0 / 0

حكم لعاب ويد إنسان يأكل الميتة ويشرب الخمر

السؤال: 216363

أعرف بعض الأشخاص الذين يشربون الخمر ويأكلون ما لا يحل أكله ، وبعد أكلهم وشربهم : يتحدثون معي ، وفي أثناء حديثهم قد يصل بعض بصاقهم إلى ملابسي ووجهي ، كما أنهم يلمسون ثيابي ، وفي بعض الأحيان يأكلون أجنحة الدجاج غير المذكى ، ثم يقومون بلمس الأضواء في بيتي ، وأنا أخشى أن تنتقل نجاستهم ، لأن الدجاج يكون مشبعا بالزيت ، فماذا أفعل ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
يجب على المسلم أن يجتنب النجاسة ويطهر ما مسّه منها باتفاق العلماء .

قال ابن القطان رحمه الله :
” وغسل النجاسات واجتناب المحرمات فرض بلا خلاف ” انتهى من ” الإقناع في مسائل الإجماع ” ( 1 / 79 ) .

ثانيا :
الله رحيم بنا ، فلم يكلفنا بما يحرجنا ويوقعنا في المشقة والعسر .
قال تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة / 185 .‏

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
” أي : يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ، ويسهلها أشد تسهيل ، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله .
وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله ، سهَّله تسهيلا آخر ، إما بإسقاطه ، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات .
وهذه جملة لا يمكن تفصيلها ؛ لأن تفاصيلها جميع الشرعيات ، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات ” انتهى من ” تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ” ( ص 84 ) .

وروى البخاري (39) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ) .‏

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” والمشادّة بالتشديد‏ :‏ المغالبة … والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ، ويترك الرفق : إلا عجز ، وانقطع ؛ فيغلب ‏.‏
قال ابن المنيِّر :‏ في هذا الحديث علم من أعلام النبوة ، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا : أن كل متنطع في الدين ينقطع ، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة ، فإنه من الأمور المحمودة ، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال ، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته ، كمن بات يصلي الليل كله ، ويغالب النوم ، إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة ، أو إلى أن خرج الوقت المختار ، أو إلى أن طلعت الشمس ، فخرج وقت الفريضة ، وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد‏ :‏
‏( إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة ، وخير دينكم اليَسْرة ‏) ، وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية ، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع ، كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء ، فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر ” انتهى من ” فتح الباري ” (1/94 – 95) .

فالمقصود : أن على المسلم ألّا يتبع في أمور دينه ما تهواه نفسه ، أو يقتضيه طبعه ، وسواء في ذلك جانب التشدد أو جانب التهاون ؛ بل عليه أن يتبع ما تدل عليه الشريعة .

قال ابن تيمية رحمه الله :
” فإنّ التّشديد في النّجاسات ، جنسا وقدرا ، هو دين اليهود ، والتّساهل هو دين النّصارى ، ودين الإسلام هو الوسط ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (21/18 – 19) .

فإذا جاءت الشريعة بالتيسير في أمر ما : فعلى المسلم أن يتبعها ، ولا يشدد على نفسه .
ومن اليسر ، وعدم الحرج الذي جاءت به الشريعة ، ما استخرجه أهل العلم من النصوص الشرعية : أن الإنسان ، رجلا كان أو امرأة ، صغيرا كان أو كبيرا ، مسلما كان أو كافرا ، كلهم الأصل فيهم طهارة العين ؛ يعني : أن ذواتهم وأجسادهم : الأصل فيها الطهارة .

جاء في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” (40/78) :
” ذهب الفقهاء إلى طهارة الآدمي الحي ، المسلم والكافر ؛ لقوله تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) ، ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أنزل وفد ثقيف – وهم كفار – في المسجد ، ولو كانت أبدانهم نجسة ، لم ينزلهم فيه تنزيها له ” انتهى .

والقول بطهارته يقتضي الحكم بطهارة لعابه ، ورطوبة يده ، إلا إذا تيقنا تلطخها بالنجاسة .

قال النووي رحمه الله :
” واعلم أنّه لا فرق في العَرَق واللّعاب والمخاط والدّمع : بين الجنب والحائض ، والطّاهر ، والمسلم والكافر … بل هي طاهرة من جميعها ، ومن كل حيوان طاهر ” انتهى من ” المجموع ” (2/577) .

وقال ابن قدامة رحمه الله :
” فأمّا الخارج من غير السّبيلين ، فالحيوانات فيه أربعة أقسام : أحدها : الآدميّ ، فالخارج منه نوعان ، طاهر ؛ وهو ريقه ودمعه وعرقه ومخاطه ونخامته ” انتهى من ” المغني ” (2/493) .

وعلى هذا ، فلا يحكم بنجاسة لعاب شخص أو يده إلا بيقين ، أما مجرد الشك فلا عبرة به .
وكونه يأكل ما ذكر ، لا يعني : نجاسة لعابه ، أو بدنه ، أو نحو ذلك ، فما زال الكفار يأكلون هذه المحرمات ، ويشربونها ، ولم ينه الشرع عن ملابستهم ، ولم يأمر بالتحرز من أبدانهم وذواتهم .

قال ابن القيم رحمه الله :
” والضابط فيه – أي في الشك العارض للمسلم – أنه إن كان للمشكوك فيه حال قبل الشك : استصحبها المكلَّفُ ، وبنى عليها ، حتى يتيقن الانتقال عنها ، هذا ضابط مسائله .
فمن ذلك : إذا شك في الماء هل أصابته نجاسة أم لا ؟ بني على يقين الطهارة .
ولو تيقن نجاسته ثم شك هل زالت أم لا ؟ بنى على يقين النجاسة ” انتهى من ” بدائع الفوائد ” (3/1278) .

وقال القرافي رحمه الله :
” ما أُلغي فيه الغالب ، وقدّم النّادر عليه ، وأثبت حكمه دونه رحمة بالعباد .
وأنا أذكر منه عشرين مثالا …
(السادس ) الغالب على ثياب الصّبيان النّجاسة لا سِّيما مع طول لبسهم لها ، والنّادر سلامتها ، وقد جاءت السُّنَّة بصلاته عليه السّلام بأمامة ، يحملها في الصّلاة ، إلغاء لحكم الغالب وإثباتا لحكم النّادر ، لطفا بالعباد…
( الثامن ) ما يصنعه أهل الكتاب من الأطعمة في أوانيهم ، وبأيديهم الغالب نجاسته لما تقدّم ، والنّادر طهارته ، ومع ذلك أثبت الشّرع حكم النّادر ، وألغى حكم الغالب ، وجوّز أكله توسعة على العباد …
ونظائر هذا الباب كثيرة في الشّريعة ؛ فينبغي أن تُتَأمّل ، وتُعلم ؛ فقد غفل عنها قوم في الطّهارات ، فدخل عليهم الوسواس ، وهم يعتقدون أنّهم على قاعدة شرعيّة ، وهي الحكم بالغالب ؛ فإنّ الغالب على النّاس والأواني والكتب ، وغير ذلك ممّا يلابسونه : النّجاسة ؛ فيغسلون ثيابهم ، وأنفسهم من جميع ذلك بناء على الغالب ، وهو غالب كما قالوا … ؛ لكن لصاحب الشّرع أن يضع في شرعه ما شاء ، ويستثني من قواعده ما شاء هو أعلم بمصالح عباده !!
فينبغي لمن قصد إثبات حكم الغالب ، دون النّادر : أن ينظر ؛ هل ذلك الغالب ممّا ألغاه الشّرع أم لا ، وحينئذ يعتمد عليه ، وأمّا مطلق الغالب ، كيف كان ، في جميع صوره : فخلاف الإجماع ” انتهى من ” الفروق ” (4 /240 – 245) .

وعلى هذا : لا يُحكم على لعاب شخص ، أو رطوبة يده ، بالنجاسة ، حتى تتيقن نجاسة ذلك ، ولا يعني أكل ما ذكر ، أن ذلك نجس منه ؛ خاصة وأن في مجاري عادات الناس : شرب الماء ونحوه من المشروبات الطاهرة بعد ذلك ، أو غسل أفواههم بعده ، ومن شأن ذلك أن يذهب ما تبقى فيها من أثر النجاسة .

قال ابن تيمية رحمه الله (21/520 – 521) :
” … وأمّا مع الشّكّ : فالأصل في ذلك الطّهارة ، والاحتياط في ذلك : وسواس ؛ فإنّ الرّجل إذا أصابه ما يجوز أن يكون طاهرا ، ويجوز أن يكون نجسا : لم يستحبّ له التّجنّب ، على الصّحيح ، ولا الاحتياط ؛ فإنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه مرّ هو وصاحب له بميزاب ، فقطر على صاحبه منه ماء ، فقال صاحبه : يا صاحب الميزاب ، ماؤك طاهر أو نجس ؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب لا تخبره ، فإنّ هذا ليس عليه ” انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” أما بالنسبة للسؤال الثاني وهو أن الأطفال يلمسون مقابض الأبواب ، وأيديهم نجسة ؛ فإننا نقول : ما الذي أدراها أن أيدي الأطفال نجسة ؟ فما دامت لا تعلم علم اليقين أن هذه الأيدي تلوثت بالنجاسة ، فإن الأصل الطهارة ، ولا نحكم بنجاسة الأولاد إذا لم نعلم أنهم تلوثوا بالنجاسة ، لا بأبدانهم ولا بثيابهم ؛ نعم إذا تيقنا أن الطفل مس هذا المقبض ، وتلوث هذا المقبض بنجاسته ، فإنه لابد من غسل هذا المقبض بالماء .
ويرى بعض أهل العلم أن الشيء الصقيل إذا مسح مسحاً تاماً ، حتى زال أثر النجاسة : فإنه يطهر .

والمهم أننا إذا تيقنا أن أيدي الصبي نجسة ، وأن مقبض الباب تلوث بها ، فإنه لابد من إزالة هذه النجاسة التي تلوث بها هذا المقبض ، وإلا فالأصل الطهارة ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين ” .

ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم : ( 111904 ) .

على أنه ينبغي للمسلم أن يحرص أن يكون أصحابه من الصالحين الطاهرين في أديانهم وأبدانهم ؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، فالمشروع للمسلم أن تكون محبته ، وموالاته ، ومصاحبته لهؤلاء ، وأن تكون مخالطته لغيرهم بقدَر .
وينظر للفائدة الفتوى رقم : ( 82287 ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android