الكذب مراعاةً لمشاعر الآخرين من الكذب المحرم
السؤال: 216341
نعلم جميعاً الثلاث حالات التي يجوز فيها الكذب .
والسؤال هو : هل الكذب من أجل تحاشي جرح مشاعر شخص ما يندرج تحت إحدى هذه الحالات ؟ فعلى سبيل المثال : لو أن أخي أراد أن يتحاشى اللقاء بشخص ما لأسباب متعددة ، لكن هذا الشخص أصر على لقائه أو زيارته في البيت ، فقال أخي : إنه مشغول ولا يمكن أن يقابله ( مع أنه غير مشغول في الحقيقة ) . وما قال ذلك إلا حرصاً منه على عدم جرح مشاعر ذلك الشخص ، فهل يعد هذا كذباً ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الكذب كله مذموم ، وهو من صفات المنافقين ، فإنه يدعو إلى الفجور ، والفجور يدعو
إلى النار ، إلا أنه إذا تعلقت به مصلحة راجحة جاز للمصلحة ، وربما وجب.
فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً : فالكذب فيه حرام .
وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق : فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد
مباحاً ، وواجب إن كان واجباً .
ثانيا :
يغني عن الكذب استعمال المعاريض والتورية ، وهي : الكلام المحتمل لمعنيين ، معنى
يفهمه السامع ، ومعنى آخر يريده المتكلم .
فإذا أمكن تحصيل المصلحة أو دفع المفسدة بالمعاريض تعيّن ذلك ، ولم يجز الكذب .
وإذا لم يمكن : فإن المعاريض والتورية مخرج شرعي مقبول ، عند الحاجة إليه :
جاء في “الموسوعة الفقهية” (34/ 211-212)
:
” نُقِل عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ : أَنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنِ
الْكَذِبِ ، قَال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَمَا فِي الْمَعَارِيضِ مَا
يَكْفِي الرَّجُل عَنِ الْكَذِبِ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ إِذَا اضْطُرَّ
الإْنْسَانُ إِلَى الْكَذِب ِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَضَرُورَةٌ
فَلاَ يَجُوزُ التَّعْرِيضُ وَلاَ التَّصْرِيحُ جَمِيعًا ، وَلَكِنَّ التَّعْرِيضَ
أَهْوَنُ .
وكَانَ النَّخَعِيُّ لاَ يَقُول لاِبْنَتِهِ : أَشْتَرِي لَكِ سُكَّرًا ، بَل
يَقُول : أَرَأَيْتِ لَوِ اشْتَرَيْتُ لَكِ سُكَّرًا ؟ فَإِنَّهُ رُبَّمَا لاَ
يَتَّفِقُ لَهُ ذَلِكَ ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا طَلَبَهُ مَنْ يَكْرَهُ أَنْ
يَخْرُجَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الدَّارِ قَال لِلْجَارِيَةِ : قَوْلِي لَهُ :
اطْلُبْهُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلاَ تَقُولِ ي: لَيْسَ هُنَا كَيْ لاَ يَكُونَ
كَذِبًا .
وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ
الْحَاجَةِ فَلاَ
؛ لأِنَّ هَذَا تَفْهِيمٌ لِلْكَذِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ كَذِبًا ؛
فَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى الْجُمْلَةِ ، كَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ
قَال : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى ، فَخَرَجْتُ وَعَلَيَّ ثَوْبٌ ، فَجَعَل النَّاسُ يَقُولُونَ : هَذَا
كَسَاكَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَكُنْتُ أَقُول : جَزَى اللَّهُ أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ خَيْرًا ، فَقَال لِي أَبِي : ” يَا بُنَيَّ اتَّقِ الْكَذِبَ وَمَا
أَشْبَهَهُ ” فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لأِنَّ فِيهِ تَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى ظَنٍّ
كَاذِبٍ ، لأِجْل غَرَضِ الْمُفَاخَرَةِ ، وَهَذَا غَرَضٌ بَاطِلٌ لاَ فَائِدَةَ
فِيهِ .
وَتُبَاحُ الْمَعَارِيضُ لِغَرَضٍ خَفِيفٍ كَتَطْيِيبِ قَلْبِ الْغَيْرِ
بِالْمُزَاحِ
”
.
انتهى ملخصا .
راجع إجابة السؤال رقم : (27261)
.
والحاصل : أن تطييب القلب ، وجبر الخاطر ، وإزالة الوحشة من النفوس : غرض صالح ،
مشروع في الجملة ، إن احتاج المتكلم لأجله أن يستعمل شيئا من التورية والمعاريض :
جاز له ، على أن يقصد بكلامه غرضا صريحا ، يحتمله الكلام ، حتى لا يقع في الكذب
الصريح .
واعتذار الشخص بأنه مشغول : هو أمر مقبول في الجملة ، بشرط أن يقصد له شغلا خاصا به
، فكل إنسان لا ينفك من شغل في حياته ، ولو كان مشغولا براحته ونومه ، أو مصلحة
أهله ، أو صلاة ، أو ذكر ، أو تلاوة قرآن ، أو نحو ذلك من أشغال الناس بأمر الدنيا
أو الآخرة .
فعذر الشغل باب واسع ، يمكنه أن يدخل فيه ما يطرأ له من الأشغال ، أيا كان نوعها ،
وهو أمر نافع لصاحبه عند الاعتذار عن مثل ذلك .
وقد سَأَلَ رَجُلٌ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ فِي دَارِ الإمام أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ ، فَكَرِهَ الْخُرُوجَ إلَيْهِ ، فَوَضَعَ أَحْمَدُ إصْبَعَهُ فِي كَفِّهِ
، فَقَالَ : لَيْسَ الْمَرْوَزِيِّ هَاهُنَا ، وَمَا يَصْنَعُ الْمَرْوَزِيِّ
هَاهُنَا ؟
انتهى من
“إعلام الموقعين” (3/ 151).
راجع للاستزادة إجابة السؤال رقم : (154955)، ورقم : (202259).
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة