0 / 0

( الرحمن على العرش استوى ) حقيقة لا مجازا .

السؤال: 219403

نرى في القرآن العديد من الآيات التي تصف الله بأنه سبحانه فوق عرشه ؛ كما في سورة الملك ، وطه ، بالإضافة إلى سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية أين الله ، هل الله فوق العرش حقيقة أم مجازاً؟ سبب سؤالي هو وجود العديد من تراجم معاني القرآن المختلفة ، فهل يوجد أي حديث أو تفسير لابن عباس (رضي الله عنهما) حبر القرآن يمكن منه معرفة إن كان ذلك من باب المجاز أم لا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
أثبت الله تعالى لنفسه صفة ” الاستواء على العرش ” في أكثر من موضع من القرآن ، فقال تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ) طه/ 5 ، وقال تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ ) الأعراف/ 54 ، يونس/ 3 ، الرعد/ 2 ، الفرقان/ 59 ، السجدة/ 4 ، الحديد/ 4 .

فالاستواء صفة فعلية للرب تعالى ، أثبتها له أهل السنَّة والجماعة ، على الوجه اللائق به عز وجل ، من غير تحريف لمعناها ، كما يقول من يقول : إن معناه : “الاستيلاء” ! ، ولا تمثيل لها باستواء المخلوق ، فإن الله جل جلاله لا يشبهه أحد في ذاته ، ولا يشبهه أحد في صفاته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
” أصل الاستواء على العرش : ثابت بالكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة وأئمة السنة ، بل هو ثابت في كل كتاب أنزل ، على كل نبي أرسل ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 2 / 188 ) .
ويقول الإمام محمد ابن إسحاق بن خزيمة رحمه الله : ” فنحن نؤمن بخبر الله جل وعلا : أن خالقنا مستو على عرشه ؛ لا نبدل كلام الله ، ولا نقول قولا غير الذى قيل لنا ؛ كما قالت المعطلة الجهمية : إنه استولى على عرشه ، لا استوى ؛ فبدلوا قولا غير الذى قيل لهم ، كفِعْل اليهود : لما أمروا أن يقولوا : حِطَّة ، فقالوا : حنطة ؛ مخالفين لأمر الله جل وعلا ، كذلك الجهمية” انتهى من “التوحيد” (1/233) .
ويقول الإمام أبو الحسن علي بن مهدي الطبري ، وهو من شيوخ الأشاعرة الأولين : (ت: 380هـ) :
” ومما يدل على أن الاستواء ـ ههنا ـ ليس بالاستيلاء : أنه لو كان كذلك ، لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه ، إذ هو مستول على العرش على سائر خلقه ، وليس للعرش مزية على ما وصفته ” .
انتهى من “تأويل الآيات المشكلة” لابن مهدي (178) .

فنؤمن بأن الله تعالى قد استوى على العرش ، استواء حقيقيا يليق بجلاله سبحانه، ليس كاستواء البشر ، ولكن كيفية الاستواء مجهولة بالنسبة لنا ؛ ولذا ، فإننا نفوض كيفيته إلى الله ، كما قال الإمام مالك وغيره لما سئل عن الاستواء : “الاستواء معلوم، والكيف مجهول” ، انظر: “مجموع الفتاوى” لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/25) .

قال الإمام الدارمي رحمه الله ، تعليقا على قول الإمام مالك السابق :
” وصدق مالك ؛ لا يُعقَل منه كيف ، ولا يُجهل منه الاستواء ، والقرآن ينطق ببعض ذلك في غير آية ” انتهى من ” الرد على الجهمية ” (ص/105) .

وقال الإمام يحي بن عبد العزيز الكناني ، رحمه الله :
” أما قولك : كيف استوى ؛ فإن الله لا يجري عليه : (كيف) ؛ وقد أخبرنا أنه استوى على العرش ، ولم يخبرنا كيف استوى ؛ فوجب على المؤمنين أن يصدقوا ربهم باستوائه على العرش ، وحرُم عليهم أن يصفوا كيف استوى ؛ لأنه لم يخبرهم كيف ذلك ، ولم تره العيون في الدنيا فتصفه بما رأت ، وحرم عليهم أن يقولوا عليه من حيث لا يعلمون ؛ فآمنوا بخبره عن الاستواء ، ثم ردوا علم (كيف استوى) إلى الله” انتهى ، نقله ابن تيمية في “درء تعارض العقل والنقل” (6/118) .

ثانيا :
أجمع سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين إثبات الصفات الواردة لله تعالى في الكتاب والسنة على الحقيقة لا المجاز ، قال ابن عبد البر رحمه الله :
” أهل السنة مجمعون عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهَا وَالْخَوَارِجُ فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ ، وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ ، وَالْحَقُّ فِيمَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ” انتهى من ” التمهيد” (7/ 145) .
وانظر جواب السؤال رقم : (151794) .
ثالثا :
روى الحاكم (3116) ، والطبراني في ” المعجم الكبير” (12404) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : ” الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ ، وَالْعَرْشُ لَا يُقْدَرُ قَدْرُهُ “
وقال الحاكم عقبه : ” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ” ووافقه الذهبي .
ورواه عبد الله بن أحمد في “السنة” (590) ولفظه : ” إِنَّ الْكُرْسِيَّ الَّذِي وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمَوْضِعُ قَدَمَيْهِ ، وَمَا يُقَدِّرُ قَدْرَ الْعَرْشِ إِلَّا الَّذِي خَلَقَهُ ” .
وقال أبو منصور الأزهري رحمه الله في “التهذيب” (10/ 33):
” الصحيحُ عَن ابْن عَبَّاس فِي الكُرْسِيّ مَا رواهُ الثَّوْريُّ وغيرهُ عَن عمارٍ الدُّهْنِي عَن مُسْلمٍ البَطِينِ عَن سعيد بن جُبَيْرٍ عَن ابْن عباسٍ أَنه قَالَ: ” الكُرْسِيُّ: موضعُ القدمينِ ، وأَما العَرْشُ فإنَّهُ لَا يُقدرُ قدرهُ ” وَهَذِه روايةٌ اتفقَ أَهْلُ العلمِ على صِحتها “
انتهى ، وينظر : ” البداية والنهاية ” لابن كثير (1/ 13) ، ” الإبانة الكبرى” لابن بطة (7/ 325) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” العرش هو ما استوى عليه الله تعالى ، والكرسي موضع قدميه ؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: ” الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر أحد قدره ” .
انتهى من” مجموع فتاوى ورسائل العثيمين ” (5/ 34) .
فقول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى : ( وسع كرسيه السموات والأرض ) : ” الكرسي موضع القدمين ” يدل دلالة واضحة على أن الاستواء حقيقي وليس مجازيا .

ولهذا قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله : ” وهو بنفسه على العرش ، بكماله ، كما وصف ” انتهى من “الرد على الجهمية” (ص/55) .
وقال ابن القزويني رحمه الله : ” ومن قال : العرش ملك ، أو الكرسي ليس بالكرسي الذي يعرف الناس : فهو مبتدع ” انتهى ، نقله “قوام السنة الأصبهاني” في “الحجة” (1/249) .

وأما اختلاف ترجمات القرآن الكريم في ذلك ، فهي كاختلاف تفاسيره بالعربية ، وأولى من ذلك ؛ فإن التفسير بالعربية يختلف بحسب فهم المفسر ، وتأثره بمذهبه العقدي ، وفكره الكلامي ، ثم قدرته على التعبير عن ذلك بعبارة مطابقة لما يعتقده ، وهذا كله موجود في المترجم ، وأعقد من ذلك ، فإنه ينقل من لغة إلى لغة ، ومعلوم ما يكتنف ذلك من الصعوبات والمشكلات .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (12290) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android