0 / 0
12,06817/08/2014

التوفيق بين الرحمة التي جاء بها الإسلام وبين قطع النبات وقتل الحيوان في الصيد

السؤال: 219060

كيف يمكن التوفيق بين الآية “وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين” ، وبين عملية استخراج عطر العود من الشجر ، والذي يتم بطريقة عنيفة ، وبين عملية الحصول على العنبر الذي لا يتم إلا بقتل الغزلان ، والتي تقتل عادة فقط لهذا السبب ، وليس من أجل لحومها، بما أنّ كلمة العالمين تشمل عالم الحيوان والنبات ؟
وإذا كان ذلك جائزاً فهل يجوز أكل لحومها إذا كان الذي قتلها من غير المسلمين أم هل هناك شروط معينة حتى تحل لنا ؟
وهل تندرج هذه الأفعال تحت إيذاء الحيوان والنبات أم تحت باب الانتفاع بهم بالرغم من أنّ ذلك يتم من باب الرفاهية وعدم وجود الحاجة لذلك ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
قول الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) الأنبياء /107.
المشهور عند أهل التفسير أنّ المقصود بـ ( لِّلْعَالَمِينَ ) هنا من يعقل ، ثم اختلفوا هل المقصود به هم المؤمنون فقط أم عموم الإنس والجن مؤمنهم وكافرهم .
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى :
” وقوله ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ وما أرسلناك يا محمد إلى خلقنا إلا رحمة لمن أرسلناك إليه من خلقي‏ .‏
ثم اختلف أهل التأويل في معنى هذه الآية ؛ أجميع العالم الذي أرسل إليهم محمد أريد بها ، مؤمنهم وكافرهم‏ ؟‏ أم أريد بها أهل الإيمان خاصة دون أهل الكفر ‏؟‏
فقال بعضهم‏:‏ عنى بها جميع العالم ؛ المؤمن والكافر …
وقال آخرون ‏:‏ بل أريد بها أهل الإيمان دون أهل الكفر …
وأولى القولين في ذلك بالصواب‏ القول الذي روي عن ابن عباس ، وهو أن الله أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالمين ، مؤمنهم وكافرهم‏ ؛ فأما مؤمنهم فإن الله هداه به وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة ‏، وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينـزل بالأمم المكذبة رسلها من قبله‏ ” .
انتهى من ” تفسير الطبري ” ( 16 / 439 – 441) .
ورأى بعض المفسرين ؛ أنه يحتمل دخول المخلوقات الحية غير العاقلة في لفظ ( لِّلْعَالَمِينَ ) .
قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى :
” والتعريف في ( لِّلْعَالَمِينَ ) لاستغراق كل ما يصدق عليه اسم العالم .
والعالم : الصنف من أصناف ذوي العلم ، أي الإنسان ، أو النوع من أنواع المخلوقات ذات الحياة كما تقدم من احتمال المعنيين في قوله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . فإن أريد أصناف ذوي العلم ، فمعنى كون الشريعة المحمدية منحصرة في الرحمة : أنها أوسع الشرائع رحمة بالناس …
وإن أريد بـ ( لِّلْعَالَمِينَ) في قوله تعالى : ( إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) النوع من أنواع المخلوقات ذات الحياة ؛ فإن الشريعة تتعلق بأحوال الحيوان في معاملة الإنسان إياه وانتفاعه به ؛ إذ هو مخلوق لأجل الإنسان ، قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) وقال تعالى : ( وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
وقد أذنت الشريعة الإسلامية للناس في الانتفاع بما ينتفع به من الحيوان ، ولم تأذن في غير ذلك ، ولذلك كره صيد اللهو وحرم تعذيب الحيوان لغير أكله ، وعد فقهاؤنا سباق الخيل رخصة للحاجة في الغزو ونحوه .
ورغبت الشريعة في رحمة الحيوان … ” .
انتهى من ” التحرير والتنوير ” ( 17/ 167 – 169 ) .

ثانيا :
رحمة الإسلام بالمخلوقات هي حقيقة ثابتة قطعية ، كما يعلم ذلك من عامة موارد الشريعة ، ومصادرها ؛ لكن ينبغي فهمها على وجهها الصحيح ، وبيان ذلك كالآتي :

1- الله خلق الناس في هذه الدنيا للابتلاء والامتحان .
قال الله تعالى :( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك / 1- 2.
وخلق الله أجسام الناس بأحسن صورة وأليقها لتحمل أمانة الدين التي كلفوا بها ، ولتقوى هذه الأجسام وتكون قادرة على تحمل التكاليف أباح لها ما يقويها وينشطها ، وما يحصل به حياتها وبقاؤها ، وكمالها وجمالها اللائق بتكريمها ، من طعام وشراب ودهن وعطر ودواء ؛ وأودع هذه المنافع في نباتات وحيوانات مختلفة .
ثم إن ذلك كله : لم يهمل فيه جانب الرحمة ، في حق ما خلقه الله لمنفعة الإنسان ؛ بل خلقه على هيئة تناسب حكمة خلقه ، من غير مجافاة لجانب الرحمة في حقه ، وشرع في حقه أيضا : ما يتمم ذلك ويكمله .
فمن ناحية الخلق ؛ جعل الله بعض الأطعمة لا روح لها تتألم أو تشعر كما هو حال النبات ، فلا ضرر عليه بأي صورة كان قطعه ، كما هو معلوم لكل العقلاء .
وأما الحيوان ، فهو وإن كانت له روح تتألم وتشعر بالخوف والجزع ؛ إلا أنّ لا عقل له ؛ فلا يعرف الموت إلا عندما يراه ، ولا يؤثر موت فرد من القطيع على باقي القطيع ؛ فترى القطيع يُفْتَرَس فرد من أفراده ، وبعد دقائق تراه قد عاد هذا القطيع في سكون ودعة إلى مرعاه وكأن شيئا لم يقع .

2- وأما من ناحية التشريع فالله سبحانه وتعالى نهى عن قتل الحيوان إلا للحاجة المشروعة ؛ فلا يجوز قتل الحيوان لغير حاجة مشروعة .
روى الإمام البخاري ( 5515 ) ، والإمام مسلم ( 1958 ) واللفظ له ؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : ” مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ لَعَنْ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا ” .
ثم شرع قتل الحيوان – عند الحاجة إلى ذلك – على أرحم طريقة .
وروى مسلم ( 1955 ) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ : ” قَالَ ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (‏ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ).‏

قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
” والقِتلة والذِّبحة بالكسر ، أي: الهيئة ، والمعنى : أحسنوا هيئة الذبح ، وهيئة القتل . وهذا يدلّ على وجوب الإسراع في إزهاق النفوس التي يُباح إزهاقها على أسهل الوجوه . وقد حكى ابنُ حَزمٍ الإجماع على وجوب الإحسان في الذبيحة ” .
انتهى من ” جامع العلوم والحكم ” ( 1 / 363 ).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ” أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحُهَا ، وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا ) الحاكم ( 4 / 231 ) وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري . ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” ( 1 / 63 ) .

فالخلاصة أخي الكريم : أن الانتفاع بما هو مباح من نبات وحيوان وفق الأحكام الشرعية ، لا يخالف الرحمة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم .
ثالثا :
الصائد غير المسلم إذا كان ممن تحل ذبيحته ؛ بأن يكون من أهل الكتاب : ففي هذه الحالة يباح أكل صيده عند جمهور أهل العلم ، وإذا كان ممن لا تحل ذبيحته ، كالمجوسي والهندوسي والملحد ونحو هذا ، فهذا لا يباح أكل صيده .
في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” ( 28 / 117 – 118 ) :
” أن يكون – أي الصائد – مسلما أو كتابيّا ، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وقال المالكيّة‏:‏ لا يحلّ ما صاده الكتابيّ وإن حلّ ما ذبحه …
وعلى ذلك فلا يحلّ صيد المشرك أو المرتدّ ، ووجه اشتراط هذا الشّرط هو أنّ غير المسلم لا يخلص ذكر اسم اللّه ، ووجه حلّ صيد وذبائح أهل الكتاب هو قوله تعالى‏:‏ ‏( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ‏ ) .
والمقصود بالكتابيّ‏ :‏ اليهوديّ والنّصرانيّ ، ذمّيّاً كان أو حربيّاً‏ ” انتهى
ولمزيد الفائدة طالع الفتوى رقم : ( 106051 ) .
وللتعرف على شروط الصيد طالع الفتوى رقم : ( 194080 ) .

والحاصل :
أنه لا حرج عليك في الاشتغال بتجارة العطور ، حتى وإن كان بعضها مستخرجا من الحيوان ، على الوجه المأذون فيه شرعا ، وليس في الانتفاع بالنبات أو الحيوان ، على الصفة الشرعية : ما يخالف جانب الرحمة في شيء .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android