أُريد منكم الرد بالتفصيل على من يقول : إنه يوجد خلاف بين العلماء في كشف الوجه ، ولا بأس بكشف وجه المرأة .
وهل يدخل في ” من تتبع الرخص فقد تزندق ” ؟
وهل يختلف حكم كشف الوجه من مجتمع يتحجبون إلى مجتمع آخر يكشفون الوجه ؟
ومتى فرض تغطية الوجه . وهل كان زوجات النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم يكشفن وجوههن ؟
هل ستر المرأة وجهها من القضايا الخلافية التي لا ينكر فيها على المخالف ؟
السؤال: 219722
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
ينبغي للعالم ولطالب العلم المتمرس في علوم الشريعة الإسلامية ، أن يرجح كل واحد منهما ما ترجح لديه من الأقوال ، حسب الأدلة الشرعية ، ثم إن اعتقاده أو غلبة ظنه أن هذا القول هو الراجح ، لا ينفي أن تكون المسألة خلافية اجتهادية ، اختلف فيها اجتهاد العلماء .
وقد ذكرنا في عدة فتاوى سابقة : أن القول الراجح الذي تؤيده الأدلة الشرعية ، هو وجوب ستر المرأة جميع بدنها (بما فيه الوجه) عن الرجال الأجانب عنها ، وانظر الفتاوى رقم : (11774) ، (21134) ، (100719) ، (13998) .
وذكرنا – أيضا – أن هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء ، وانظر الفتاوى رقم: (146360) ، (12525) ، (21536) .
ولا ينبغي للعالم أو المفتي أن يلزم الناس بأن يأخذوا بقوله ، ما دام القول الآخر قد قال به علماء آخرون ، وتحتمله الأدلة الشرعية .
قال الإمام أحمد رحمه الله :
” لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ، ولا يشدد عليهم ” انتهى من ” الآداب الشرعية والمنح المرعية ” لابن مفلح (1/ 166) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره : إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد ، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها ؛ ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية ، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (30/ 80) .
ثانيا :
هذا الحكم لا يختلف من بلد إلى آخر ، بل الموقف من هذه المسائل الاجتهادية واحد في كل مكان ، غير أن العامي يلزمه أن يعمل بفتوى علماء بلده في الفتاوى التي تتعلق بالشأن العام ، أما القضايا الخاصة به كحكمٍ في صلاة أو صيام أو ما أشبه ذلك فلا حرج عليه أن يقلد أي عالم ما دام أهلا للفتوى .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
لا شك أن من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون عالماً بشروطه ، هل هو منكر أو غير منكر ؟ وبعض الناس إذا رأى أحد رجال الهيئة يعترض على امرأة كاشفة الوجه يقول : لا يجب عليك أن تنكر؛ لأنها لا تخلو من حالتين : إما أن تكون مسلمة ترى عدم وجوب ستر الوجه ، وإلا فتكون كافرة ، فلا يجب في الأصل أن تحتجب ، هل ما يقول هذا صحيح ، أو غير صحيح ؟
فأجاب :
” لا. هذا غير صحيح ؛ لأن المعاصي قسمان : قسم لا تضر إلا صاحبها ، فهذا ندعه ورأيه إذا كان أهلاً للاجتهاد ، وقسم تضر غيرَ صاحبِها ، ولا شك أن كشف المرأة وجهها لا يختص ضررُه بها هي ، بل يضر غيرها ؛ لأن الناس يفتتنون بها ، وعلى هذا يجب أن تنهاها سواء كانت كافرة أو مسلمة ، وسواء كانت ترى هذا القول أو لا تراه ، انْهَهَا ، وأنت إذا فعلت ما فيه ردع الشر سلمت منه .
أما ما كان لا يضر إلا صاحبه ، مثل رجل يشرب الدخان ، وقال : أنا أرى حله ، ولا أرى أنه حرام ، وعلمائي يقولون : إنه حلال ، فهذا ندعه إذا كان عامياً ؛ لأن العامي قوله قول علمائه ، فإذا قال : أنا أرى أنه ليس بحرام نتركه ؛ لأن هذا لا يضر إلا نفسَه ، إلا إذا ثبت صحياً أنه يضر الناس بخنقهم أو كان يؤذيهم برائحته ، قد نمنعه من هذه الناحية ” انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” (34/ 11، بترقيم الشاملة آليا) .
وسئل أيضا : هل ينكر على المرأة التي تكشف الوجه ، أم أن المسألة خلافية ، والمسائل الخلافية لا إنكار فيها؟
فأجاب :
” لو أننا قلنا : المسائل الخلافية لا ينكر فيها على الإطلاق ، لذهب الدين كله ؛ لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين العلماء ……
والمسائل الخلافية تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : اجتهادية يسوغ فيها الخلاف ؛ بمعنى : أن الخلاف ثابت حقاً وله حكم النظر ، فهذه لا إنكار فيها على المجتهد ، أما عامة الناس فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم ؛ لئلا ينفلت العامة ؛ لأننا لو قلنا للعامي : أي قول يمر عليك لك أن تأخذ به ، لم تكن الأمة أمة واحدة ، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : العوام على مذهب علمائهم .
فمثلاً : عندنا هنا في المملكة العربية السعودية أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها ، فنحن نلزم نساءنا بذلك ، حتى لو قالت لنا امرأة : أنا سأتبع المذهب الفلاني وكشف الوجه فيه جائز، قلنا : ليس لكِ ذلك ؛ لأنكِ عامية ما وصلتِ إلى درجة الاجتهاد ، وإنما تريدين اتباع هذا المذهب لأنه رخصة ، وتتبع الرخص حرام .
أما لو ذهب عالم من العلماء الذي أداه اجتهاده إلى أن المرأة لا حرج عليها في كشف الوجه، ويقول : إن امرأتي سوف أجعلها تكشف وجهها .
قلنا : لا بأس ، لكن لا يجعلها تكشف الوجه في بلاد يسترون الوجوه ، يمنع من هذا ؛ لأنه يفسد غيره ، ولأن المسألة فيها اتفاق على أن ستر الوجه أولى ، فإذا كان ستر الوجه أولى فنحن إذا ألزمناه بذلك لم نكن ألزمناه بما هو حرام على مذهبه ، إنما ألزمناه بالأولى على مذهبه ، ولأمر آخر وهو ألا يقلده غيره من أهل هذه البلاد المحافظة ، فيحصل من ذلك تفرق وتفتيت للكلمة .
أما إذا ذهب إلى بلاده فلا نلزمه برأينا ، ما دامت المسألة اجتهادية وتخضع لشيء من النظر في الأدلة والترجيح بينها .
القسم الثاني من قسمي الاختلاف: لا مساغ له ولا محل للاجتهاد فيه ، فينكر على المخالف فيه ؛ لأنه لا عذر له” اهـ . انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” (49/ 14، بترقيم الشاملة آليا).
ثالثا :
فرض الحجاب في العام الخامس من الهجرة ، كما أخرج البخاري (6238) عن أنس قال : ” وَكَانَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْش ”
وقال صالح بن كيسان :
” نزل حجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة ” رواه ابن سعد في ” الطبقات الكبرى ” (8/175) .
وأجمع العلماء على فرضية الحجاب الكامل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
وبالقطع إلتزمن جميعا بهذا الحكم ، ولم تكشف واحدة منهن وجهها بعد فرضية الحجاب .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة