تنزيل
0 / 0

أخوه يحسده ، ويسيء إليه ؟!

السؤال: 216634

أخ زوجي الكبير يغار من زوجي لدرجة كبيرة جداً ، للعلم هو ليس لديه أطفال ، ولكن نحن لم نحسسه بأي نقص ، وفي الآونة الأخيرة : ازدادت غيرته لدرجة أنه يسب زوجي لأي أحد كان ، والسبب أنهما يشتغلان في تجارة الإليكترونيات ، وأخو زوجي الكبير كان يستورد بعض الآلات من دبي ، وزوجي هذا الشهر هو كذلك استورد آلات مخالفة تماما لما يجلبه هو ، والآن يسبه لكل من هب ودب ، مع أن كلا منهما باع كل شيء استورده ، يعني هو يحسده ، لا يريده أن يتقدم . والبارحة قام جار لنا بدعوتهما للعشاء ، ولما عرف أخوه أن زوجي سيذهب ، قال له : لن أذهب معك ، فماذا نفعل ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى البخاري (13) ومسلم (45) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   ( قَالَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ
لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) ، وفي رواية للنسائي وغيره ـ : ( مَا يُحِبُّ
لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ ) .

فإذا كان ذلك في حق الأخوة الإيمانية : أن مقتضاها : محبة الخير للمؤمنين ، كما يحب
المؤمن الخير لنفسه ؛ فكيف إذا كانت أخوة إيمان ، وأخوة نسب كذلك ؟!

لكن الدنيا المفرقة ، وشح النفوس وهواها ، يورد العبد الموارد ، نسأل الله السلامة
.

وشر أدواء القلب ، وأقتلها لصاحبه ، وأقطعها لرحمه : داء الحسد ؛ فكم أهلك من أمة
قبلنا ، وكم أهلك من الناس في أمتنا .

عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ
قَبْلَكُمْ : الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَالْبَغْضَاءُ ؛ هِيَ الْحَالِقَةُ ؛
حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ . وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
: لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا
فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ) رواه أحمد (1415)
وغيره ، وحسنه الألباني .

قال ابن القيم رحمه الله : ” والحاسد عدو النعم ، وهذا الشر هو من نفس الحاسد
وطبعها ، ليس هو شيئا اكتسبته من غيرها ، بل هو من خبثها وشرها ، بخلاف السحر ؛
فإنه إنما يكون باكتساب أمور أخرى ، واستعانة بالأرواح الشيطانية “. انتهى من
“بدائع الفوائد” (2 /458) .

على أن المعلوم لكل عاقل ، والمشاهد : أنه ما استدعت شرور النفوس ، وانتزعت ضغائنها
وخبثها وأحقادها : بمثل الإحسان إليها ؛ وقد قال الله عز وجل : ( وَلَا تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فصلت/34-36.

قال ابن كثير رحمه الله : ” أَيْ : فَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ، (
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) أَيْ: مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ فَادْفَعْهُ عَنْكَ
بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ ، كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا
عَاقَبْتَ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيكَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ .

وَقَوْلُهُ: ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ
حَمِيمٌ ) وَهُوَ الصَّدِيقُ ، أَيْ : إِذَا أَحْسَنْتَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ
إِلَيْكَ ، قَادَتْهُ تِلْكَ الْحَسَنَةُ إِلَيْهِ إِلَى مُصَافَاتِكَ
وَمَحَبَّتِكَ ، وَالْحُنُوِّ عَلَيْكَ ، حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ لَكَ
حَمِيمٌ ـ أَيْ : قَرِيبٌ إِلَيْكَ ـ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَيْكَ ، وَالْإِحْسَانِ
إِلَيْكَ.

ثُمَّ قَالَ: ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا ) أَيْ : وَمَا يَقْبَلُ
هَذِهِ الْوَصِيَّةَ وَيَعْمَلُ بِهَا إِلَّا مَنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ
يَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ ، ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) أَيْ :
ذُو نَصِيبٍ وَافِرٍ مِنَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ
الْآيَةِ : أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ ،
وَالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ ، وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ ، فَإِذَا
فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَخَضَعَ لَهُمْ
عَدُوُّهُمْ ، كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ .

وَقَوْلُهُ: ( وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
) أَيْ : إِنَّ شَيْطَانَ الْإِنْسِ رُبَّمَا يَنْخَدِعُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ ،
فَأَمَّا شَيْطَانُ الْجِنِّ فَإِنَّهُ لَا حِيلَةَ فِيهِ إِذَا وَسْوَسَ إِلَّا
الِاسْتِعَاذَةَ بِخَالِقِهِ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَيْكَ ، فَإِذَا اسْتَعَذْتَ
بِاللَّهِ وَلَجَأْتَ إِلَيْهِ ، كَفَّهُ عَنْكَ وَرَدَّ كَيْدَهُ . وَقَدْ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ
يَقُولُ : ” أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ ” .

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْمَقَامَ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا
فِي “سُورَةِ الْأَعْرَافِ” عِنْدَ قَوْلِهِ : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ . وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ
الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )، وَفِي سُورَةِ
الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ قَوْلِهِ : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ . وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ
الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ )؛ لَكِنَّ الَّذِي ذُكِرَ
فِي الْأَعْرَافِ أَخَفُّ عَلَى النَّفْسِ مِمَّا ذُكِرَ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ
[يعني : فصلت] ؛ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنِ الْجَاهِلِ وَتَرْكَهُ : أَخَفُّ عَلَى
النَّفْسِ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْمُسِيءِ ، فَتَتَلدَّد النَّفْسُ مِنْ ذَلِكَ
، وَلَا تنقَادَ لَهُ إِلَّا بِمُعَالَجَةٍ ، وَيُسَاعِدُهَا الشَّيْطَانُ فِي
هَذِهِ الْحَالِ، فَتَنْفَعِلُ لَهُ ، وَتَسْتَعْصِي عَلَى صَاحِبِهَا ،
فَتَحْتَاجُ إِلَى مُجَاهَدَةٍ وَقُوَّةِ إِيمَانٍ ؛ فَلِهَذَا أَكَّدَ ذَلِكَ
هَاهُنَا بِضَمِيرِ الْفَصْلِ وَالتَّعْرِيفِ بِاللَّامِ فَقَالَ : ( فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) !! “. انتهى من “تفسير ابن كثير”
(7/181) .

وفي صحيح مسلم (2558) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إِنَّ لِي قَرَابَةً : أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ،
وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ
عَلَيَّ ؟!

فَقَالَ : ( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ؛ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ،
وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ ، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ )
.

قال النووي رحمه الله :

” ( الْمَلُّ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ : الرَّمَادُ الْحَارُّ ، وَ ( تُسِفُّهُمْ )
بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ ، وَ ( الظَّهِيرُ )
الْمُعِينُ ، وَالدَّافِعُ لِأَذَاهُمْ . وَقَوْلُهُ : ( أَحْلُمُ عَنْهُمْ )
بِضَمِّ اللَّامِ . ( وَيَجْهَلُونَ ) أَيْ : يُسِيئُونَ ، وَالْجَهْلُ هُنَا
الْقَبِيحُ مِنَ الْقَوْلِ ، وَمَعْنَاهُ كَأَنَّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ
الْحَارَّ ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْأَلَمِ بِمَا يَلْحَقُ
آكِلِ الرَّمَادَ الْحَارَّ مِنَ الْأَلَمِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى هَذَا الْمُحْسِنِ
، بَلْ يَنَالُهُمُ الْإِثْمُ الْعَظِيمُ فِي قَطِيعَتِهِ ، وَإِدْخَالِهِمُ
الْأَذَى عَلَيْهِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ إِنَّكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ
تُخْزِيهِمْ وَتُحَقِّرُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ لِكَثْرَةِ إِحْسَانِكَ وَقَبِيحِ
فِعْلِهِمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالْحَقَارَةِ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ كَمَنْ يُسَفُّ
الْمَلُّ . وَقِيلَ : ذَلِكَ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ مِنْ إِحْسَانِكَ كَالْمَلِّ
يُحَرِّقُ أَحْشَاءَهُمْ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ “. انتهى من “شرح مسلم” (16/89) .

والحاصل :

أنه لا ينفع زوجك في هذه المحنة ، وفي كل أمره ، مثل أن يتقي الله في أخيه ، ويجتهد
في تجنب إساءته وأذاه قدر طاقته ، ثم فوق ذلك مقام : أن يجاهد نفسه على الإحسان
إليه ، والحلم عليه ، وعدم مقابلة إساءته بإساءة ، وجهله بجهل ، وبغيه ببغي مثله ،
وليستعن بالله على ذلك ، ويتعوذ بالله من شره وبغيه وحسده .

وللاستزادة ، يرجى الاطلاع على أجوبة
الأسئلة أرقام : (12205)
، ( 180892) .

والله أعلم.

 

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android