0 / 0

اقتطعوا من مال أبيهم جزءا دون أن يعلم ، وحفظوه له لوقت حاجته إليه

السؤال: 217964

ورثنا أنا وإخوتي وأبي ذهبا من أمي المتوفية ؛ فقمنا ببيع هذا الذهب ، وقسمنا بيننا المال قسمة شرعية ، ولكن لم نعط أبي كل ماله ؛ لأنه مسرف ؛ فقمنا بوضع المال المتبقي لأبي في حسابي البنكي ؛ لأدخره له ، وأعطيه له في حالة المرض ، مع العلم أن عمره 85 سنة ، والأب لا يعلم بهذا المال الذي هو ماله أنه بحوزتي هو يظن أنه أخذ حقه كله .
فهل يجوز ما قمنا به ؟
كما أن الأب عنده خادمة ولم يعطيها أجرها مدة سنتين ، فهل يجوز أن أعطيها أجر السنتين من ماله الذي عندي دون أن أعلمه بشيء ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

إذا كان الوالد غير رشيدٍ ، لا يحسن التصرف في ماله إلى حد السفه : جاز الحجر عليه , ولا يجوز تمكينه من المال .
وقد روى ابن أبي شيبة في “مصنفه” (4/ 362) عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ: ” كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ ، أَوْ أَنْكَرَ عَقْلُهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: ” إِذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ ، أَوْ أَنْكَرَ عَقْلُهُ : حُجِرَ عَلَيْهِ ” .
راجع جواب السؤال رقم : (72364) ، (202454) .
ثانيا :
الأصل أن الحجر لا يجوز إلا بحكم الحاكم الشرعي ، جاء في “الموسوعة الفقهية” (17/ 96-97) :
” ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ حُكْمٍ حَاكِمٍ، كَمَا أَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ أَيْضًا .
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ السَّفِيهَ لاَ يَحْتَاجُ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي ؛ لأِنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ السَّفَهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَال، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ، كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ ” انتهى .

وعلى ذلك ، فلا يحق لأحد أن يحجر على غيره في ماله ، لسفهه ، سواء كان قريبا أو بعيدا ، إلا بعد حكم القاضي الشرعي .
لكن إذا تعذر الترافع إلى المحكمة في ذلك ، أو لم يكن القضاء في بلادكم يحكم في ذلك بمقتضى حكم الشرع ، جاز لأبناء من ثبت عليه السفه ، أو القائمون عليه : أن يحفظوا له ماله ، ويمنعوه من تبديده ، وينفقوا عليه منه ، ويقضوا له به حاجاته ، ويتصرفوا فيه بمقتضى مصلحته .
بشرط ألا يستبد بعض أبنائه بالحكم في ذلك ، والتصرف فيه ، بل ينبغي أن يكون أمر سفهه وإتلافه للمال ، معلوما مقررا للجميع ، ولا بأس أن يفوضوا أحدهم بحفظ مال والدهم ؛ ومتى كانت لصاحب المال حاجة فيه ، أو رغب في التصرف فيه على وجه شرعي صحيح ، لم يحل منعه من التصرف في ماله ، ولا حبسه عنه .

فإذا غلب على ظنكم أنه يمكنكم إقناعه بما فعلتموه ، وأنكم تريدون حفظ المال وعدم إنفاقه لكبر سنه واحتياجه إلى من يرعى له ماله ، ويحفظه له : وجب عليكم ذلك .

وإن غلب على ظنكم أنه لا يقنع بما تقولون ، ولا يرضى لأحد منكم بالوصاية على ماله ، وربما أدى إعلامه بذلك إلى فساد ذات البين ، أو غضبه عليكم ، وقد تبين لكم سفهه في الإنفاق وإسرافه الشديد : فلا يلزمكم إعلامه ، ولا حرج عليكم في حفظ ماله ، على ما سبق .
ثالثا :
يجوز لكم دفع أجرة الخادمة المتأخرة من مال والدكم الذي ادخرتموه له ؛ لأنكم المسئولون عن والدكم وعن تصرفاته – والحال ما تقدم – وخاصة مع كبر سنه ،

والواجب رد الظلم عن المظلوم ، ونصرته ، وإيفاؤه حقه عند الاستطاعة .
فإذا كانت هذه الخادمة تقوم على خدمة والدكم ، وهي إنما تأخذ أجرتها منه ، فمنعها حقها ولم يعطها أجرتها : فلكم أن تعطوها أجرتها من ماله ، بعد أن تحاولوا أن تقنعوه بدفع الأجرة لها ، وتذكروه بالله تعالى ، وتخوفوه من الظلم وعاقبة أكل أموال الناس بالباطل في الدنيا والآخرة .
فإن أبى إعطاءها حقها ، فلكم أن تعطوها أجرتها المتأخرة من ماله ، لأن هذا حق لزمه لمصلحته ، وهو أيضا من جملة النفقة عليه من ماله ، وولي السفيه يقوم مقامه ، قال تعالى : ( فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) البقرة/ 282.
قال السعدي رحمه الله :
” احتوت هاتان الآيتان ، على إرشاد الباري عباده في معاملاتهم إلى حفظ حقوقهم ، بالطرق النافعة ، والإصلاحات التي لا يقترح العقلاء أعلى ولا أكمل منها، فإن فيها فوائد كثيرة منها : …, ومنها: ثبوت الولاية على القاصرين ، من الصغار والمجانين ، والسفهاء ونحوهم .
ومنها: أن الولي يقوم مقام موليه ، في جميع اعترافاته المتعلقة بحقوقه ” .
انتهى مختصرا من ” تفسير السعدي” (ص 959-960) .

وينظر للفائدة جواب الأسئلة : (27068) ، (138048) ، (179611) .
رابعا :
لا يجوز وضع المال في البنك ، مقابل فوائد ربوية ؛ فإن ذلك من كبائر الذنوب ، ولكن إذا اضطر المسلم إلى وضع المال في البنك ، لأنه لم يجد وسيلة يحفظ بها ماله إلا بوضعه فيه ، فلا حرج عليه في ذلك من أجل الضرورة ، ولكن من غير تحصيل فائدة ربوية ، وعليه أن يبحث عن مصرف إسلامي ، فيتعامل معه ، إن كان يوجد في بلده .
وينظر جواب السؤال رقم : (23346) ، (82669) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android