الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
نهنئك على ما منّ الله عليك به من الهداية إلى الإسلام ، ونسأل الله تعالى لنا ولك الثبات على هذا الدين حتى نلقاه وهو راض عنّا ، كما نهنئك على حرصك على تربية أولادك التربية الصالحة .
أما الجواب عن سؤالك ، فبإمكاننا هنا أن نذكر بعض المعالم المهمة لعلها تساعدك – بتوفيق الله تعالى – فيما تسعين إليه :
فأولا : يجب أن ننتبه إلى أن الأخلاق السيئة في الغالب توافق شهوات النفس وهواها ؛ لذلك يتخلق بها الطفل بأدنى مؤثر وبأضعف سبب ، وفي المقابل الأخلاق الحسنة : هي تهذيب للنفس وكفها عن شهواتها التي تفسدها وتفوّت عليها مصالحها ؛ فالأخلاق الحسنة هي السير في الطريق المعاكس لهوى النفس ؛ فهي عملية بناء تحتاج إلى جهد واجتهاد .
والتربية الصحيحة هي أن نثبّت الأخلاق الحسنة في نفس الطفل تثبيتا قويا يمكنّها من مغالبة الشهوات الفاسدة ، ويجعل النفس لا تشعر براحتها إلا مع الأشياء التي تصلحها ، وتمقت كل ما يعارض هذه الأخلاق الحسنة .
وحتى يتقبل الطفل هذا الأخلاق الحسنة لا بد من تحبيبها له ، والحبّ لا يمكن أن يأتي بالقهر والشدة وإنما يحتاج إلى ما يلي :
1- الرفق واللين .
وقد وردت عدة أحاديث نبوية ترشد إلى استعمال الرفق واللين في التعامل ، منها :
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ ) رواه البخاري (6024) .
وروى مسلم (2592) عَنْ جَرِيرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ ) .
وعَنْ عَائِشَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شيء إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شيء إِلاَّ شَانَهُ ) رواه مسلم (2594) .
وعَنْ عَائِشَةَ : أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ ) .
رواه الإمام أحمد في مسنده (24427) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع الصغير " رقم (303) .
ومن طبع الأولاد أنهم يحبون الوالد الرفيق بهم ، المعين لهم ، الذي يهتم بهم ، لكن من غير صراخ وغضب ، قدر الطاقة ، بل بحكمة وصبر .
فالطفل في سن يحتاج فيها إلى الترفيه واللعب ، كما أنه في السن المناسبة للتأديب والتدريس ، فلهذا يجب إعطاء كلّ شيء حقه باعتدال وتوسط .
والأولاد إذا أحبوا الوالد الرفيق كان هذا الحب دافعا قويا لهم لطاعة الوالد ، وبالعكس فغياب الرفق ، وحضور العنف والشدة ، يسبب النفور ، وبالتالي التمرد والعصيان ، أو سيطرة الخوف الذي يولد في الطفل الكذب والخداع .
2- التعامل بالرفق لا ينافي استعمال العقوبة عند الحاجة إليها ، لكن يجب أن ننتبه إلى أنّ العقوبة في عملية التربية يجب أن تستعمل بحكمة ؛ فلا يصح أن نعاقب الولد على كل مخالفة يقوم بها ، بل تكون العقوبة ، حيث لا ينفع الرفق ، ولم يؤدبه النصح والأمر والنهي .
كما أن العقوبة يجب أن تكون مفيدة ، فمثلا أنت تعانين من قضاء أولادك لوقت طويل أمام التلفاز ، فيمكن أن تحددي لهم برامج لمشاهدتها ، تنفعهم ولا تضرهم غالبا ، وتخلو من المنكرات قدر الطاقة ؛ فإن تجاوزوا الوقت المحدد ، فيمكن أن تعاقبيهم بحزم بحرمانهم من التلفاز ليوم كامل ، وإن خالفوا مرة أخرى فيمكن أن تحرميهم منه لمدة أكثر من ذلك ، بحسب ما يحقق الغرض ، وينفع في الأدب .
3- القدوة الحسنة .
فعلى الوالدين أن يلزموا أنفسهم أولا بالأخلاق التي يسعون إلى تأديب الأولاد عليها ، فلا يليق مثلا أن ينهى الوالد ولده عن التدخين وهو نفسه يدخن .
ولهذا قال أحد السلف لمعلم أولاده : " لِيَكُنْ أولَّ إصلاحكَ لِبَنِيَّ إصلاحُك لنفسِك ، فإن عيوبهم معقودةٌ بعيبك ، فالحَسَنُ عندهم ما فَعلت َ، والقبيحُ ما تركتَ " ا.ه.
" تاريخ دمشق " ( 38 / 271 – 272 ) .
4- البيئة الصالحة : وهي البيئة التي تمدح الفعل الحسن وتحترم فاعله ، وتذم القبيح وفاعله . وفي عصرنا الحاضر كثيرا ما نفقد هذه البيئة الصالحة ، لكن نستطيع بالجهد والبذل البدني والنفسي والمالي أن نصنعها – إن شاء الله تعالى -.
فمثلا إذا كانت الأسرة المسلمة تقيم في حي لا تتواجد فيه أسر مسلمة ، فلتحاول هذه الأسرة وباجتهاد الانتقال إلى حي أو مدينة يكثر فيها المسلمون ، أو إلى حي تتواجد فيه مساجد ، أو مراكز إسلامية نشطة في الاهتمام بأطفال المسلمين .
ومثلا إذا كان للطفل اهتمام رياضي أو ثقافي معين ، فلتجتهد الأسرة في البحث لهذا الطفل عن أندية رياضية أو ثقافية مناسبة يديرها مسلمون ملتزمون ، والتي ترتادها الأسر المسلمة الحريصة على أبنائها وتربيتهم تربية صالحة في غالب شؤونهم ؛ فالخلطة لها عامل كبير كما تقولين ؛ فحاولي أن تتخففي من الآثار السلبية التي تعانينها من جراء الخلطة ، بالخلطة الإيجابية مع الأسر المسلمة .
وإذا كان الوالد ينفق على اللباس الجميل والطعام اللذيذ والمسكن المريح ، فكذلك عليه أن ينفق على تحصيل الأخلاق الجميلة ، وليحستب الأجر عند الله تعالى .
ثانيا : عليك بملازمة الدعاء خاصة في أوقات الإجابة كثلث الليل الأخير ، وأثناء السجود ، ويوم الجمعة ؛ فأكثري من دعاء الله تعالى بأن يصلح أولادك ، وأن يهديهم إلى الطريق المستقيم؛ فالدعاء للأولاد من صفات عباد الله الصالحين ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) الفرقان ( 74 ) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
" ( قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) أي: تقر بهم أعيننا.
وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم ، عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم ، أنهم لا تقر أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم ، عالمين عاملين ، وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم ، فإنه دعاء لأنفسهم ، لأن نفعه يعود عليهم ، ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم ، فقالوا: (هَبْ لَنَا ) بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين ، لأن بصلاح من ذكر ، يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم ، وينتفع بهم " ا.هـ .
" تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن " (587) .
وللأهمية طالعي الفتوى رقم (4237) ورقم (10016) .
والله أعلم .