0 / 0

هامان شخصية حقيقية في التاريخ الفرعوني وإن لم تذكره التوراة المطبوعة اليوم

السؤال: 216493

توجد لدي بعض الأسئلة التي تمنعني من دخول الإسلام فأرجو الإجابة عليها : كيف يكون هامان من حاشية فرعون كما جاء في القرآن ، بينما في التوراة والإسرائيليات نجد أنّ هامان كان يعيش في بلد آخر ، وفي حقبة أخرى من الزمن ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

من المؤلم حقيقة أن نسمع من باحث ودارس ، أو شخص مثقف ، وهو يخبر عن سبب امتناعه من الدخول في الإسلام ، فإذا به يبني هذا الموقف المصيري على سبب غير علمي ، وتوهمات لم تبن على أية مقدمة علمية محققة ، أو مسلمة رصينة .
وهذا الفرض الذي افترضه الباحث : هو أن خطأ ما قد وقع في القرآن الكريم ، لأجل معلومة تاريخية معينة توقف عندها ، تتعلق بأزمنة ضاربة في القِدَم !!
لا بد أن نبين لك أن هذا خلل منهجي في التفكير ، يدل على عدم استيعاب معاني الأديان عامة، والإسلام خاصة .
فالذي يبحث في الأديان يبدأ من العقائد الأساسية التي يقوم عليها ذلك الدين ، ويبحث في البراهين التي جاء بها ليدل على صحته وأحقيته بالاتباع ، وأيضا يبحث في المبادئ والمفاهيم والمقررات التي يصدرها لفهم الحياة الدنيا والآخرة ، ولصلاح الدنيا والآخرة أيضا ، مع اشتمالها على مقومات الإقناع التي تتمكن من تجاوز الحيرة الدائمة في قلب الإنسان وعقله ، ونحو ذلك من القضايا الكلية والمبادئ الأساسية .
ثم يدرس ذلك كله في ضوء شخص النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بهذا الدين ، وما ثبت من سيرته ، وأقواله ، وأفعاله ، وأحواله .
ثم يتوسع فيدرس ما ثبت من سير الأنبياء السابقين ، وحياتهم ، وأعمالهم ، ورسالتهم ، وينظم ذلك كله في سلك واحد من النظر ، والدرس التحليلي.
ومع ذلك ، فإننا نقول لك :
من أين لك أن عدم ذكر شخصية " هامان " في التوراة المطبوعة اليوم ، دليل على عدم وجود هذه الشخصية أصلا في التاريخ الفرعوني ؟!!
وقد اتفق المناطقة وأهل النظر على قاعدة عقلية صحيحة تؤكد أن " عدم الذكر ليس ذكرا للعدم "، بمعنى أن سكوت راو أو كتاب ، عن حدث تاريخي ، أو شخصية تاريخية : لا يعني أن هذا الحدث لم يقع ، أو أن تلك الشخصية معدومة .
ذلك أن التوراة ليست موسوعة تاريخية تدعي حصر تفاصيل تلك الحقبة التاريخية ، هذا ما لم يدعه أحد من فلاسفة اللاهوت اليهودي أنفسهم ، فدعوى انحصار التاريخ فيما ذكرته التوراة فحسب ، وما لم تذكره فهو زيف وكذب وخطأ ، هذه دعوى باطلة ، ليس عليها أي دليل علمي ، وتخالف التوراة نفسها .
ومن ادعى ذلك فهو يتحدث بمنطق يعني أن كل حدث تاريخي ، وكل واقعة ، وكل شخصية ، وكل مرحلة أو عدد أو حديث عن حضارات الأمم البائدة ، أو على الأقل عن الحضارة الفرعونية مثلا ، لم يرد لها ذكر في التوراة ، فهي أخبار مزيفة ، وتاريخ مكذوب غير صحيح !!
وهذا يعني أن كل ما بحث فيه المؤرخون المعاصرون من الغرب أو الشرق عن الحضارة الفرعونية ، وجميع الاكتشافات التاريخية لتلك المرحلة ، وكل المؤلفات الضخمة عن هذه الحضارة ذهبت أدراج الرياح بهذا المنطق الذي تريد التفكير به ، بل وتعترض به على القرآن الكريم !!
إن وقفة تأمل يسيرة منك – أيها السائل الكريم – تدلك على عمق الخلل الذي ينطلق منه سؤالك.
واسمح لنا هنا أن نعكس السؤال عليك فنقول لك :
شخصية تاريخية حقيقية ذكرت في القرآن الكريم ، وهي كبير وزراء فرعون " هامان "، ولم يرد ذكرها في التوراة ، فهذا دليل على نقص العهد القديم ، وتعرضه للضياع والانخرام أثناء مسيرة نقله التاريخية ، وهذا يؤكد ما يؤمن به المسلمون من التحريف الذي أصاب التوراة والإنجيل .
فما جوابك على هذا الكلام ؟!!
أرأيت لو قال لك أحد المسلمين إن العهد القديم كتاب مزيف من أوله إلى آخره ، وأنا لا أومن به لسبب بسيط ، وهو أنه لم يخبر عن المستقبل أن شخصا يدعى " محمدا " سيدعي النبوة في زمن ما ، ويلحق به من الأتباع ما يشكل أعظم أمة بعد الأمة المسيحية . فكيف جوابك عليه أيضا ؟!!
أترى منطقه الذي بنى عليه سؤاله سليما ؟!
أليس هو نفس المنطلق الذي بنيت عليه أنت سؤالك أيضا، وهو أن التوراة بجميع أسفارها كتاب تنبؤات ، فلما سكتت عن التنبؤ بشخص محمد صلى الله عليه وسلم ، دل ذلك على بطلانها ونقصها !! تماما كما تقول لنا أنت : إن التوراة كتاب تاريخ ، فإذا سكتت عن ذكر هامان وزيرا لفرعون ، دل ذلك على بطلان كل الكتب التي تذكره كالقرآن ؟!!
يقول الإمام الرازي رحمه الله :
" قالت اليهود :
أطبق الباحثون عن تواريخ بني إسرائيل وفرعون : أن هامان ما كان موجودا البتة في زمان موسى وفرعون ، وإنما جاء بعدهما بزمان مديد ، ودهر داهر . فالقول بأن هامان كان موجودا في زمان فرعون خطأ في التاريخ ؟
وليس لقائل أن يقول إن وجود شخص يسمى بهامان بعد زمان فرعون لا يمنع من وجود شخص آخر يسمى بهذا الاسم في زمانه ، قالوا : لأن هذا الشخص المسمى بهامان الذي كان موجودا في زمان فرعون ما كان شخصا خسيسا في حضرة فرعون ، بل كان كالوزير له ، ومثل هذا الشخص لا يكون مجهول الوصف والحلية ، فلو كان موجودا لعرف حاله ، وحيث أطبق الباحثون عن أحوال فرعون وموسى أن الشخص المسمى بهامان ما كان موجودا في زمان فرعون ، وإنما جاء بعده بأدوار ؛ علم أن غلطا وقع في التواريخ ؟
قالوا : ونظير هذا أنا نعرف في دين الإسلام أن أبا حنيفة إنما جاء بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، فلو أن قائلا ادعى أن أبا حنيفة كان موجودا في زمان محمد عليه السلام ، وزعم أنه شخص آخر سوى الأول ، وهو أيضا يسمى بأبي حنيفة ، فإن أصحاب التواريخ يقطعون بخطئه فكذا هاهنا ؟
والجواب :
أن تواريخ موسى وفرعون قد طال العهد بها ، واضطربت الأحوال والأدوار ، فلم يبق على كلام أهل التواريخ اعتماد في هذا الباب ، فكان الأخذ بقول الله أولى ، بخلاف حال رسولنا مع أبي حنيفة ، فإن هذه التواريخ قريبة غير مضطربة ، بل هي مضبوطة . فظهر الفرق بين البابين " انتهى من " مفاتيح الغيب " (27/516) .
ورغم ذلك كله ، نؤكد لك أن الاكتشافات التاريخية تؤكد وجود شخصية " هامان " في حياة فرعون ، وكونه من كبار أعوانه ووزرائه ، وقد أكد هذه الاكتشافات مجموعة من الباحثين المختصين .
يقول البروفيسور موريس بوكاي:
" لقد جاء ذكر هامان في القرآن كرئيس المعماريين والبنّائين . ولكن الكتاب المقدس لا يذكر أي شيء عن هامان في عهد فرعون .
وقد قمتُ بكتابة كلمة " هامان " باللغة الهيروغلوفية ( لغة مصر القديمة ) وعرضتها على أحد المختصّين في تاريخ مصر القديمة ، ولكي لا أدعه تحت أي تأثير لم أذكر له أنها وردت في القرآن ، بل قلت له إنها وردت في وثيقة عربية قديمة يرجع تاريخها إلى القرن السابع الميلادي . فقال لي المختصّ : يستحيل أن ترِد هذه الكلمة في أي وثيقة عربية في القرن السابع ؛ لأن رموز الكتابة باللغة الهيروغلوفية لم تكن قد حلّت آنذاك .
ولكي أتحقق من هذا الأمر فقد أوصاني بمراجعة " قاموس أسماء الأشخاص في الإمبراطورية الجديدة " لمؤلفه " أللامند رانك ".
نظرتُ إلى القاموس فوجدت أن هذا الاسم موجود هناك ، ومكتوب باللغة الهيروغلوفية وباللغة الألمانية كذلك . كما كانت هناك ترجمة لمعنى هذا الاسم وهو " رئيس عمّال مقالع الحجر ". وكان هذا الاسم ، أو اللقب ، يطلق آنذاك على الرئيس الذي يتولى إدارة المشاريع الإنشائية الكبيرة .
استنسخت تلك الصفحة من ذلك القاموس وذهبت إلى المختص الذي أوصاني بقراءته ، ثم فتحتُ ترجمة القرآن بالألمانية ، وأريته اسم هامان فيه ، فاندهش ، ولم يستطع أن يقول شيئا .
لو جاء ذكر اسم هامان فرعون في أي كتاب قبل القرآن ، أو لو جاء ذكره في الكتاب المقدس لكان المعترضون على حق ، ولكن لم يرد هذا الاسم حتى نزول القرآن في أي نصّ ، بل ورد فقط على الأحجار الأثرية لمصر القديمة ، وبالخط الهيروغليفي .
إن ورود هذا الاسم في القرآن بهذا الشكل المذهل لا يمكن تفسيره إلا بأنه معجزة ، وليس ثمة أي تعليل آخر . أجل ، إن القرآن أعظم معجزة " انتهى . نقلا عن مقال للباحث التركي أورخان محمد علي في موقع " مجلة حراء " (العدد 7، 2007م) على الرابط الآتي : 
وهو ينقله عن كتاب " موسى وفرعون "، المطبوع باللغة الفرنسية ، لذلك لم نتمكن من النقل عنه مباشرة .
ويقول الباحث التركي هارون يحيى :
" على إثر حل لغز اللغة الهيروغلوفية ، تم الوصول إلى معلومات مهمة تتعلق بموضوعنا… كان اسم هامان مذكورا في هذه الكتابات ، فعلى حجرية موجودة حاليا في متحف هوف في فينا يرد هذا الاسم ، وترد الإشارة إلى كونه من المقربين من فرعون .
أما في قاموس " الأشخاص في الملكية الجديدة " الذي تمت كتابته اعتمادا على جميع المعلومات الواردة في جميع الألواح والرقم والأحجار المصرية القديمة فيرد اسم هامان على أنه كان الشخص المسؤول عن عمال مقالع الأحجار .
وكانت النتيجة التي ظهرت للعيان تشير إلى حقيقة مهمة ، وهي أنه بخلاف زعم معارضي القرآن وأعدائه ، فإن هامان كان يعيش في مصر في عهد النبي موسى عليه السلام ، تماما كما ورد في القرآن ، وكان مقربا من فرعون ، ومسؤولا عن الأعمال الإنشائية والبناء . لذا نرى في القرآن أن فرعون يطلب من هامان بناء صرح عال له ، وهذا يتطابق تماما مع هذه المكتشفات الأثرية والتنقيبية : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ ) القصص/38.

والخلاصة : 

إن اكتشاف اسم هامان في الكتابات المصرية القديمة هدم مزاعم كثيرة باطلة ضد القرآن ، وأثبت أن القرآن من عند الله تعالى ؛ لأنه كان ينقل إلينا بشكل معجز في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم معلومة تاريخية لم يكن في الإمكان معرفتها آنذاك من قبل أي أحد " انتهى من كتابه " المعجزات القرآنية " (ص/73) وقد أحال كلامه هذا إلى مجموعة من المراجع والمصادر باللغة التركية. وللتوسع ينظر كتاب " رمسيس الثاني ، فرعون المجد والانتصار "، لمؤلفه أ. كتشن. كنت، ترجمة أحمد زهير أمين . 

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android