0 / 0
20,00411/06/2014

حكم الزواج إذا تم على نفقة المرأة وهي راضية بذلك طيبة به نفسها

السؤال: 216633

هل يجوز الزواج على نفقة المرأة وبرضاها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
أوجب الله سبحانه على الرجل إذا أراد الزواج بالمرأة أن يدفع لها صداقا , فقال تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) النساء/ 4 ، قال القرطبي في تفسيره (5 /23 )  : ” وَالْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْأَزْوَاجِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ ، أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَتَبَرَّعُوا بِإِعْطَاءِ الْمُهُورِ نِحْلَةً مِنْهُمْ لِأَزْوَاجِهِمْ ” انتهى .
وقال أيضا في تفسيره (5 / (24 : ” هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّدَاقِ لِلْمَرْأَةِ ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ” انتهى .
ثم أجاز الله سبحانه للمرأة أن تتنازل لزوجها عن صداقها كله ، أو بعضه ، فقال تعالى : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء/4.
قال القرطبي في تفسيره (5 /24 ) : ” قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) مُخَاطَبَةٌ لِلْأَزْوَاجِ ، وَيَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا ، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا : جَائِزَةً ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ” انتهى .
وفي تشريع المهر وإلزام الأزواج به حِكَم كثيرة , منها: أن هذا المال المبذول من الرجل لزوجته يدل على شرف عقد النكاح ، وخطورته ومكانته , وهو إعزاز للمرأة وإكرام لها , ويمنع الرجال من التلاعب بالنساء تزوجا وتطليقا , ولذا قال الكاساني رحمه الله : ” لو لم يجب المهر بنفس العقد ، لا يبالي الزوج عن إزالة هذا الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما ؛ لأنه لا يشق عليه إزالته ، لما لم يخف لزوم المهر ، فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النكاح ؛ ولأن مصالح النكاح ومقاصده لا تحصل إلا بالموافقة , ولا تحصل الموافقة إلا إذا كانت المرأة عزيزة مكرمة عند الزوج ، ولا عزة إلا بانسداد طريق الوصول إليها إلا بمال له خَطر [ أي : قيمة ] عنده ؛ لأن ما ضاق طريق إصابته ، يعِز في الأعين ، فيعز به إمساكه ، وما يتيسر طريق إصابته ، يهون في الأعين ، فيهون إمساكه , ومتى هانت في أعين الزوج ، تلحقها الوحشة ، فلا تقع الموافقة ، فلا تحصل مقاصد النكاح ” .
انتهى من ” بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ” (2 / 275) .
من هنا يُعلم : أن المهر لا بد منه في النكاح ، ولو كان شيئا يسيرا , ويجوز للمرأة أن تتنازل عنه لزوجها بعد الزواج , وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم : (150813) .
ثانيا :
أما أن تنفق المرأة على زوجها بعد الزواج ، أو تعطيه مالا ، أو تتكفل له بالسكن ، أو تتحمل تكاليف الزفاف : فهذا لا حرج فيه , لكنه ولا شك يخدش من مكانة الرجل ، ويضعف قوامته على زوجته , فإن الله سبحانه جعل القوامة للرجل على زوجته بأمور , منها: إنفاقه عليها , قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )النساء /34 , قال البغوي في تفسيره (2 / 207) : ” قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) أَيْ : مُسَلَّطُونَ عَلَى تَأْدِيبِهِنَّ ، وَالْقَوَّامُ وَالْقَيِّمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَالْقَوَّامُ أَبْلَغُ ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْمَصَالِحِ وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّأْدِيبِ ، ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) ، يَعْنِي : فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ ، بِزِيَادَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْوِلَايَةِ … ( وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) يَعْنِي: إِعْطَاءَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ” انتهى.
ومن هذه الآية الكريمة استنبط أهل العلم : أن الرجل إذا عجز عن الإنفاق على زوجته ، سقطت قوامته عليها , وإذا سقطت قوامته عليها ، كان لها فسخ النكاح .
قال القرطبي في تفسيره (5 / 169) : ” فَهِم العلماء من قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا : لَمْ يَكُنْ قَوَّامًا عَلَيْهَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَوَّامًا عَلَيْهَا ، كَانَ لَهَا فَسْخُ الْعَقْدِ ، لِزَوَالِ الْمَقْصُودِ الَّذِي شُرِعَ لِأَجْلِهِ النِّكَاحُ ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى ثُبُوتِ فَسْخِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ” انتهى.
ولذلك فإن هذا الأمر – وهو إنفاق الزوجة على زوجها بعد الزواج وتحملها لتكاليف الزواج عدا المهر – وإن كان جائزا ما دامت المرأة راضية بذلك طيبة به نفسها , فإنا لا ننصح الزوج أن يفعل ذلك ، بل ننصحه ، إن كان ذا مال ، أن يتولى هو الإنفاق على بيته وزوجته , وإن لم يكن له مال ، فعليه أن يعمل ليكسب المال ، ثم ينفق على بيته وزوجته , فهذا أفضل عند الله , وأحسن للزوج , وأعون له على قيامه على زوجته , وفيه الأجر العظيم والثواب الكبير .
فقد أخرج مُسْلِمٌ ( 995 )عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : ( دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ , وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك , أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك ).
وأخرج مُسْلِمٍ أيضا (994 ) وغيره عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعًا : ( أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : بَدَأَ بِالْعِيَالِ . ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ ، يُعِفُّهُمُ اللَّهُ ، أَوْ يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ . ”
وَفِي صحيح البخاري (1295) ، وصحيح مسلم (1628) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه : ” ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امْرَأَتِك ) أَيْ فِي فَمِهَا .
وَفِي البخاري ( 55 ) ، ومسلم أيضا ( 1002 ) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً ) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android