هل يجوز الزواج على نفقة المرأة وبرضاها ؟
حكم الزواج إذا تم على نفقة المرأة وهي راضية بذلك طيبة به نفسها
السؤال: 216633
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
أوجب الله سبحانه على الرجل إذا أراد الزواج بالمرأة أن يدفع لها صداقا , فقال تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) النساء/ 4 ، قال القرطبي في تفسيره (5 /23 ) : ” وَالْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْأَزْوَاجِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ ، أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَتَبَرَّعُوا بِإِعْطَاءِ الْمُهُورِ نِحْلَةً مِنْهُمْ لِأَزْوَاجِهِمْ ” انتهى .
وقال أيضا في تفسيره (5 / (24 : ” هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّدَاقِ لِلْمَرْأَةِ ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ” انتهى .
ثم أجاز الله سبحانه للمرأة أن تتنازل لزوجها عن صداقها كله ، أو بعضه ، فقال تعالى : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء/4.
قال القرطبي في تفسيره (5 /24 ) : ” قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) مُخَاطَبَةٌ لِلْأَزْوَاجِ ، وَيَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا ، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا : جَائِزَةً ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ” انتهى .
وفي تشريع المهر وإلزام الأزواج به حِكَم كثيرة , منها: أن هذا المال المبذول من الرجل لزوجته يدل على شرف عقد النكاح ، وخطورته ومكانته , وهو إعزاز للمرأة وإكرام لها , ويمنع الرجال من التلاعب بالنساء تزوجا وتطليقا , ولذا قال الكاساني رحمه الله : ” لو لم يجب المهر بنفس العقد ، لا يبالي الزوج عن إزالة هذا الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما ؛ لأنه لا يشق عليه إزالته ، لما لم يخف لزوم المهر ، فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النكاح ؛ ولأن مصالح النكاح ومقاصده لا تحصل إلا بالموافقة , ولا تحصل الموافقة إلا إذا كانت المرأة عزيزة مكرمة عند الزوج ، ولا عزة إلا بانسداد طريق الوصول إليها إلا بمال له خَطر [ أي : قيمة ] عنده ؛ لأن ما ضاق طريق إصابته ، يعِز في الأعين ، فيعز به إمساكه ، وما يتيسر طريق إصابته ، يهون في الأعين ، فيهون إمساكه , ومتى هانت في أعين الزوج ، تلحقها الوحشة ، فلا تقع الموافقة ، فلا تحصل مقاصد النكاح ” .
انتهى من ” بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ” (2 / 275) .
من هنا يُعلم : أن المهر لا بد منه في النكاح ، ولو كان شيئا يسيرا , ويجوز للمرأة أن تتنازل عنه لزوجها بعد الزواج , وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم : (150813) .
ثانيا :
أما أن تنفق المرأة على زوجها بعد الزواج ، أو تعطيه مالا ، أو تتكفل له بالسكن ، أو تتحمل تكاليف الزفاف : فهذا لا حرج فيه , لكنه ولا شك يخدش من مكانة الرجل ، ويضعف قوامته على زوجته , فإن الله سبحانه جعل القوامة للرجل على زوجته بأمور , منها: إنفاقه عليها , قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )النساء /34 , قال البغوي في تفسيره (2 / 207) : ” قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) أَيْ : مُسَلَّطُونَ عَلَى تَأْدِيبِهِنَّ ، وَالْقَوَّامُ وَالْقَيِّمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَالْقَوَّامُ أَبْلَغُ ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْمَصَالِحِ وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّأْدِيبِ ، ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) ، يَعْنِي : فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ ، بِزِيَادَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْوِلَايَةِ … ( وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) يَعْنِي: إِعْطَاءَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ” انتهى.
ومن هذه الآية الكريمة استنبط أهل العلم : أن الرجل إذا عجز عن الإنفاق على زوجته ، سقطت قوامته عليها , وإذا سقطت قوامته عليها ، كان لها فسخ النكاح .
قال القرطبي في تفسيره (5 / 169) : ” فَهِم العلماء من قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا : لَمْ يَكُنْ قَوَّامًا عَلَيْهَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَوَّامًا عَلَيْهَا ، كَانَ لَهَا فَسْخُ الْعَقْدِ ، لِزَوَالِ الْمَقْصُودِ الَّذِي شُرِعَ لِأَجْلِهِ النِّكَاحُ ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى ثُبُوتِ فَسْخِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ” انتهى.
ولذلك فإن هذا الأمر – وهو إنفاق الزوجة على زوجها بعد الزواج وتحملها لتكاليف الزواج عدا المهر – وإن كان جائزا ما دامت المرأة راضية بذلك طيبة به نفسها , فإنا لا ننصح الزوج أن يفعل ذلك ، بل ننصحه ، إن كان ذا مال ، أن يتولى هو الإنفاق على بيته وزوجته , وإن لم يكن له مال ، فعليه أن يعمل ليكسب المال ، ثم ينفق على بيته وزوجته , فهذا أفضل عند الله , وأحسن للزوج , وأعون له على قيامه على زوجته , وفيه الأجر العظيم والثواب الكبير .
فقد أخرج مُسْلِمٌ ( 995 )عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : ( دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ , وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك , أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك ).
وأخرج مُسْلِمٍ أيضا (994 ) وغيره عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعًا : ( أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : بَدَأَ بِالْعِيَالِ . ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ ، يُعِفُّهُمُ اللَّهُ ، أَوْ يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ . ”
وَفِي صحيح البخاري (1295) ، وصحيح مسلم (1628) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه : ” ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امْرَأَتِك ) أَيْ فِي فَمِهَا .
وَفِي البخاري ( 55 ) ، ومسلم أيضا ( 1002 ) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً ) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة