0 / 0
79,29214/06/2014

صور وأمثلة المزاح الجائز وحكم النكات الخيالية

السؤال: 217461

قرأت في فتاويكم أن المزاح يجوز إن كان حقاً ، فهل يمكنكم شرح ذلك من خلال ضرب الأمثلة ؟ وهل يجوز المزاح بقول كلام ساخر ، كأن يشير الشخص من خلال نبرة الصوت أنّ ما يعنيه خلاف ما يقوله ؟ وهل يجوز ذكر النكات التي تعتمد على حالات خيالية ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
من المعلوم المقرر عند جميع المسلمين : أن الكذب حرام كله ، بل قبح الكذب وتحريمه أمر قد اتفقت عليه الأديان ، وتقرر في الفطر السليمة ، أيا كانت ملة صاحبه !!
والواجب على المسلم أن يكون صادقا في كلامه في جميع أحواله .

قال الله تعالى :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ   التوبة / 119 .

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ‏  إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا ، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا   رواه البخاري ( 6094 ) ، ومسلم (2607) .

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :   أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا ؛ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ  رواه البخاري ( 34 ) ، ومسلم (58) .

ثانيا :

ثبت النهي عن الكذب في المزاح في السنة المطهرة :

فعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:   وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ ، وَيْلٌ لَهُ ، وَيْلٌ لَهُ  رواه أبو داود (4990 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود " ( 4990) .

كما جاء أيضا الحث على ترك الكذب في المزاح :

فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ   رواه أبو داود ( 4800 ) ، وحسنه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " برقم (273) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ ‏:‏  " لاَ يَصْلُحُ الْكَذِبُ فِي جِدٍّ وَلاَ هَزْلٍ ، وَلاَ أَنْ يَعِدَ أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ شَيْئًا ثُمَّ لاَ يُنْجِزُ لَهُ‏ " رواه البخاري في " الأدب المفرد " (387 ) .

ثالثا :

المزاح من حيث الصدق والكذب له عدة صور :

الصورة الأولى : أن يكون المزاح صدقا لا كذب فيه . فهذا المزاح : الأصل فيه الإباحة ، متى كان في الوقت بعد الوقت ، ولم يغلب على صاحبه ، أو يؤد إلى مفسدة راجحة .

قال النووي رحمه الله تعالى :

" قال العلماء: المزاح المنهيّ عنه ، هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه ، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ، ويشغل عن ذكر الله تعالى والفكر في مهمات الدين ، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء ، ويورث الأحقاد ، ويسقط المهابة والوقار . فأما ما سلم من هذه الأمور ، فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعله في نادر من الأحوال لمصلحة ، وتطييب نفس المخاطب ومؤانسته ، وهذا لا مانع منه قطعا ، بل هو سنة مستحبة إذا كان بهذه الصفة " .

انتهى من  " الأذكار " ( ص 377 ) .

الصورة الثانية : أن يكون المزاح كذبا ؛ فهذه الصورة من المزاح ورد النهي عنها كما في حديث بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ السابق ذكره .

سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" عمن يتحدث بين الناس بكلام وحكايات مفتعلة ، كلها كذب ؛ هل يجوز ذلك ؟

فأجاب : أما المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس ، أو لغرض آخر : فإنه عاص لله ورسوله وقد روى بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ؛ ويل له ، ويل له ، ثم ويل له ) وقد قال ابن مسعود: إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ، ولا يعد أحدكم صبيَّه شيئا ثم لا ينجزه .

وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على مسلم وضرر في الدين ؛ فهو أشد تحريما من ذلك . وبكل حال : ففاعل ذلك مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك . والله أعلم " .

 انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 32 / 255 – 256 ) .

وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 26 / 52 ترقيم الشاملة ) :

" سؤال : هل إذا مثلا كذبنا كذب مزح ، حرام أم لا ؟

الجواب : نعم ، حرام ، بل كبيرة من كبائر الذنوب ، ولو كان مزحا .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

عبد الله بن قعود، عبد الله بن غديان، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى .

الصورة الثالثة : المزاح بذكر قصص مع عدم التيقن من صدقها وهي ممكنة الحدوث ، والظاهر من صنيع أهل العلم جواز هذه الصورة ، فنجد في كتب بعض أهل العلم ذكر طرائف مضحكة منسوبة لأشخاص في القرون السابقة ، مع تعذر القطع بصحتها ، فليس فيها تعمد للكذب ، ولا نقل له ، وإن لم يتحر ناقلها الصواب والصدق فيما نقله .

قال الشيخ عبد المحسن الزامل :

" فالأحوال – للطرائف والنكت – ثلاثة :

حال نعلم صحته ، هذا لا بأس به ، بشرط أن يكون المحكي ليس محرما أو استهزاء أو غيبة ، لا بد أن يَسلم من هذه الأشياء ، فإن كان حكاية مباحة لا محذور فيها ، وهي واقعة ، أو يغلب على الظن وقوعها : لا بأس.

الحال الثاني : يعلم أنها كذب وليست واقعة ، هذه لا يجوز حكايتها .

الحال الثالث : يجهل ، لا يدري : هذه لا بأس بها .

ولهذا قال النبي – عليه الصلاة والسلام – : ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) ، ومن الحديث عنهم العجائب والغرائب الواقعة ، فأمر بالحديث ، وأخبر أنه ما يحكى عنهم من الحكايات فيه ما هو أعجب .

وقد روى أبو داود بإسناد جيد أنه – عليه الصلاة والسلام – كان يحدث عن بني إسرائيل بعد صلاة العشاء ، لا يقوم إلى عُظْم ، إلا إلى صلاة .

هذا يبين أنه ربما حدثهم بعد صلاة العشاء ليلا طويلا ، عليه الصلاة والسلام .

وهذه الحكايات التي لا تُعلم ، كما تقدم أنها لا بأس بها ، إذا لم يُعلم كذبها ، كما نبه على ذلك ابن كثير وجماعة من أهل العلم " انتهى.

الصورة الرابعة : الطرائف الخيالية ، والتي يعلم المستمعون أنها خيال ، ولم تحدث في الواقع ..

فهذه الطرائف المسلية إن كانت تخترع أو تقص لمصلحة مرجوة ، كاستعمالها وسيلة للتربية والتعليم ونحو ذلك ، فقد أفتى عدد من أهل العلم بجوازها .

قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى :

" هذه القصص التمثيلية ، من قبيل ما كتبه علماؤنا المتقدمون من المقامات التي تُقرأ في المدارس الدينية وغير الدينية ، كمقامات البديع ومقامات الحريري … فهو يقول – أي الحريري – إنه لم يعرف عن أحد من علماء الأمة إلى زمنه أنه حرم أمثال تلك القصص التي وضعت عن الحيوانات ، ككتاب "كليلة ودمنة" وغيره ؛ لأن المراد بها الوعظ والفائدة ، وصورة الخبر في جزئياتها غير مرادة ، وما سمعنا بعده أيضا أن أحداً من العلماء حرم قراءة مقاماته " انتهى من  " فتاوى الإمام محمد رشيد رضا " ( 3 / 1091 – 1092 ) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :

" الإنسان إذا ضرب مثلاً بقصة ، مثل أن يقول : أضرب لكم مثلاً برجل قال كذا أو فعل كذا وحصلت ونتيجته كذا وكذا ، فهذه لا بأس بها ، حتى إن بعض أهل العلم قال في قول الله تعالى : ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ) الكهف / 32 . قال: هذه ليست حقيقة واقعة ، وفي القرآن : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) الزمر / 29 . فإذا ذكر الإنسان قصة لم ينسبها إلى شخص معين ، لكن كأن شيئاً وقع ، وكانت العاقبة كذا وكذا ، فهذا لا بأس به.

أما إذا نسبه إلى شخص وهي كذب : فهذا حرام تكون كذبة ، وكذلك إذا كان المقصود بها إضحاك القوم ، فإنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له ) انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (77 / 23 ترقيم الشاملة).

وسُئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى :

" انتشر عند بعض الأخوة الطرائف التي فيها الكذب لأجل إضحاك الناس وعند مناصحتهم يقولون : يجوز أن تقول الطرفة إذا كان بالإمكان أن تقع ، ولو لم تعلم بها.. فهل هذا صحيح؟

فأجاب :

تُطلق الطرائف على الحكايات الغريبة ، والغالب أنها تكون واقعية ، وقد تكون خيالية يُقصد منها ضرب المثل كما فعل الحريري في مقاماته ، وكذا غيره ممن كتب في هذه الطرائف .

ولكن ورد النهي عن الكذب لأجل إضحاك الناس ، فقال صلى الله عليه وسلم: ( ويل للذي يُحدث فيكذب ليضحك الناس، ويل له، ويل له ) .

فأما إذا عرف الحاضرون أن هذا تخيل ليس بواقع ، ولكن يُمكن أن يقع ، فيكون فيه تحذير مما قد يقع مثل ذلك ، أو فيه استعداد لمثل هذه الوقائع فيكون ذلك على الإباحة . والله أعلم " انتهى .

ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم ( 174829 ) .

فالذي يفهم من فتوى الشيخين ابن عثيمين وابن جبرين رحمهما الله تعالى ؛ أن هذا الجواز مقيد بكون هذه القصة الخيالية تساق للفائدة والعبرة ، وغير منسوبة لشخص بعينه ، أمّا إذا نسبت لشخص معين أو اخترعت لمجرد الإضحاك فهذا لا يجوز .

وإلى نحو هذا التفصيل ذهب من قبل : ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله تعالى ؛ حيث قال :

" في الحديث الصّحيح ( حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) ، وفي رواية ( فإنّه كانت فيهم أعاجيب ) : هذا دالّ على حلّ سماع تلك الأعاجيب للفُرجة ، لا للحجّة اهـ . ومنه يؤخذ حلّ سماع الأعاجيب والغرائب ، من كلّ ما لا يتيقّن كذبه ، بقصد الفرجة ؛ بل وما يتيقّن كذبه ، لكن قصد به ضرب الأمثال والمواعظ وتعليم نحو الشّجاعة على ألسنة آدميّين أو حيوانات " انتهى من " تحفة المحتاج بشرح المنهاج " ( 9 / 398 ) .

الصورة الخامسة : ما ذكر في السؤال : " وهل يجوز المزاح بقول كلام ساخر كأن يشير الشخص من خلال نبرة الصوت أنّ ما يعنيه خلاف ما يقوله ؟ " ، فالذي فهمناه من هذه الصورة ؛ مثل أن يسأل رجل صديقه هل عندك كذا ؟ فيجيب الصديق : لا ؛ لكن بنبرة صوتية مازحة يفهم منها السائل أن المعنى : نعم .
فهذه الصورة إذا نظرنا فيها للكلمة من حيث هي فهي كذب ؛ لأن " لا " عكس " نعم " .

لكن إذا نظرنا إليها من حيث فهم السامع قد لا تكون كذبا ، لأن السامع وصل إليه المعنى الصادق ، ولأن الكلمة في اللغة قد تكتسب معنى آخرا بالنظر إلى الحال الذي قيلت فيه والطريقة التي نطقت بها , فمثلا كلمة " ما هذا ؟ " هي بمعنى السؤال ، وقد ينطقها الإنسان أحيانا بنبرة صوتية معينة فيفهم منها التعجب ، أو الإنكار ، أو نحو ذلك .

ويشبه هذا ما روي عن الإمام الشعبي رحمه الله تعالى ؛ أنّ رجلا مغفّلا لقي الشعبي ومعه امرأة تمشي ، فقال : أيّكما الشعبي ؟ قال : هذه . وأهل العلم يذكرون هذه القصة ، وقد ذكرها الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في سير أعلام النبلاء ( 4 / 311 ) ولم يعلق عليها بشيء .

فهذه الصورة مشتبهة ، ولم نقف على نص لأهل العلم فيها ، والأقرب فيها الرخصة والجواز ، خاصة مع قوة القرينة وظهورها في بيان المراد ؛ وإن كان الأولى تركها اتقاء للشبهات ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ‏ الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ …   البخاري ( 52 ) .‏

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android