ورثنا أنا وإخوتي وأبي ذهبا من أمي المتوفية ؛ فقمنا ببيع هذا الذهب ، وقسمنا بيننا المال قسمة شرعية ، ولكن لم نعط أبي كل ماله ؛ لأنه مسرف ؛ فقمنا بوضع المال المتبقي لأبي في حسابي البنكي ؛ لأدخره له ، وأعطيه له في حالة المرض ، مع العلم أن عمره 85 سنة ، والأب لا يعلم بهذا المال الذي هو ماله أنه بحوزتي هو يظن أنه أخذ حقه كله .
فهل يجوز ما قمنا به ؟
كما أن الأب عنده خادمة ولم يعطيها أجرها مدة سنتين ، فهل يجوز أن أعطيها أجر السنتين من ماله الذي عندي دون أن أعلمه بشيء ؟
اقتطعوا من مال أبيهم جزءا دون أن يعلم ، وحفظوه له لوقت حاجته إليه
السؤال: 217964
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إذا كان الوالد غير رشيدٍ ، لا يحسن التصرف في ماله إلى حد السفه : جاز الحجر عليه , ولا يجوز تمكينه من المال .
وقد روى ابن أبي شيبة في “مصنفه” (4/ 362) عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ: ” كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ ، أَوْ أَنْكَرَ عَقْلُهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: ” إِذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ ، أَوْ أَنْكَرَ عَقْلُهُ : حُجِرَ عَلَيْهِ ” .
راجع جواب السؤال رقم : (72364) ، (202454) .
ثانيا :
الأصل أن الحجر لا يجوز إلا بحكم الحاكم الشرعي ، جاء في “الموسوعة الفقهية” (17/ 96-97) :
” ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ حُكْمٍ حَاكِمٍ، كَمَا أَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ أَيْضًا .
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ السَّفِيهَ لاَ يَحْتَاجُ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي ؛ لأِنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ السَّفَهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَال، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ، كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ ” انتهى .
وعلى ذلك ، فلا يحق لأحد أن يحجر على غيره في ماله ، لسفهه ، سواء كان قريبا أو بعيدا ، إلا بعد حكم القاضي الشرعي .
لكن إذا تعذر الترافع إلى المحكمة في ذلك ، أو لم يكن القضاء في بلادكم يحكم في ذلك بمقتضى حكم الشرع ، جاز لأبناء من ثبت عليه السفه ، أو القائمون عليه : أن يحفظوا له ماله ، ويمنعوه من تبديده ، وينفقوا عليه منه ، ويقضوا له به حاجاته ، ويتصرفوا فيه بمقتضى مصلحته .
بشرط ألا يستبد بعض أبنائه بالحكم في ذلك ، والتصرف فيه ، بل ينبغي أن يكون أمر سفهه وإتلافه للمال ، معلوما مقررا للجميع ، ولا بأس أن يفوضوا أحدهم بحفظ مال والدهم ؛ ومتى كانت لصاحب المال حاجة فيه ، أو رغب في التصرف فيه على وجه شرعي صحيح ، لم يحل منعه من التصرف في ماله ، ولا حبسه عنه .
فإذا غلب على ظنكم أنه يمكنكم إقناعه بما فعلتموه ، وأنكم تريدون حفظ المال وعدم إنفاقه لكبر سنه واحتياجه إلى من يرعى له ماله ، ويحفظه له : وجب عليكم ذلك .
وإن غلب على ظنكم أنه لا يقنع بما تقولون ، ولا يرضى لأحد منكم بالوصاية على ماله ، وربما أدى إعلامه بذلك إلى فساد ذات البين ، أو غضبه عليكم ، وقد تبين لكم سفهه في الإنفاق وإسرافه الشديد : فلا يلزمكم إعلامه ، ولا حرج عليكم في حفظ ماله ، على ما سبق .
ثالثا :
يجوز لكم دفع أجرة الخادمة المتأخرة من مال والدكم الذي ادخرتموه له ؛ لأنكم المسئولون عن والدكم وعن تصرفاته – والحال ما تقدم – وخاصة مع كبر سنه ،
والواجب رد الظلم عن المظلوم ، ونصرته ، وإيفاؤه حقه عند الاستطاعة .
فإذا كانت هذه الخادمة تقوم على خدمة والدكم ، وهي إنما تأخذ أجرتها منه ، فمنعها حقها ولم يعطها أجرتها : فلكم أن تعطوها أجرتها من ماله ، بعد أن تحاولوا أن تقنعوه بدفع الأجرة لها ، وتذكروه بالله تعالى ، وتخوفوه من الظلم وعاقبة أكل أموال الناس بالباطل في الدنيا والآخرة .
فإن أبى إعطاءها حقها ، فلكم أن تعطوها أجرتها المتأخرة من ماله ، لأن هذا حق لزمه لمصلحته ، وهو أيضا من جملة النفقة عليه من ماله ، وولي السفيه يقوم مقامه ، قال تعالى : ( فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) البقرة/ 282.
قال السعدي رحمه الله :
” احتوت هاتان الآيتان ، على إرشاد الباري عباده في معاملاتهم إلى حفظ حقوقهم ، بالطرق النافعة ، والإصلاحات التي لا يقترح العقلاء أعلى ولا أكمل منها، فإن فيها فوائد كثيرة منها : …, ومنها: ثبوت الولاية على القاصرين ، من الصغار والمجانين ، والسفهاء ونحوهم .
ومنها: أن الولي يقوم مقام موليه ، في جميع اعترافاته المتعلقة بحقوقه ” .
انتهى مختصرا من ” تفسير السعدي” (ص 959-960) .
وينظر للفائدة جواب الأسئلة : (27068) ، (138048) ، (179611) .
رابعا :
لا يجوز وضع المال في البنك ، مقابل فوائد ربوية ؛ فإن ذلك من كبائر الذنوب ، ولكن إذا اضطر المسلم إلى وضع المال في البنك ، لأنه لم يجد وسيلة يحفظ بها ماله إلا بوضعه فيه ، فلا حرج عليه في ذلك من أجل الضرورة ، ولكن من غير تحصيل فائدة ربوية ، وعليه أن يبحث عن مصرف إسلامي ، فيتعامل معه ، إن كان يوجد في بلده .
وينظر جواب السؤال رقم : (23346) ، (82669) .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة