أعسر المشتري بالثمن ، فتصالحا على فسخ البيع بعد مدة .
فهل يجوز أن يأخذ البائع عوضا عن مدة بقاء السلعة عند المشتري ؟
الإعسار بالسداد
السؤال: 216282
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
تصالح البائع والمشتري على الفسخ هو ما يسميه الفقهاء رحمهم الله بـ ” الإقالة ” ؛ حيث إن البائع تنازل عن حقه في إمضاء البيع مع المطالبة بالثمن الذي صار دينا في ذمة المشتري عن طريق القضاء ، إلى قبول الفسخ ، ويعرف الفقهاء الإقالة بأنها:
” رفع العقد ، وإلغاء حكمه وآثاره بتراضي الطرفين ” .
انتهى من ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” (5/ 324) .
ولكن الإقالة في السؤال ليست مقابل التنازل عن الثمن فقط – كما هي في الأصل – بل مع تعويض عن مدة بقاء السلعة لدى المشتري ؛ فتكون من الإقالة مع الزيادة عن الثمن الأول .
وللعلماء رحمهم الله خلاف في هذه المسألة :
قال ابن قدامة رحمه الله في ” المغني ” (4/ 93) :
” ولا يجوز إلا بمثل الثمن ، سواء قلنا: هي فسخ أو بيع ؛ لأنها خصت بمثل الثمن ، كالتولية. وفيه وجه آخر ، أنها تجوز بأكثر من الثمن الأول ، وأقل منه إذا قلنا: إنها بيع كسائر البياعات ” .
وفي ” الاختيار لتعليل المختار ” (2/ 11) : ” وعند أبي يوسف الإقالة جائزة بما سميا كالبيع الجديد ” .
وفي ” شرح مختصر خليل ” للخرشي المالكي (5/ 104) :
“إذَا بِيعَ الْحِمَارُ عَلَى التَّعْجِيلِ بِذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ وَلَمْ يُقْبَضْ حَتَّى وَقَعَ التَّقَايُلُ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ الْمَزِيدُ عَيْنًا ، أَوْ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، إنْ عَجَّلَ الْمَزِيدَ مَعَ الْحِمَارِ” .
وقد حكى ابن رجب رحمه الله روايتين عن الإمام أحمد في كون الإقالة فسخا أم بيعا ثم قال عن مسألة الإقالة بغير الثمن الأول :
” وَإِنْ قُلْنَا : هِيَ بَيْعٌ فَوَجْهَانِ ، حَكَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ :
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ.
وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ ، وَصَحَّحَهُ السَّامِرِيُّ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقَالَةِ : رَدُّ الْأَمْرِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، وَرُجُوعُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى مَالِهِ ؛ فَلَمْ يَجُزْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا : فَبَيْعُ التَّوْلِيَةِ ” انتهى من ” القواعد ” لابن رجب (ص: 380) .
وقال ابن حزم رحمه الله في ” المحلى” (7/ 487):
“وأما من رآها بيعا فإنه يجيزها بأكثر مما وقع به البيع أولا ، وبأقل ، وبغير ما وقع به البيع ، وحالا ، وفي الذمة ، وإلى أجل فيما يجوز فيه الأجل ، وبهذا نأخذ ” .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
“القول الراجح أنها – أي الإقالة – تجوز بأقل وأكثر إذا كان من جنس الثمن؛ لأن محذور الربا في هذا بعيد ، فليست كمسألة العينة ؛ لأن مسألة العينة محذور الربا فيها قريب ، أما هذه فبعيد ، ..
وهذا هو القول الراجح ، وهو الذي عليه عمل الناس ، وهو من مصلحة الجميع ؛ وذلك لأن البائع إذا أقال المشتري ، فإن الناس سوف يتكلمون ويقولون : لولا أن السلعة فيها عيب ما ردها المشتري ، فيأخذ البائع عوضاً زائداً على الثمن من أجل جبر هذا النقص ” .
انتهى من ” الشرح الممتع ” (8/ 389) .
وعلى هذا : فلا بأس بالإقالة بثمن مغاير للثمن الأول ، سواء كان أقل أو أكثر .
مع الانتباه إلى أنه إذا قدر أن السلعة قد حدث فيها عيب أو نقص أو تغير السوق ، وهي في يد المشتري ، وردها إلى البائع : فلا بأس ببذل العوض المقابل لما حدث من نقص ، حتى عند بعض القائلين بالمنع من الزيادة .
قال في “مجمع الأنهر ” (2/ 73) :
” (وإن تعيب) المبيع عند المشتري ، وشرط [ أي : البائع] أقل من الثمن الأول ، بناء على العيب : ( صح الشرط اتفاقا ) ؛ فيجوز الإقالة بأقل من الثمن الأول ؛ فيجعل الحط بإزاء ما فات بالعيب ” .
وقال ابن رجب رحمه الله :
“إذَا تَسَعَّرَتْ السُّوقُ : جَازَتْ الْإِقَالَةُ بِنَقْصٍ فِي مُقَابَلَةِ نَقْصِ السِّعْرِ، وَكَذَا لَوْ تَغَيَّرَتْ صِفَةُ السِّلْعَةِ، وَأَوْلَى ” انتهى من “القواعد” (ص: 380) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب