0 / 0
31,28921/12/2014

الأمارات والطرق التي تدل على وجوب الشيء أو ندبه أو حرمته أو كراهته أو إباحته

السؤال: 216016

كيف يحكم على “الفعل” بأنه فرض أو واجب أو سنة أو مستحب أو مباح ؟ ومن أتى بهذه التصانيف ؟ أرجو الإجابة مع ذكر المراجع بالتفصيل .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

1- الله سبحانه وحده هو من له حق الحكم والتشريع , والتحسين والتقبيح , والتحليل والتحريم , قال تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف/ 40 ، وقال تعالى : ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) الشورى/ 10 , وقد أنكر سبحانه على من اتخذ مشرِّعا غيرَ الله سبحانه ، فقال تعالى – منكرا عليهم – : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه ) ثم هددهم وتوعدهم على ذلك بقوله تعالى ( وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/ 21 .
جاء في ” التحبير شرح التحرير ” (2 / 729) : ” الحاكم هو الله ، والعقل لا يحسن ولا يقبح ، ولا يوجب ولا يحرم ” انتهى بتصرف .
2- أوجب الله سبحانه على العبد أن يكون مطيعا لربه في جميع أحواله , وفي كل ما يفعله بجوارحه الظاهرة والباطنة ، وذلك بأن يجري على مقتضى طلب الله سبحانه ، وإذنه ، فيفعل ما طُلب منه فعله ، ويترك ما طُلب منه تركه ، ويختار فيما أُذن له في فعله وتركه ، إذ كل فعل من أفعال المكلف إما أن يكون مطلوب الفعل من جهة الشرع , أو مطلوب الترك , أو مأذونا في فعله وتركه , وهذا ما يُعرفُ بالحكم الشرعي , والأحكام الشرعية التكليفية خمسة وهي : الوجوب أو الإيجاب , والندب , والتحريم , والكراهة , والإباحة .
قال القرافي – رحمه الله – : ” الأحكام الخمسة : الوجوب , والتحريم , والندب , والكراهة , والإباحة ” انتهى من “الفروق للقرافي” (3 / 197) .
فالفعل الذي يتعلق به الوجوب يسمى واجبا , والفعل الذي يتعلق به الندب يسمى مندوبا , والفعل الذي يتعلق به التحريم يسمى محرما , والفعل الذي يتعلق به الكراهة يسمى مكروها , والفعل الذي يتعلق به الإباحة يسمى مباحا.
3- أما تقسيم الأحكام الشرعية التكليفية إلى هذه الخمسة فطريقه الاستقراء , يقول الشيخ عبد الكريم الخضير في “شرح الورقات” : ” وطريق الحصر في الخمسة : الاستقراء ؛ لأن الطلب إما أن يكون طلباً للفعل ، أو الكف عنه ، أو للتخيير ، فالأول إن كان جازماً على ما تقدم فهو الواجب ، وإن كان من غير جزمٍ فهو المندوب ، والثاني طلب الكف ، إن كان مع جزمٍ فهو المحظور ، وإن كان من غير جزم فهو المكروه ، وإن كان الثالث الذي هو التخيير فهو الإباحة ” انتهى من “موقع الشيخ” على هذا الرابط :
http://www.khudheir.com/audio/1143

4- أما الحكم على الشيء بأنه واجب أو مندوب أو مباح ونحو ذلك : فله طرق قررها الأصوليون ويمكن إيجازها فيما يلي :
أولا:
الأمر ينقسم إلى قسمين : أمرٌ على سبيل الحتم والإلزام ، وهو الإيجاب , وأمر لا على سبيل الحتم والإلزام وهو الندب .
فالإيجاب يعرف بطرق كثيرة متعددة منها : أن يأتي النص بصيغة تدل على الأمر ، والصيغ التي تدل على الأمر أربعة , قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى : ” اعلم أن الصيغ الدالة على الأمر أربع ، وكلها في القرآن ، وهي : فعل الأمر نحو : (أقم الصلاة) الإسراء/ 78 , والمضارع المجزوم بلام الأمر نحو : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) النور/ 63 , واسم فعل الأمر نحو : (عليكم أنفسكم) المائدة/ 105 , المصدر النائب عن فعله نحو (فضرب الرقاب) محمد/ 4 .
” انتهى من “مذكرة في أصول الفقه” (1 / 225) .
وهناك صيغ أخرى – أيضا – تدل على كون الشيء واجبا , منها : ” التصريح من الشارع بلفظ الأمر، كقوله تعالى: (إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) النساء/ 58 , ومنها : التصريح بلفظ الإيجاب , أو الفرض , أو الكَتْب، كقوله تعالى : (فريضة من الله) التوبة/60 ، وقوله : (كتب عليكم القصاص في القتلى) البقرة/ 178 , ومنها : كل أسلوب في لغة العرب يفيد الوجوب، كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) آل عمران/ 97 , ومنها : ترتيب الذم والعقاب على الترك، كقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/ 63 ” .
انتهى من “المهذب في علم أصول الفقه المقارن” (1 / 156) بتصرف .
قال ابن القيم – رحمه الله – : ” ويستفاد الوجوب بالأمر تارة ، وبالتصريح بالإيجاب والفرض والكتب ، ولفظة (على) ولفظة (حق على العباد ، وعلى المؤمنين) وترتيب الذم والعقاب على الترك ، وإحباط العمل بالترك وغير ذلك” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 3) .
ثانيا :
أما الندب ، وهو الأمر الذي لا يدل على الحتم والإلزام ، فله – أيضا – أمارات وعلامات يعرف بها , منها : ” الأمر الصريح إذا وجدت قرينة تصرفه من الوجوب إلى الندب، مثل قوله تعالى : (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) ، فهذا الأمر للندب وليس للوجوب، والقرينة الصارفة هي السُّنَّة التقريرية ؛ حيث إنه لما نزلت هذه الآية لم يكاتب بعض الصحابة عبيدهم الذين بين أيديهم، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم . ومنها: التصريح بأن ذلك سُنَّة، كقوله صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان – في رواية – : ” وسننت لكم قيامه “. ومنها: التصريح بالأفضلية الواردة من الشارع، ومنه قوله – في غسل الجمعة – : ( ومن اغتسل فالغسل أفضل ) ، ومنها: كل عبارة تدل على الترغيب، ومنه قوله – عليه السلام – لبريرة – حيث أعتقت وفارقت زوجها مغيثا وكان رقيقا – ( لو راجعتيه ) ” .
انتهى من “المهذب في علم أصول الفقه المقارن” (1 / 235) بتصرف .
وهناك أمور مشتركة تدل على الواجب تارة وعلى المندوب تارة , وقد ذكرها ابن القيم – رحمه الله – بقوله : ” وكل فعل عظَّمه الله ورسوله ومدحه , أو مدح فاعله لأجله , أو فرِح به أو أحبَّه أو أحب فاعله , أو رضي به أو رضي عن فاعله , أو وصفه بالطيّب أو البركة أو الحسن , أو نصَبَه سببا لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل , أو نصَبَه سببًا لذِكره لعبده ، أو لشكره له ، أو لهدايته إياه , أو لإرضاء فاعله أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته , أو لقبوله ، أو لنصرة فاعله ، أو بشارة فاعله بالطيب , أو وصف الفعل بكونه معروفا , أو نفي الحزن والخوف عن فاعله, أو وعده بالأمن أو نصبه سببا لولايته , أو أخبر عن دعاء الرسل بحصوله أو وصفه بكونه قربة , أو أقْسَم به أو بفاعله ، كالقَسَم بخيل المجاهدين وإغارتها , أو ضحك الرب جل جلاله من فاعله أو عجبه به , فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب ” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 4) .
ثالثا:
وأما النهي فهو ينقسم – أيضا – إلى قسمين : نهيٌ على سبيل الحتم والإلزام وهو التحريم , ونهيٌ لا على سبيل الحتم والإلزام وهو الكراهة .
فالتحريم يُعرف بطرق , منها : صيغة النهي إذا جاءت مطلقة عما يصرفها عن حقيقتها إلى معان أخرى , فالأصل في النهي أنه للتحريم , كما في قوله تعالى : (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الإسراء/ 32، 33 ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا يبع بعضكم على بيع بعض ) ، فلو جاءت معها قرينة ٌ تصرفها إلى الكراهة ، فإنها تنصرف إليها , كما نص على ذلك علماء الأصول .
ومنها : استعمال لفظة التحريم ومشتقاتها كما في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) المائدة/ 3 ، وقوله تعالى (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ) البقرة/ 85 , وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ) .
ومنها : التصريح بعدم الجواز ، أو نفي الحل ؛ فلو صرح الشرع بأن هذا الأمر غير جائز , أو أنه ليس حلالا، فإنه يكون محرما مثل قوله تعالى : (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) البقرة/ 228 , وقوله تعالى : (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) البقرة/ 229 , وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم ٍ إلا بإحدى ثلاث ) .
ومنها : ترتيب العقوبة على الفعل من الله تعالى ، أو من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بأن يُذكر فعل ٌ ما ، ثم تُذكر عقوبته , كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/ 4 , فالجلد هنا عقوبة على القذف فدل ذلك على كون القذف محرما ً , وقوله تعالى : (وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/ 38 , فالسرقة ُ محرمة ؛ لأنه سبحانه رتب عليها عقوبة قطع اليد .
ومنها : صيغة الأمر التي تدل على طلب الترك والمنع من الفعل ، مثل لفظ الاجتناب ، أو لفظ الترك ، أو الكف ونحو ذلك , كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) الحج/ 30 ، وقوله تعالى : (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين) البقرة/ 278 , فقوله : ( اجتنبوا ) صيغة أمر تدل على وجوب الترك , و( ذروا ) أيضاً صيغة أمر تدل على وجوب الترك , ووجوب الترك معناه أن هذا الأمر محرم .
ومنها: لفظ (ما يكون لك ) , يقول ابن القيم – رحمه الله – : ” وأما لفظة (ما يكون لك , وما يكون لنا ) فاطَّرد استعمالها في المحرَّم نحو : (فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا) , (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا) , (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ)” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 6) .
وقال أيضا – رحمه الله – : ” ويستفاد التحريم من النهي ، والتصريح بالتحريم والحظر ، والوعيد على الفعل ، وذم الفاعل ، وإيجاب الكفارة بالفعل ، وقوله : (لا ينبغي) ؛ فإنها في لغة القرآن والرسول للمنع عقلا أو شرعا ، ولفظة : (ما كان لهم كذا , ولم يكن لهم) ، وترتيب الحد على الفعل , ولفظة : (لا يحل , ولا يصلح) ، ووصف الفعل بأنه فساد , وأنه من تزيين الشيطان وعمله , وإن الله لا يحبه , وأنه لا يرضاه لعباده ، ولا يزكي فاعله ولا يكلمه ولا ينظر إليه ، ونحو ذلك” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 3) .
رابعا :
وأما المكروه فله – أيضا – صيغ وأمارات تدل عليه , فمن ذلك : ” لفظة ” كره ” وما يشتق منها، فمن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن اللَّه كره لكم قيل وقال , وكثرة السؤال ). ومنها لفظة النهي : ” لا تفعل ” إذا احتفت بها قرينة تصرفها عن التحريم إلى الكراهة .
وهناك صيغ غير ما ذكرنا للكراهة تعرف من سياق الكلام ” انتهى من “المهذب في علم أصول الفقه المقارن” (1 / 284) باختصار وتصرف .
لكن التحقيق في لفظة (كره) أنها تستعمل في التحريم والكراهة ، واستعمالها في التحريم أكثر , وفي ذلك يقول ابن القيم – رحمه الله – : ” وأما لفظة يكرهه الله تعالى ورسوله ، أو مكروه ؛ فأكثر ما تستعمل في المحرم ، وقد يستعمل في كراهة التنزيه” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 6) .
ومما يدل على الكراهة -أيضا – ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” أما أنا فلا أفعل” , قال ابن القيم – رحمه الله – ” وأما لفظة (أما أنا فلا أفعل) فالمتحقق أنها من الكراهة ، كقوله: (أما أنا فلا آكل متكئا )” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 6) .
خامسا:
وأما المباح فله في الشرع ونصوص الوحي معنيان , الأول : ما خيَّر الشارع فيه بين الفعل والترك , والثاني : ما قال الشارع فيه : لا حرج في فعله , جاء في ” الموافقات ” للشاطبي (1 / 223) : ” المباح يطلق بإطلاقين : أحدهما : من حيث هو مخير فيه بين الفعل والترك . والآخر: من حيث يقال: لا حرج فيه ” انتهى.
والإباحة – أيضا – لها صيغ وأمارات تدل عليها , فمنها : استعمال لفظ (أَحَلَّ) ومشتقاتها , قال تعـــالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) البقرة/ 187 , وقال تعالى : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) البقرة/ 275 , ومنها : رفع الجناح ، كما في قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) البقرة/ 198 , وقوله تعالى : (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة) البقرة/ 236 ، ومنها : رفع الحرج كما في قوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) النور/ 61 , ومنها : التنصيص على عدم الإثم والسبيل على فاعله , من ذلك قوله تعالى : ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/ 41 ، 42 .
ويعرف المباح أيضا من القرائن التي تحيط أحيانا بصيغ الأمر فــــتصرفها عن الوجوب والندب إلى مجرد الإباحة ، كقوله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/ 187 ، فالقرينة دلت على أن الأمر هو للإبــــــاحة لا الوجوب ؛ لأن هذه الأشياء كانت محرمة على الصائم إذا نام بعد الغروب ، فخفــف الله عن المسلمين ورفعها عنهم , فقال : (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ) البقرة/ 187 ، فصرح بإباحتها لهم .
قال ابن القيم في “بدائع الفوائد” (4 / 6) : ” وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال ورفع الجناح والإذن والعفو ، و “إن شئت فافعل” و “إن شئت فلا تفعل” ، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع , وما يتعلق بها من الأفعال نحو : (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً) ، ونحو : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) ، ومن السكوت عن التحريم , ومن الإقرار على الفعل في زمن الوحي , وهو نوعان : إقرار الرب تبارك وتعالى , وإقرار رسوله صلى الله عليه وسلم إذا عَلِم الفعل . فمن إقرار الرب تعالى، قول جابر : “كنا نعزل والقرآن ينزل”، ومن إقرار رسوله صلى الله عليه وسلم قول حسان لعمر : “كنت أنشد وفيه من هو خير منك” انتهى.
وقال ابن القيم – أيضا – : ” وتستفاد الإباحة من الإذن , والتخيير , والأمر بعد الحظر , ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة , والإخبار بأنه معفو عنه , وبالإقرار على فعله في زمن الوحي , وبالإنكار على من حرَّم الشيء , والإخبار بأنه خلق لنا كذا وجعله لنا , وامتنانه علينا به , وإخباره عن فعل من قبلنا له غير ذامٍّ لهم عليه , فإن اقترن بإخباره مدح فاعله لأجله ، دل على رجحانه استحبابا أو وجوبا ” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 4) .
وتستفاد الإباحة – أيضا – من فعله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان : إذا وقع على هيئة معينة ، وبأوصاف معينة ، لا يحتمل المقام ذكرها ولا بسط القول فيها , ولكنها مستوفاة في كتاب ” أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية ” المؤلف : الدكتور محمد سليمان الأشقر .
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android