجاهدين وأنعام الجزية والضوال إذا احتاج إلى ذلك ولم يضيق على المسلمين .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان